قراءة: فتح في عمرها ال 51 شيخوخة في البناء وارتباك في السياسة وقدرة على النهوض
مقدمة:
تعد حركة التحرير الوطني الفلسطيني"فتح"، من الحركات الأكثر تعقيدا حين دراسة واقعها، فتتشابك في واقع الحركة المحاور، وتتكاثر على جسدها الجماعات، وعند متابعت سيرتها، تراها تموت ثم تنتعش.
في تاريخ فتح هيمنت على الحياة السياسية الفلسطينية منذ عام ١٩٦٨ فهي تقود منظمة التحرير التي تمثل شعبنا الفلسطيني وهي كذلك تقود السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها عام ١٩٩٤ ورغم ذلك هناك نقص في الدراسات التي ترصد تاريخ وتجربة هذه الحركة الكبيرة من حيث الدراسات النقدية لتجربتها.
وفي هذه الورقة، حاول مركز القدس تسليط الضوء على بعض الجوانب في تاريخ وأداء فتح في ظل الواقع الصعب الذي تعاني منه، بسبب انحسار خياراتها في السنوات الأخيرة عبر ربط سياستها بالتفاوض كطريق وحيد، مما أوصلها إلى طريق مسدود أضعف المؤسسات القيادية فيها.
الباحثون في تاريخ الحركة، يظلمون فتح ، حين متابعتها على أنها حركة، كما يبتعدون عن الصوب حين اعتبارها جماعة، ويرتبكون حين الحكم الكلي على "فتح".
لذلك جمعت هذه الورقة البحثية بين المصطلحات، كلها، وعرفت فتح على أنها نمط حزبي غريب، يجمع بين القبيلة، والحركة، ويجعل الرابط بين طوائفها خليط، من الشعار، والمصلحة المتقاطعة بين الوطنية والذاتية، وقدرة على تلبية الحاجات.
في محاور الورقة، حرص مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، قراءة واقع الحركة في عمرها ال51 عبر عناويين، البنية القيادية، المنهج السياسي، التحديات، نظرة إسرائيل لها، ومستقبل الحركة في ظل التجاذبات على هويتها.
مع الإشارة إلى أن القراءة مقدمة عن واقع فتح، حيث اعتمدت في تكوين تصوراته عن الحركة عبر نقاشات مع كوادر الحركة، قراءة معمقة في تاريخيها النظري، ورصد لواقع الحركة.
وشارك في القراءة" مدير مركز القدس علاء الريماوي و رئيس قسم الأحزاب الفلسطينية في مركز القدس السيد محمد عمر حمدان، ورئيس قسم الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد.
المبحث الأول: البنية القيادية ومراحلها في تاريخ الحركة:
أولا: البنية الثورية(من 1965 إلى العام 1971): تعد هذه الفترة الأهم ، من عمر فتح، من حيث التكوين للسلم القيادي حيث، جمعت الحركة في صفها القيادي، بين الشاب المتعلم الثائر، والمقاتل في ساحة المواجهة، كما سمحت لحالة من التداخل، بين الإسلامي، والقومي، العلماني، واليساري، وغلب من حيث القوة، ما يعرف، بقيادة الجبهة(قيادة الساحات)، فبرزت أسماء كبيرة، مثلت تاريخ فتح.
كان من أهم ملامح هذه المرحلة جملة من المميزات أهمها:
أولا: ترابط ظاهري في البنية التنظيمية في ظل غياب الأهداف لصالح الشعار .
ثانيا: توزع موازين القوى بين قيادات الحركة(قيادة المواقع)، على الرغم من بروز شخص القائد العام للحركة الشهيد"ياسرعرفات".
ثالثا: بروز التأثير الخارجي كمتغير مهم في بناء سلم القيادة، بشكل عام مما أتاح لتأثير الدول العربية على بنية فتح التنظيمية(الانشقاقات في صفوف فتح مؤشر ذلك).
رابعا: التأسيس لما يعرف بالظاهرة غير المنهجية لبناء السلم القيادي في حركة فتح، عبر ما يعرف بالبناء(العشوائي)، الشخصية الأنشط، السمعة الثورية، مراكز القوى العسكرية، وقوة الساحة التي تتواجد فيها حركة فتح.
برغم قسوة التكوين أضحى لحركة فتح قيادية هرمية، واضحة المعالم، تتوزع فيها مراكز القوى على شخصيات مختلفة.
المرحلة الثانية: وتمتد من العام 1971(أيلول الأسود) إلى العام 1981
أثر الانشقاق الذي قاده أبو نضال عام1973 في ساحة العراق، على تكوين البنية القيادية في حركة فتح، حيث برزت منذ ذلك الحين، ما يعرف بالمحاور القيادية داخل الحركة"سوريا، مصر، العراق، الخليج العربي".
هذا الشكل من أنماط البنية القيادية ، فتح المسار لحالة من التنازع داخل صفوف الحركة، عبر عنه فيما بعد، انقسامات كبيرة طالت بنية الحركة وأثرت على مباني قوتها خاصة في الخارج.
لكن الأهم في دائرة التأثير على البنية القيادية في فتح، أحداث أيلول الأسود، التي حولت المشهد الفصائلي برمته إلى مشهد استهداف من جهات مختلفة خاصة من الدول العربية.
فضاعفت نتائج أيلول، من حرص الأنظمة على إيجاد قطاعات تتبع لها، خاصة في حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح.
ليتطور الأمر، وتصبح البنى العامة لبعض القطاعات قابلة للاستخدام في النزاع العربي الداخلي.
كما كان لاغتيال قيادة فتح على يد الاحتلال الإسرائيلي ممثله أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر، أثرا بارزا في اختلال معالم التماسك بين بعض القطاعات المركزية في فتح، ليبرز على الإثر قيادات لم تستطع تعبئة الفراغ الذي خلفته عملية الاغتيال .
ومن أهم ملامح هذه المرحلة على بنية فتح:
أولا: ظهور ما يعرف بقيادة الساحات، وظهور تناحر على مراكز القيادة في الحركة، بشكل عنيف وصل حد الاشتباك المسلح.
ثانيا: بروز ما يعرف في فتح برجالات(الأنظمة) من خلال الدعم السياسي والمالي.
ثالثا: بروز الرئيس ياسر عرفات كقيادي يمسك بخيوط فتح بشكل أكبر، خاصة المال، والعلاقات الدولية.
رابعا: تكون ما يعرف بالقياده الواقعيه في فتح، والتي قادت فيما بعد تحولات سياسية منها التفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي.
ثالثا: من العام 1981 حتى العام 1987
تعد هذه المرحلة من المراحل الأخطر في تكوين البنية القيادية لحركة فتح، خاصة بعد خروج المنظمة من لبنان، والأحداث التي تبعتها، من مجازر وقعت ضد المخيمات، وانهيار البنية القيادية لصالح قوى(الدول) مما أسس لانشقاق واسع في فتح، عصف بساحات، مختلفة وأثر على النمطية العامة للقيادة في الحركة، لكنه في ذات الوقت حصر البنية القيادة العامة، لصالح المقربين من الرئيس ياسر عرفات.
رابعا: من العام 1987 إلى العام 1992
شكلت الانتفاضة الفلسطينية عام 1987، حالة بعثية جديدة لحركة فتح، بعد نكستها في لبنان، وظهور بعض السياسات الخاطئة في التعاطي مع اللجوء.
ساعدت الانتفاضة على ظهور ما يعرف بقيادات الداخل، في البنية القيادية للحركة على حساب القيادات التقليدية.
في هذه المرحلة، أضحى الداخل أكثر تأثيرا، و حضورا في الساحة الفلسطينية على حساب القيادات في خارج الوطن المحتل، بمستويات من التأثير على برنامج الانتفاضة اليومي وقيادة الساحة الداخلية.
ومن أبرز ملامح هذه المرحلة، جملة من المتغيرات منها:
أولا: بروز قيادات ميديانية بشكل واسع في الأراضي الفلسطينية على حساب القيادة الخارجية، وسطوع نجم الشباب في هذه المرحلة.
ثانيا: استشهاد أحد أبرز وجوه فتح القيادية أبو جهاد خليل الوزير، الأمر الذي تسبب بفقدان الحركة زاوية التوازن لصالح القيادة الفردية للرئيس ياسر عرفات.
ثالثا: اندماج الحالة القيادية الداخلية والخارجية والتأسيس لنمط تابع للرئيس يعصبه قوة الداخل الفلسطيني.
رابعا: تنامي تيار القيادات الواقعية في فتح، و التي قادت الحركة لاتفاق مدريد ومن ثم أوسلو، وصولا الانتقال إلى الأرض الفلسطينية.
المرحلة الخامسة: من العام 1992 حتى العام 2006
جذرت هذه المرحلة في تاريخ الحركة حضور الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات كقائد وحيد وأوحد للحركة، حيث تمكن من السيطرة المطلقة على الحركة، دون حضور لأي من القيادات التاريخية، مما مكنه الإمساك بمفاصل القيادة، المالية والسياسية والمؤسساتية.
وفي هذه المرحلة، حول الرئيس عرفات، ثقل وموازين القوى في المؤسسة الوليدة(السلطة) للشخصيات المقربة منه، على حساب القيادات (المشاكسة)، كما وضع في دوائر العمل المركزي، الجيل القيادي الشاب، الذي ضمن للرئيس عباس منهج السيطرة دون أي منازع.
هذه المرحلة انعكست على واقع فتح من خلال الآتي.
أولا: "عرفنة" القيادة الفتحاوية من خلال سيطرة تياره على كافة مفاصل المؤسسات وانعدام المعارضين.
ثانيا: ضعف المؤسسة في فتح، لصالح السلطة الفلسطينية وبنيتها بعد تحول القيادات من قيادة التنظيم لقيادة السلطة.
ثالثا: تحول فتح في بنيتها القيادية إلى حركة متداخلة لا يضبط الانتماء اليها ضابط واحد، مما أوجد قيادات ليس لها علاقة تاريخية بالحركة على حساب القيادة التاريخية.
رابعا: تجذر الخلافات بين البنية القيادية لحركة فتح، وحضور ما يعرف بقيادة الأجنحة الأمنية على حساب الكادر المدني مما جذر التنازع والفرقة.
المرحلة السادسة: من العام 2006 حتى العام 2016
تعد هذه المرحلة من المراحل الأخطر على بنية فتح، حيث انتهى في هذه المرحلة، إرث ياسر عرفات، وتداخلت فيها ظروف تكوينية في الحركة، سرعت في تبعية الحركة، للرئيس محمود عباس.
ففي زمن الرئيس عباس وتواصلا مع ما سبق من إرث تقيل ورثته الحركة تجذر الآتي:
أولا: حضور تيار الرئيس عباس، على حساب البناء القيادي السابق، مما حيد كثير من قيادات الحركية الفاعلة في المناطق.
ثانيا : حضور شخصيات في قرار الحركة من خارج البناء الفتحاوي التراتبي، وانهاء أسماء كانت قوة فتح على الصعيد الأمني والداخلي.
ثالثا: انحسار قيادة فتح بما يعرف (ببناء الضفة الغربية) وانتهاء تأثير ساحات الخارج(فاروق القدومي وغيره) بالإضافة إلى انتهاء دور قطاع غزة.
رابعا: تنامي دور قيادي لفتح(الأمن) و(التقنوقراط) دون حسم في مستقبل فتح من حيث التراتبية القيادية برغم عقد المؤتمر السادس.
خامسا: زيادة الإرباك على صعيد نيابة القائد العام في بنية الحركة لصالح تدخلات إقليمية وخارجية.
المبحث الثاني: المنهج السياسي لفتح في المرحلة الراهنة
منذ اتفاق أوسلو انعطفت الحركة في رؤيتها السياسية، انعطافة حادة، لصالح الحل المرحلي عبر المفاوضات.
في متابعة هذه المرحلة ظهر في عهد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ما يعرف بالخيارات المتعددة، تفاوض، يسمح بالقتال.
لكن هذه المرحلة عدت هي الأخطر، كونها أدخلت للساحة السياسية، مفاهيم مخالفة للإرث التاريخي لدى فتح والفصائل الفلسطينية.
ومن بين هذه المضامين"الاعتراف بإسرائيل، التنسيق الأمني، اللقاء مع الشخصيات الإسرائيلية ضمن ما يعرف بدوائر التطبيع، فتح علاقات مع دولة الاحتلال على صعيد المؤسسة والأفراد".
قراءة الاتفاقيات السياسية في عصر الرئيس ياسر عرفات، شكلت حالة مرجعية للفهم وصلنا فيها إلى جملة من الخلاصات المهمة.
أولا: عدم وجود منهجية واضحة لدى فتح، في جانب تعاطيها مع الاحتلال الإسرائيلي، فمجمل الاتفاقات استنزفت الواقع الفلسطيني بشكل خطير للغاية.
ثانيا: وضعت منهجية فتح السياسية، المؤسسة الفلسطينية رهينية في يد الاحتلال الإسرائيلي، عبر ما تم التوصل اليه من اتفاقيات مرحلية(اتفاق باريس الاقتصادي، أوسلو).
ثالثا: غياب الأفق الواعي في إدارة الصراع مما عزز قدرة إسرائيل على التأثير في القرارات السياسية المختلفة.
رابعا: أدخلت الاتفاقات قوالب من التأثير الخارجي على التوجهات الفلسطينية، سواء كان ذلك على صعيد المؤسسة وحتى التوجه السياسي(الرعاية الأمريكية والأوروبية).
هذه المتغيرات أثرت بشكل واضح على البنية السياسية الداخلية، مما أوجد خلافاتحادة بين الفصائل، كما أسس لما يعرف بالاحتكام للقوة في العلاقات الداخلية(فظهر الاعتقال السياسي، القتل السياسي، الاقصاء السياسي، الاستخدام السياسي) لكنه في ذات الوقت أبقى هامشا من اللقاء حتى على صعيد المقاومة الفلسطينية.
هذا الإرث حمل آثاره إلى المرحلة التي قاد فيها الرئيس عباس فتح، فتطورت الحالة بعد الانقسام، إلى واقع صعب، تأصلت فيه متغيرات كبيرة وكثيرة منها:
أولا: عدم وضوح رؤية فتح في الملفات الداخلية على صعيد المصالحة والشراكة، والبناء المؤسسي الفلسطيني.
ثانيا: وضوح الموقف من المقاومة، وخلق حالة من الصدام معها، بل وضوح شكل التحرك تجاهها لصالح تفكيكها.
ثالثا: الوضوح في شكل العلاقة مع الاحتلال، من خلال المواجهة الدوبلوماسية السياسية، عبر المفاوضات، والحراك على صعيد المؤسسات الدولية.
رابعا: ابقاء فتح بعيدة عن التأثير السياسي لصالح منهج الرئيس الفلسطيني محمود عباس في إدارة الملف السياسي.
خامسا: سعي كبير للبقاء، ضمن المحور الرسمي للدور العربية، خاصة مصر، الأردن العربية السعودية.
هذه الخماسية، لا يمكن الوثوق بتغيرها في المرحلة القادمة، برغم الأزمة التي تعيشها فتح، مما ينذر ببقاء واقع الحركة على ما هو عليه.
بل تنذر الأوضاع السياسة المحيطة بالحركة بجملة من المخاطر أهمها:
أولا: القبول بحلول مرحلية أقل مما تم في أوسلو،(على شكل دولة المدن في الضفة الغربية) كمخرج للأزمة القائمة من الناحية السياسية(حل مرحلي).
ثاينا: الذهاب إلى تحالف أوسع في ملفات داخلية ضد غزة، بتمن لخيارات عمل أكثر وضوحا وقربا للخيار المصري ضد غزة.
ثالثا: الاستمرار في ذات المسار السياسي والأمني خلال المرحلة القادمة، الأمر الذي من شأنه اضعاف القدرة على تصحيح الواقع الفلسطيني.
التحديات التي تواجه الحركة خلال المرحلة القادمة
هناك جملة من التحديات الكبيرة التي تواجه حركة فتح، والتي تحتاج معها لجملة من القرارات الجراحية الصعبة منها.
أولا: وراثة القائد العام للحركة، يعد هذا الملف من الملفات الضاغطة على الحركة، خاصة في ظل ظروف أهمها، التنافس الكبير بين تيارات الحركة، أهمها تيار يدعمه الرئيس عباس، وآخر يقوده دحلان بدعم من دول إقليمية منها على الأقل الإمارات ومصر في هذه المرحلة.
الخلاف في هذا الملف، تبرز فيه شخصيات، قوية أهمها، القيادي المفصول محمد الدحلان، ماجد فرج برغم عدم التوافق عليه في الضفة الغربية، وجبل الرجوب غير المرغوب من بعض الجهات العربية، ثم شخصيات لا تملك من موازين القوة الحقيقية على الأرض، كالسيد صائب عريقات، والسيد محمد شتيه".
مركز القدس" وجد من خلال البحث والمعلومة، أن هناك حراكا دوليا، كبير للبحث عن وريث للرئيس عباس،الأمر في هذا الملف لم يحسم، لكن الخيارات العامة ستقوم على منهجية، تقسيم ميراث الرئيس عباس السياسي، في المرحلة الأولى، ضمن ثلاثة محاور(محور اقتصادي، أمني، سياسي).
مرتكازات هذا التوجه، سيكون للخارج الرأي، أكثر من رؤية الداخل، لكن مراكز القوى الداخلية ستحسم ثقل الأطراف المختلفة.
أمام هذا التحدي الكبير على هوية الحركة، يجبفرز تيار قوي، مسؤوليته الحفاظ على هوية فتح القادمة في ظل تخبط، اقليمي وسيولة في التدخلات الخارجية.
ثانيا: جمع الجسم الفتحاوي بين الضفة وغزة: من الواضح إـن حجم الشرخ كبيرا بين تكوين غزة والضفة، هذا الأمر، يرتبط بحجم الخلافات على منصب، خليفة الرئيس الفلسطيني، بالإضافة إلى حجم التجاذبات على الساحة الدولية خاصة العربي منها.
قيادات وازنة في الضفة ترى أن التقارب يلزمه حالة من المصالحة مع دحلان الأمر الذي يهدد، شكل الترتيب القيادي، ويمهد معه لسطوع نجم دحلان سريعا.
وفي المقابل، تدرك أوساط أخرى بأن بقاء فتح في غزة، على ذات الواقع، سيجنبها أي أمل بفوز سياسي مستحق أمام الخصم(حماس).
والمتابعة في هذا الملف، تؤكد إمكانية حصول هذا الأمر، خاصة في حال حدوث تغيير هادئ في تعيين بديل عن الرئيس عباس.
لكن التغيير لن يكون سلسا، وسيشهد نوع من الافرازات الخاصة بالبنية القيادية على الساحتين (الغزاوية والضفاوية).
ثالثا: البرنامج السياسي للحركة، برغم اثبات الحركة في مؤتمرها السادس برنامجا واسعا، لكن الاداء السياسي للحركة، لكن الفعل على الأرض، لم يتقيد بمرجعيات واضحة، الأمر الذي تسبب بفجوة بين ثقافة الفرد، وأداء المؤسسة.
هذه الفجوة أثرت بشكل كبير على البناء الثقافي للحركة، والتحرك السياسي على الأرض، كما زادت من سعة الخلافات بين الحركة وكادرها المثقف على الأقل، كما أورثها عدم الثقة على الأرض.
رابعا: تحتاج حركة فتح التخلص من حجم التأثير الخارجي عليها، وهذا يعد من الملفات الخطيرة على الحركة.
فتح في عين المؤسسة الإسرائيلية:
منذ تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح نظرت اليها اسرائيل بعين من الخطورة حيث مثل ظهور الحركة انتقال المجتمع الفلسطيني من حالة اللا ترتيب الى الانضباط وترتيب الصفوف من وجهة النظر الاسرائيلية، خاصة في ظل الشعبية التي بدأت تكتسبها الحركة مع مرور الزمن، وقدرة الحركة على نقل مربع المقاومة الى الداخل الفلسطيني من خلال العمليات النوعية التي نفذها افرادها، واكتساب الحركة اصطفافا شعبيا ورسميا من العديد من الدول العربية، خاصة بعد معركة الكرامة.
وقد عملت اسرائيل منذ تأسيس الحرك على محاولة تحييدها ومحاربتها، من خلال:
اولا: توجيه العديد من الضربات للحركة والقيام باغتيال الكثير من رموزها، والعمل على التضييق العالمي عليها واستخدام الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية للحد من الدعم العربي للحركة، اضافة الى قمع أي تأييد داخلي لها.
ثانيا: انتقلت اسرائيل بعد فشلها في التأثير على الحركة الى محاولة الاحتواء من خلال البدء بمشاريع السلام العربية- الاسرائيلية ومحاولة ان تكون فتح جزء من الاتفاقات المزمع عقدها، مستغلة بذلك الثقل المصري وسوء العلاقات بين الاردن وحركة فتح اضافة الى احداث لبنان عام 1982.
ثالثا: تقييد الحركة باتفاقات السلام التي تم توقيعها عام 1993 في اوسلو، حيث اعتبرت اسرائيل انها استطاعت ان تكبل حركة فتح من خلال تلك الاتفاقات، حيث مع وصول الثقل الفتحاوي من وجهة النظر الاسرائيلية الى الضفة الغربية وقطاع غزة، اصبح بإمكان اسرائيل التحكم بمصادر الاموال التي تصل الى الحركة ، لتصبح اسرائيل اكثر قدرة على التأثير في مسار الحركة.
اليوم تنظر اسرائيل الى حركة فتح على انها حركة مترهلة تجتاحها العديد من الخلافات والصراعات الداخلية، ورغم الشعور الاسرائيلي بالارتياح لما آلت اليه اوضاع الحركة الى ان هناك مجموعة عوامل تدفع اسرائيل للقلق، والتي على رأسها.
أولا: الخشية من ازدياد قوة الجيل الثوري داخل الحركة والذي يعيش على امجاد ياسر عرفات والمستاء مما آلت اليه امور الحركة حاليا، واعادة بنية كتائب شهداء الاقصى في ظل احداث الانتفاضة، حيث بإمكانها ان تمتلك السلاح بسهولة في الضفة الغربية بفعل أن غالبية ابناء الاجهزة الامنية ينتمون الى الحركة.
ثانيا: عدم وجود قيادة قادرة على جمع شتات الحركة ما بعد الرئيس محمود عباس تنظر اليه اسرائيل بخطورة، حيث تعتبر انه من الممكن ان يسهم في انتشار الفوضى داخل الحركة وبالتالي انعكاس ذلك سلبا على اسرائيل، في ظل عدم وجود مرجعية مؤثرة.
ثالثا: فشل مشروع التسوية ووصول العديد من قيادات الحركة الى حالة يأس من امكانية التوصل الى تسوية شاملة من الممكن ان يسهم في دفع العديد من الوجوه الشابة الى تبني الخيار المسلح ضد اسرائيل، ولفظ القيادة المؤمنة بالخيار الى الخارج.
مستقبل حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح
المتابع لواقع حركة فتح، على الأرض، والدارس لتاريخها، يصل إلى نتيجية أن هذه الحركة قادرة على النهوض بعد كل كبوة، ويمكنها المواصلة برغم حجم التباينات في داخلها، وهذا مرده إلى جملة من المتغيرات أهمها.
أولا: البديل الجماهيري: لم تفرز الساحة الفلسطينية تنظيما يمكنه، احتواء أنصار فتح غير الراغبين في الانضمام للحركات الاسلامية، ولا يوجد في الأفق ما يشير إلى إمكانية تبلور هذا النوع من الفصائل.
ثانيا: فشل الحركات الإسلامية الفلسطينية حتى الساعة التحول إلى بديل شعبي لأنصار فتح غير المتدينيين، الأمر الذي حفظ لفتح بيئتها.
ثالثا: السلطة والنفوذ، حافظ لفتح على هذه الميزة العامة من التقارب مع الناس، مما أبقى لحركة فتح، جاذبية قادرة على التنافس.
رابعا: امتلاك فتح خطاب(الكشكول)يعني احتواء كل الاطياف دون محاذير مما أبقى لها وصف الحركة الجماهيرية، بمستوى ينافس ويتقارب مع حركة حماس.
أمام هذه العناصر، ستواصل فتح وجودها كحركة قوية على الأرض من حيث التواجد، لكن سيسودها الكثير من التقلبات الكبيرة، التي ستمس في حجم التأييد لها، وحجم الرضا العام من أنصارها.
ورجح المركز في دراسته ثبات فتح على ذات المنهج السياسي، لعدم توفر قيادات ثورية حتى اللحظة في الحركة.
كما سيتعزز حجم التأثير الخارجي على الحركة، لتحول الحركة إلى جهة قريبة من البناء الرسمي عنه من حركة ثورية.
وسوم: العدد 652