توقعات عدوان إسرائيلي جديد على غزة

كأنها دورة فصول تتعاقب ، تلك هي حال غزة مع الحروب العدوانية الإسرائيلية عليها منذ انسحاب إسرائيل منها في 12 سبتمبر 2005 . وسمى الإسرائيليون حروبهم تلك لكمات توجه إلى الخصم بين وقت وآخر لمنعه من النهوض وبناء ذاته في متعدد وجوه الحياة الإنسانية والعمرانية . في خمس سنوات ونصف دخلت إسرائيل ثلاث حروب ضد غزة ، وهو معدل عال مدمر حتى بالنسبة إلى بلد كبير يختلف كليا عن غزة الصغيرة المساء إليها من العدو والقريب الذي صار عدوا. وهذه الأيام تحتشد في أفق غزة نذر حرب عدوانية إسرائيلية رابعة  يمهدون لها بالحديث عن وصول " حماس إلى درجة من الجاهزية الجيدة بما يكفي لتجتاز حربا أخرى في مواجهة الجيش الإسرائيلي . من ناحية إسرائيل هذا إخطار استراتيجي " مثلما جاء في مقال أليكس فيشمان في " يديعوت " عن تقدير محافل أمنية إسرائيلية . ينضاف إليه زيادة الحديث عن وصول أنفاق حفرتها حماس إلى داخل حدود الدولة الإسرائيلية ، والتحذير من احتمال قيام حماس باقتحام بعض مدن غلاف غزة مثل سديروت ، بل الاستعداد الفعلي لصد الاقتحام المحتمل ، وأخبار عن تركيز مدفعية وصواريخ إسرائيلية من نوع سبايك على حدود غزة .  فهل تعتدي إسرائيل على غزة في حرب رابعة ؟! هذا التساؤل طرح مثله قبل الحروب الثلاث السابقة ، وتمايزت الإجابة إثباتا ونفيا ، وبالأدلة للإثبات والنفي ، ووقعت الحروب . نحن اليوم بين حالتي الإثبات والنفي ، ولكل حالة دوافعها . دوافع العدوان قائمة ، ودوافع الامتناع عنه قائمة ، ويبقى ما يعلمه الله _ سبحانه _ .

دوافع العدوان :

أولا : طبيعة الدولة الإسرائيلية التي أسسها العدوان ، وتعلم أنها لا بقاء لها إلا بآلته .

ثانيا : اهتمام هذه الدولة الدائم بألا تظهر حولها أي قوة تهدد بقاءها ؛ فكيف إذا كانت هذه القوة فلسطينية مباشرة في نفس رقعتها المكانية ؟!

ثالثا : الحالة النفسية  المبتلاة  بالهوس الأمني لمواطني ( مستوطني ) هذه الدولة التي تستوجب بين وقت وآخر طمأنتهم إلى  قدرة جيشهم على ردع الأعداء المزعزين لأمنهم والمهددين لبقائهم . انتفاضة الطعن والدهس فجرت الهلع في قلوبهم حتى في الأماكن التي يقدر أنها مأمونة ، ويشكو سكان هذه الأماكن من رعب الكوابيس التي تجتاحهم في الليل . وفنادق القدس وأسواقها خلت من السائحين والشراة الداخليين والخارجيين ، وقلت زيارة سكان المدن الإسرائيلية الداخلية للمدينة المقدسة . لا أحد يريد أن يموت مطعونا أو مدهوسا .

رابعا : ما تلقاه إسرائيل من تشجيع من أطراف عربية للعدوان على غزة .

خامسا : بيئة الأحداث في المنطقة تسهل العدوان وتغري به : الحروب منفجرة في أماكن كثيرة ، والقتلى والجرحى بالآلاف ، والمشردون بالملايين، وتهديم المدن والقرى طاحونة دوارة ، فما المنكر في إضافة مكان جديد قديم؟!

وإزاء دوافع العدوان تنهض موانع له :

أولا : الحروب السابقة لم تحل مشكلات إسرائيل الأمنية على جبهة غزة ، وتكريرها ثلاث مرات برهان ذلك . وجسد هذا الاتجاه أكثر من مسئول سياسي وأمني في إسرائيل ، وأحدثهم  بينيت وزير التعليم  الذي دعا منذ أيام إلى تيسير حياة الناس في غزة ، وأقر بأنه لا نفع من استعمال القوة ضدها .

ثانيا : تردي مكانة إسرائيل في العالم ، ويكثر عندهم الحديث عن كونها في عزلة لم تعرف لها شبيها من قبل . وعدوان جديد على غزة سيزيد هذه العزلة اتساعا وشدة وترسخا .

ثالثا : تخوف إسرائيل من وقوع قتلى وجرحي في جنودها بعد أن خبرت تجربة عنيفة دامية في عدوانها على غزة في 2014، وما زال الجنود الإسرائيليون يشكون من عواقبها النفسية الصعبة ، وينظر إلى هذا المانع في ضوء حقيقة أن حروب إسرائيل في لبنان في 2006 وفي غزة كشفت ضعف حافز الحرب لدى الجنود الإسرائيليين وهزال استعدادهم للتضحية بحياتهم ، يقابل هذه الحالة ، ورغم سوء كل أحوال غزة ، أن مقاوميها أشداء  صابرون يحاربون بروح قرآنية إيمانية  تجعلهم بين خياري النصر أو الشهادة .

رابعا :  ما اليوم التالي لنهاية الحرب ؟! تساؤل تضعه إسرائيل في بالها . هي لا تريد احتلال القطاع والبقاء فيه ، ولا تستطيعه حتى لو أرادته ، ولا تستطيع أن تنشىء أي سلطة محلية فلسطينية لإدارته ؛ لأنها ستكون سلطة مرفوضة من الشعب بوصفها صنيعة للعدو .

خامسا : تفضل إسرائيل ان تبدو ولو ظاهريا خارج دائرة الأحداث الدامية في المنطقة محافظة على صورة الفيلا المتحضرة في غابة المتوحشين مثلما تصنف نفسها .

التوازن السابق  بين كفتي وقوع الحرب وامتناعها يفتح الباب لرجحان كفة على أخرى لسبب معين كبر أو صغر، وعليه قد تهاجم إسرائيل غزة وقد لا تهاجمها .

وسوم: العدد 652