تفشي ظاهرة السطو على أحذية ونعال المصلين في المساجد

سبق لي أن نشرت مقالا عن موضوع السطو على أحذية ونعال المصلين في بيوت الله عز وجل . وارتأيت أن أعود مرة أخرى إلى هذا الموضوع لأن عملية السطو على الأحذية والنعال في المساجد كثرت ، وصار الأمر يتعلق بتفشي ظاهرة السطو لا بمجرد حالات  معزولة . ومعلوم أن السرقة في دين الإسلام محرمة ، يتعرض  من يقترفها إلى عقوبة من أشد العقوبات، وهي قطع اليد كما جاء في كتاب الله عز وجل ،وهو حد من الحدود المعطلة اليوم  مع شديد الأسف في كثير من بلاد الإسلام ،الشيء الذي يشجع اللصوص على التمادي في ارتكاب جرائم السرقة  والسطو خصوصا وأن العقوبات التي تقررها المحاكم لا تتعدى عقوبة الحبس لمدد معينة  قد يتعلم فيها اللصوص فنونا أخرى من اللصوصية بسبب الاحتكاك مع غيرهم من اللصوص المحترفين أو ربما تلقوا تدريبا على فنون السرقة ، فيدخلون السجون بأرصدة متواضعة من فن السرقة ثم يخرجون منها وقد اكتسبوا خبرة كبيرة في السطو والاختلاس . وإذا كانت السرقة مذمومة  عموما، فسرقة بيوت الله عز وجل أكثر ذما لأن سرقتها  وهي أماكن عبادة يحظى من يرتادها بالأمان لأنه ينزل ضيفا على رب العزة جل جلاله تعتبر أشنع جريمة  بسبب  التجاسر بالاعتداء  على حرمتها وهوتجاسر على رب هذه البيوت . ولا يقدم على السرقة في بيوت الله عز وجل إلا شر الخلق  وأخسهم على الإطلاق لأنهم لا يملكون مثقال ذرة من إيمان يمنعهم من أبشع الجرائم في خير بقاع الأرض . وتنتشر ظاهرة السطو على أحذية  ونعال المصلين خصوصا في المساجد المحاذية للأسواق وهي شر البقاع حيث ينتشر اللصوص الذين يسطون على جيوب الناس ومحافظهم وما يقتنونه من مشتريات، فإذا ما خاب سيعيهم في الأسواق يمموا صوب بيوت الله لاستغلال انشغال المصلين بعبادة الصلاة والسطو على أحذيتهم ونعالهم خصوصا تلك التي تدر عليهم أموالا . ولا تكاد تنتهي صلاة في بيت من بيوت الله عز وجل حتى يشرع ضحايا السطو والسرقة في البحث عما ضاع منهم ويحيط بهم المصلون  يساعدونهم في بحثهم عن أحذيتهم أو نعالهم ، ويواسونهم في مصابهم ،ومنهم من يلومهم أو يعاتبهم لأنهم لم يختاروا الأماكن المناسبة لأحذيتهم ونعالهم ، ومنهم من ينتصب للفتوى فيزعم أن المسروقات صدقة لمن سرقت منهم ، ومنهم من يحكي قصص  ضياع أحذيتهم ونعالهم في المساجد . ومنهم من يذكر حكايات عن سرقات أشنع تقع في بيت الله الحرام  في موسم الحج ،كل ذلك من أجل جبر خاطر المنكوب في حذائه أو نعله . وتختلف أحوال من تسرق أحذيتهم ونعالهم، فمنهم من يحتسبها لله عز وجل ، ومنهم من يتمنى أن تكون سبب هداية من سرقها ، ومنهم من يدعو على السارق  ، ويضرب معه موعدا يوم القيامة ليقتص منه ، ومنهم من يتمنى أن يلقى جزاءه عاجلا وآجلا . وإذا كان الناس الذين تسرق منهم  أشياؤهم في مختلف الأماكن يقصدون مراكز الأمن للإبلاغ عنها  خصوصا إذا كانت محافظ تحتوي على أوراق تعريف وغيرها مخافة أن تستغل  فتجلب لأصحابها المتاعب ، فإن ضحايا المساجد الذين تضيع أحذيتهم أو نعالهم لا يقصدون مراكز الأمن ، ولا يبلغون عن السرقات التي تقع فيها ، ويكتفون بالشكوى لرب المساجد ، وكفى به حسيبا . ولا شك أن عدم التبليغ عن هذه السرقات التي تقع في بيوت الله عز وجل  هو الذي يجعلها  أكثر عرضة  للسرقة ، ويشجع اللصوص على ارتيادها باستمرار لممارسة أسهل عملية سطو وسرقة لأنها تتم  والناس  بين يدي  خالقهم يؤدون فريضة الصلاة ولا  تسمح لهم وضعيتهم  أثناء عبادة الصلاة بالانتباه  إلى ما يحدث من سرقات . ومما يشجع اللصوص على سرقة المساجد أيضا  وجود من يشتري المسروقات التي تباع  بأثمنة مغرية مسيلة للعاب في الأماكن التي يباع فيها سقط المتاع . ويقدم كثير من الناس على شراء المسروقات مع العلم  بسرقتها بسبب أثمنتها  لأن اللصوص لا يبالون بقيمة ما يحصلونه من بيع المسروقات لأنهم رابحون في كل الأحوال . وإقدام الناس على شراء المسروقات  أكبر تشجيع على السرقة لهذا يقال : " المال السائب يشجع على السرقة " والمسروقات في حكم السائبة . ومن الباعة الذين يتاجرون في سقط المتاع  من يعرف  اللصوص حق المعرفة ،ويعرف أن ما يشتريه منهم مسروقات  ، وأنها إذا كانت أحذية ونعال فهي  مما سرق من بيوت الله عز وجل ومع ذلك يقبل على شرائها  عن عمد مع سبق الإصرار. وقد يكون هؤلاء الباعة ممن يقيمون الصلاة  ويداومون عليها  دون التفكير في أن من يأخذ درهما واحدا غصبا و بغير  وجه حق لا تقبل منه أربعين صلاة ،وقيل أربعين  يوما، وقيل مادام  يستغل ما ليس له بحق . والغريب أن ينتعل الإنسان حذاء أو نعلا مسروقا  وهو على علم بسرقته فيمشي إلى المساجد فتزداد سيئاته  مع كل خطوة  يخطوها خلاف ما وعد الساعون إلى بيوت الله عز وجل  حيث تكتب لهم الحسنات وتحط عنهم السيئات في كل خطوة يخطونها . والمصيبة  أن بعض المصلين  يتعمدون استبدال أحذيتهم ونعالهم البالية  بأخرى أحسن حالا منها  متعمدين  وعن سبق إصرار ويتذرعون في ذلك بذريعة السهو  وتحت شعار :" سبحان من لا يسهو " وهي كلمة حق يراد بها باطل .وقد يقع السهو حقيقة  في استبدال الإنسان حذاءه  أو نعله بحذاء أو نعل غيره  لكنه يكتشف ذلك لا محالة  بعد حين إلا أن البعض ممن يحصل له السهو لا يجتهد في  رد  ما أخذ سهوا لأصحابه بل يحتفظ به ، وهو يعلم  علم اليقين أنه استبدل أدنى  ما يملك  بخير ما يملك غيره، ومع ذلك يقيم الصلاة دون وخز من ضمير أو خوف من رب العالمين . وكما ذكرت من قبل أذكر مرة أخرى بحكاية مواطن مغربي مسلم  له صديق يهودي  كان بينهما حديث  أفضى بهما إلى  قضية  انتصار المسلمين على اليهود كما وعد الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال اليهودي  معقبا  على كلام صديقه المسلم إن نهاية اليهود التي  وعدتم بها  لا زالت بعيدة ما دام المسلمون يسرقون أحذية ونعال بعضهم البعض في المساجد . وهذا يعني أن من لا يؤمن جانبه في المساجد  وهي أماكن أمان لا إيمان له ولا أمانة ولا دين ولا عهد ، ومن كان هذا حاله لن يحصل له شرف الانتصار على اليهود الذين يدنسون المقدسات في أرض الإسراء والمعراج .

فمتى ستنبه الجهات المسؤولة  إلى تفشي ظاهرة  السطو على أحذية ونعال المصلين  ؟ ومتى ستفكر في حماية المصلين وهم منهمكون في عبادة الصلاة ؟ ومتى ستفكر في إنزال أقسى العقوبات في حق من يقترف السرقة  في بيوت الله عز وجل ؟  ومتى  ستتحرك ضمائر الذين يستبدلون  أحذيتهم  ونعالهم البالية  بأحذية ونعال غيرهم في المساجد ؟ ومتى  ستحترم حرمات المساجد  وهي بيوت الله عز وجل وخير البقاع ؟

وسوم: العدد 653