ما بين التغلب عليها والانتخابات الجديدة، ازمات كثيرة تواجه الحكومة الاسرائيلية

عندما سئل افيجدور ليبرمان زعيم حزب اسرائيل بيتنا اليميني، عن سبب عدم انضمامه للحكومة في ظل العديد من التحديات الأمنية التي تواجهها، أشار الى اننا سنشهد انتخابات جديدة في العام القادم فلا داعي لمضيعة الوقت، ولم يخفي كذلك يائير لبيد زعيم حزب يوجد مستقبل ووزير المالية السابق أن الائتلاف الحكومي الحالي هش وضعيف، واعتقد اننا سنشهد جولة جديدة من الانتخابات قريباً، ومن المعلوم أن الائتلاف الحكومي اليميني الذي يقوده بنيامين نتنياهو يعتمد فقط على 61 عضو كنيست، وهذه ليست المرة الاولى، التي اعتمدت فيها الائتلافات الحكومية على هذا العدد او اكثر بقليل، فحكومة رابين قبل اغتياله ضمت فقط 62 عضو كنيست وكذلك اعتمد مناحم بيجن عندما تزعم الحكومة على 61 عضو كنيست قبل توسيعها.

لذى لم يعد ضيق الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي هو السبب الرئيس للقلق والازمات التي تعانيها الحكومة الاسرائيلية، فأحياناً يكون ضيق الائتلاف مدعاة للتماسك، لكن الحكومة الاسرائيلية الحالية تواجه العديد من الخلافات والازمات التي قد تقود الى انهيار الائتلاف الحكومي وفي أي لحظه، ولعل من أبرزها:

اولا: خلاف حاد بين الاطراف الحكومية على التعامل مع الملف الامني في الضفة الغربية والقدس، والتحديات الامنية التي تواجه اسرائيل بشكل عام، ففي ظل ايمان البيت اليهودي بزعامة بنت على ضرورة توسيع الاستيطان وتحديد حدود المستوطنات وبناء جدر واسيجة لحماية المستوطنين، وقمع الانتفاضة بيد حديدة اكثر وتفعيل العقاب الجماعي وقطع الكهرباء والماء عن بعض المدن الفلسطينية، يبدو أن بنيامين نتنياهو غير متشجع لفكرة استمرار الاستيطان بالوتيرة التي يريدها نفتالي بنت زعيم البيت اليهودي، اضافة الى ادراك نتنياهو انه يجب عليه الاخذ بعين الاعتبار العلاقة مع الدول الغربية قبل التفكير بفرض العقوبات الجماعية، مما استدعى العديد من اعضاء البيت اليهودي للغياب عن التصويت على بعض قوانين الكنيست التي اقترحتها المعارضة واستطاعت تمريرها بفعل غيابهم، وقد برر الاعضاء غيابهم من منطلق عدم ايفاء بنيامين نتنياهو بوعوده الاستيطانية التي تعهد بها للبيت اليهودي قبل تشكيل الحكومة الاسرائيلية.

ثانيا: خلافات حادة بين البيت اليهودي والليكود على خلفية اتهام الاخير لزعيم حزب البيت اليهودي نفتالي بنت بانه يحفر تحت بنيامين نتنياهو من اجل تزعم اليمين، وجاء هذا الكلام على خلفية تصريحات بنت التي انتقد فيها سياسة نتنياهو في التعامل مع الملف لامني في غزة، خاصة الانفاق، مما ادى الى توتير الاجواء بين الرجلين، ووصول حد العلاقة والتواصل الى ادنى مستوياتها، في ظل فقدان الثقة.

ثالثا: شعور موشيه كحلون وزير المالية وزعيم حزب كلنا الاسرائيلي بنوع من الاحباط جراء عدم تحقيقه برنامجه الاجتماعي، حيث عبر عن ذلك قائلا اشعر بالإحباط جراء ما حققناه حتى الان، ومن المهم ذكره هنا أن كحلون الذي يتزعم ثاني اكبر الاحزاب في الحكومة، جاء ببرنامج اجتماعي قائم على زيادة دخل الطبقات الفقيرة وتقليص الضريبة عن الفئات الاكثر ضعفا، الى ان الاحداث الامنية، اضطرته والحكومة الى تقليص بعض البنود في الميزانية والتي جاء اغلبها على حساب التعليم والبرنامج الاجتماعي، ليقع كحلون وفق اعتقاد الكثيرين في فخ نتنياهو كما وقع فيه من قبله يائير لبيد زعيم يوجد مستقبل، الذي خرج خالي الوفاضين، ولم يحقق الا القليل من برنامجه الاجتماعي.

رابعا: رفض بنيامين نتنياهو لمشروع وزيرة العدل شاكيد والتي تريد تغيير المنظومة القضائية بالكامل، فرغم اعتقاد نتنياهو ان المنظومة القضائية بحاجة الى تغييرات، الى انه في نفس الوقت يرفض ان تكون هناك ثورة عارمة قد تؤدي الى انتقادات محلية وكذلك عالمية وقد انتقدت وقتها الولايات المتحدة نوايا البيت اليهودي في هذا الاتجاه.

خامسا: تحقيق الحريديم لأغلب مطالبهم، حيث يرى بقية اعضاء الائتلاف الحكومي الى ان الحريديم باتوا الفتى المدلل، في الحكومة الاسرائيلية، حيث اكتملت سيطرتهم على وزارة الاديان، واستطاعوا تأجيل نقاش دخول شباب الحريديم الى الجيش حتى العام 2020، وهو ما وُضع تحت عنوان ان نتنياهو خضع للحريديم بشكل كامل، مما استدعى غضب بقية الاطراف في الحكومة.

اضافة الى الخلافات في العديد من الملفات الحكومية التي تتعلق بالساحة الداخلية أو الخارجية، الى ان هذه الأزمات ورغم عمقها، تتبدد أمام العديد من الحقائق التي قد تسهم في مد عمر الحكومة الإسرائيلية الضيقة ، والتي على رأسها:

اولا: ادراك جميع الاطراف الى ان الحكومة لم يمضي عليها وقت طويل، اضافة الى الواقع الامني الذي تمر به الدولة، يدفع الاطراف الى التروي قليلاً في سبيل تحقيق بعض الاهداف المعلنة.

ثانياً: ادراك حزب كلنا أنه لا يستطيع حاليا الخروج من الحكومة في ظل عدم تحقيقه شيء يذكر من برنامجه الاجتماعي وفي ظل أن استطلاعات الرأي تعطيه خمس مقاعد في أي انتخابات برلمانية جديدة، فالاستمرار بالنسبة له أقل الخسائر في ظل صورة الضعف التي يظهر بها الحزب بالاضافة الى ادراك زعيمه أنه من اصول شرقية تقلل من فرص تحقيقه افضل من النتائج الحالية.

ثالثا: بالنسبة لبيت اليهودي، انتخابات جديدة معناها قوة جديدة لليكود في ظل الظروف الامنية المعقدة، اضافة الى ان البيت اليهودي لن يسمح لنفسه ان يكون خارج الائتلاف الحكومي، لأن ذلك معناه خيانة وطنية من وجهة نظر ناخبيه في حال تأسيس الليكود لأي حكومة في المستقبل وفي ظل ادراك البيت اليهودي بانه لا يمكن ان يكون له فرصة للإطاحة بالليكود في ظل غياب منافس قوي لنتنياهو، اضافة الى ان البيت اليهودي يؤمن بعدم اعطاء اليسار أي فرصة، لأن انتخابات قريبة قد تقود الى نزول نسبة التصويت بسبب ظهور اليمين بمظهر العاجز والمشتت وبالتالي اعطاء فرصة جيدة لليسار.

رابعا: فيما يتعلق ببنيامين نتنياهو والليكود، رغم القناعة المترسخة ان ما يجري على الارض من احداث فانه يدعم باتجاه أن يعود الليكود بقوة في أي انتخابات قادمة، الى انه في نفس الوقت يؤمن بان أي انتخابات قد تشهد مفاجئات قد تطيح بحظوظ شركائه الطبيعيين مما يمنح اليسار والمركز فرصة تشكيل الحكومة الاسرائيلية.

خامسا: بالنسبة لأحزاب الحريديم، فهي تمتلك قاعدة تصويتية ثابتة، وتعتبر بيضة القبان في الحكومات الاسرائيلية، فليس لديها مشكلة في أي انتخابات جديدة، أو مع من ستتواجد في الحكومة في ظل انها تحقق برنامجها الاجتماعي الحريدي، ومنع اجبار شباب الحريديم المتدين من دخول الجيش.

ختاما: استطاع بنيامين نتنياهو ان يتعامل بتسلط كبير وذكاء حاد، في تسيير الحكومة الاسرائيلية وفق رغبات الليكود، فمن صفقة الغاز الى توزيعه الحقائب الوزارية لصالح الليكود، الى اقرار الميزانية، ظهرت الهيمنة الواضحة لليكود، وظهرت بقية الاحزاب بصورة العاجزة في الوقوف في وجه الرجل في ظل ادراكها انه ليس من السهل الانسحاب من الائتلاف والذهاب الى انتخابات جديدة قد تسهم في مسح بعضهم من الخريطة السياسية (خاصة حزب كلنا الموسمي)، لكن هناك فهم ضمني لدى كافة الاحزاب الائتلافية، ان استبعاد الانتخابات في الفترة الحالية لا يعني امكانية استمرار الائتلاف الحكومي طيلة فترته القانونية. ورجح الباحثين في مركز القدس ( علاء الريماوي مدير المركز وعماد ابو عواد ) أنه في حال عدم حدوث متغيرات مهمه، كتصاعد للانتفاضة الفلسطينية، او حرب اسرائيلية جديدة على غزة او مع حزب الله في الجنوب، فان الاوضاع الداخلية الاسرائيلية تنبئ بحل الكنيست الاسرائيلي مع نهاية هذا العام والذهاب في اتجاه انتخابات جديدة، واضاف الباحثان انه ليس من المرجح ان تحدث الانتخابات مفاجئات قد تودي بالاطاحة من اليمين من سدة الحكم.

عماد ابو عواد. رئيس قسم دراسات الشأن الاسرائيلي في مركز القدس.

وسوم: العدد 656