السيسي أسبوعياً… حصري على التلفزيون المصري!
«خطاب أسبوعي للسيسي»، إقتراح وجيه وفكرة عبقرية، تستحق أن يسجلها صاحبها ويحصل على براءة اختراع بها، حتى لا ينسبها أحد غيره لنفسه، عند التنفيذ!
الفكرة لصاحبها أحمد موسى، وقد أعلنها في قناة «صدى البلد» وواتته في لحظة تجل بعد الخطاب الأخير للسيسي، والذي أثار اهتمام كل من هم على ظهر البسيطة، وقد لا يكون الاهتمام قاصراً عليهم، فربما وصل لمن هم تحت البسيطة. وهو خطاب بلغ من روعته أنني إستمتعت له مرتين، كانت الأولى عند بثه مباشراً من مسرح الجلاء التابع للقوات المسلحة، وكانت الثانية في الإعادة وعبر القناة الأولى المصرية، التي قامت بإعادة بثه لأن القائمين عليها وجدوا إهتماماً من قبل المشاهدين به، ولا أعرف ما إذا كان البرنامج القديم للإذاعة المصرية: «ما يطلبه المستمعون» مستمراً إلى الآن؟ فلو كان لا يزال يتم تقديمه على «البرنامج العام»، فحتماً سيفاجأ من يقدمه خلال الأيام المقبلة بزيادة طلب الجماهير بالاستماع للخطاب، وبدلاً من أن يطلب هذا المستمع أو ذاك «سيرة الحب» لسيدة الغناء العربي كوكب الشرق أم كلثوم، سيطلبون خطاب السيسي، ونظراً لضيق الوقت فقد يطلبون مقاطع منه!
«إقتراح أحمد موسى» بخطاب أسبوعي للسيسي هو لرفع معنويات المصريين، فمن الواضح أن معنوياته هو قد رفعت في هذه الليلة، وأحد مقدمي البرامج على قناة «تن»، إعترف بأنه نام في سعادة بعد الخطاب، ويبدو أنه بالخطاب قد اطمأن على مستقبل مصر، وكان القلق يلفنا بعد أن أوشكت أثيوبيا على الانتهاء من بناء سد النهضة، الذي قام السيسي بالموافقة على بنائه، دون أن يتضمن الاتفاق الحفاظ على حقوق مصر التاريخية من مياه نهر النيل، ودون أن يكون الاتفاق ضامناً لأي حصة، ولو بجردل أو جردلين!
ولا نخفي أننا شعرنا بالقلق لذلك، إلا أن خطاب السيسي أشعر صاحبنا بالسعادة، بعد أن تبين أن الأمر في الحسبان، وخطة السيسي هي في معالجة مياه المجاري، وهو ما تم تمريره في خطابه، وكان باعثاً لأن يشعر كثيرون بالإرتياح، ومن ثم تمكنوا من النوم في هدوء وطمأنينة، وربما رأى مذيع قناة (تن) في ما يرى النائم أن شخصاً يلبس أبيض في أبيض أعطاه قارورة مليئة بمياه المجاري المعالجة فشرب منها حتى إرتوى!
القواعد من النساء
وقيمة هذا الخطاب ليست في جلبه النوم و»الإنبساط» فقط، ولكن بالإضافة إلى ذلك حرك عواطف القواعد من النساء ومن يسرا إلى فريدة الشوباشي. والأولى أعادت تذكيرنا في لقاء لها على قناة «النهار» بأننا من أتينا بالسيسي وأجبرناه على الترشح لينقذ مصر. والثانية وفي لحظة «هيام مدهشة» علقت على إعلان السيسي استعداده لبيع نفسه قبل أن يكتشف أنه غير صالح للبيع: «إنت روحنا فهل هناك أحد يبيع روحه»؟! «يسرا» لم توضح كيف أجبرنا السيسي على الترشح وهل وضعنا له «السيخ المحمي» في أذنه إلى أن وافق على ذلك؟ عموماً ليس هذا هو الموضوع فقد ذكرت يسرا أن حمله على الترشح كان بهدف إنقاذ مصر.. فهل أنقذها فعلاً؟ وهو الذي يعترف «بعظمة لسانه» في هذا الخطاب بأننا «في أضعف حالاتنا»!
أما بالنسبة لفريدة فلم توضح المستهدف بقولها «إنت روحنا»؟!
ومهما يكن فمن تجليات هذا الخطاب أنه حرك العواطف الجياشة لدى كثيرين، حتى وصل للنساء اللاتي يئسن من المحيض كيسرا وفريدة وهي قدرة تجعل من الطبيعي أن يعلن مقدم برنامج قناة «تن»، أنه نام ليلته سعيداً ومبتهجاً، وتجعل إقتراح أحمد موسى بأن يخطب السيسي اسبوعيا لرفع معنويات الشعب المصري، وجيهاً.
وإن كنت مؤيدا لهذا الاقتراح، فلدي أسبابي، فلست مشغولاً بقدرته على استدعاء عواطف من كنت أظن أنهم فقدوا بحكم عوامل التعرية القدرة على التجاوب العاطفي، ولست مشغولاً برفع معنويات الشعب المصري، ولست كذلك سعيداً بأن خطاب السيسي قد انتقل به للعالمية، حتى تحدثت عنه صحف إنكليزية رصينة وأسهبت في عرض تفكيره في عرض نفسه للبيع، ولكن لأني مهتم من ناحية بعودة الريادة للتلفزيون المصري، عندما يحصل على حق البث الحصري، لخطابات السيسي، وبشروط تعاقد ترضي الطرفين. ومن ناحية أخرى فأنا أعتبر أن إنقاذ تلفزيون الريادة الإعلامية من عثرته لن يكون إلا بهذه الأفكار الخلاقة و»الرؤى التقدمية»!
فالميزانية الشهرية لاتحاد الإذاعة والتلفزيون تبلغ شهرياً (220) مليون جنيه، وعدد العاملين يتجاوز الأربعين ألف عامل، هذا بخلاف المديونيات المتراكمة على هذا الاتحاد والتي تجاوزت المليارات التي تكفي لتأسيس دولة لها علم ونشيد، ولأن الإنتاج التلفزيوني من الدراما لم يعد قادراً على المنافسة، وهو أحد الموارد التي كانت مهمة للاتحاد، ولأن الإعلانات التجارية، صارت تذهب للقنوات الخاصة، ناهيك عن الإنهيار الاقتصادي، الذي كان سبباً في تقليص الرقم الإجمالي لهذه الإعلانات سنوياً، فلا بد من البحث عن أفكار خارج الصندوق، تماشياً مع موضة هذه الأيام، فلا تكاد تفتح موضوعاً مع أحد حتى يباغتك بضرورة التفكير خارج الصندوق، وهناك من وصل تفكيرهم خارج الصندوق إلى موضوع الزواج فيتزوجون فلبينيات، الواحدة باثنتين، فهي زوجة وخادمة!
المادة الخام للفكاهة
إحتكار التلفزيون المصري لبث الخطابات الأسبوعية للسيسي، سيمكنه من بيع حق إذاعتها للقنوات الأخرى، وهو أمر باليقين سيجد تدافعاً من قنوات العرب والعجم لبثه، وقد يكون هذا باباً للنهوض الاقتصادي، فإذا كانت دول الخليج نهضت اقتصادياً لاكتشاف البترول فيها، وبعض هذه الدول مثل قطر لاكتشاف المادة الخام من الغاز، وقد حفظنا عن ظهر قلب الإعلان الذي تبثه «الجزيرة»: «قطر للغاز.. ملتزمون بالتفوق»، فإن مصر إكتشفت ما هو أهم من البترول ومشتقاته، ألا وهو المادة الخام للفكاهة، وبهذا الإحتكار من قبل التلفزيون المصري، يمكن لمصر فقط أن تكون محتكرة لتسويق المادة الخام وهي المحتكرة لإنتاجها من بئر السيسي الذي لا ينضب، ويمكن أن تحتكر تكرير هذه المادة الخام دون الاستعانة بخبراء أجانب، فتشتري القنوات التلفزيونية الأجنبية التحليل السياسي عند تعاقدها على إذاعة بث هذه الخطابات! وإذا كان التحليل السياسي صار مهنة من لا مهنة له، يكفي أن يبدو المحلل في الهيئة مهماً، ويكثر من عبارات مثل «أعتقد» و»حيث أنه» و»بما أنه»، فإن التلفزيون المصري يمكن أن يجذب كوادر مصرية لفك الشفرة، ومعرفة ما يقصد صاحب الخطاب بهذه الفكرة، وهذا التوجيه، وهذه العبارة المبتورة، فالسيسي ليس فقط طبيب الفلاسفة، ولكنه «شاعر»، لذا تمتلئ معدته بالكثير من المعاني، التي يسهر الخلق جراها ويختصم، بينما هو ينام ملء جفونه عن شواردها كما قال المتنبي، فيبدو أنه متأثر بالقول المأثور: «المعنى في بطن الشاعر»، لذا يلقي خطابه وينام بينما البشرية تظل أياماً تحلل وتترجم وتطرح أسئلة حول ماذا يقصد بهذه العبارة (المنقوصة) وماذا يعني بتلك الجملة (المبتورة)، ومن المقصود بهذا الخطاب وذلك التهديد المبطن؟ وكل كلامه ناقص ومبتور ومبطن، وهنا تأتي أهمية المترجم الملم بلغة الطير الذي سيستعين به التلفزيون المصري عند إحتكار البث الحصري!
فمن يعرف فك طلاسمه عندما يقول: «قسماً بالله اللي هيقرب لها أشيله من فوق وش الأرض»؟! وعندما يقول: «أنتم مين؟ إسمعوا كلامي أنا بس» وعندما يقول في مقطع آخر: «أنتم مين؟ دول 90 مليون»، وعندما يقول «إنتم فاكرين الحكاية إيه؟»، مع أننا لبست لنا تصورات أخرى لـ «الحكاية» لأننا لا نعرف «الحكاية» نفسها!
المترجم الذي يملك القدرة على «فك الشفرة» سيضمن صمت العالم له عندما يطالع المشاهدون المحليون والإقليميون والدوليون الترجمة وتحديد المقصود بكلامه عندما يقول مثلا «إحنا هنقطع مصر ولا إيه»؟! وسيكون مهماً أن يحدد من يقصد بقوله: «أنتم فاكرين أنا هسيبها؟ لا والله ما هسيبها». فمن هم الذين يتحداهم بهذا الكلام!
مسخرة الواقع
وفي الخطاب الأخير يمكن سؤال الأستاذ المترجم من لغة السيسي للغة العربية: لماذا قال: «أنا اقدر أبني مليون شقة وأعمل مئة منطقة صناعية في سنتين»؟ وهل هذا الكلام له علاقة بقول اللمبي: «أنا من اهتزت له الجبال»؟! ولماذا سيد فلان المحلل الإستراتيجي والمترجم اللوذعي قال السيسي إنه يقدر؟ ومن تعتقد يحول بينه وبين هذه الإنجازات الكبرى؟ هل يحتاج لنسمعه أغنية سيدة الغناء العربي لنرضيه فيقدم على ذلك: رق الحبيب وواعدني/ وكان له مدة غايب عني/ حرمت عيني الليل من النوم/ لأجل النهار يجي يطمني/ صعب علي أنام/ أحسن أشوف في المنام/ غير اللي يتمناه قلبي/ سهرت استناه/ واسمع كلامي معاه.
أعلم أنه بعد اكتشاف المادة الخام من الفكاهة فإن كاتباً مثلي يوصف بأنه ساخر لن يجد إقبالاً عليه، لأنه إذا كانت وظيفة الكاتب الساخر أن يقوم بمسخرة الواقع، فماذا لو كان الواقع مسخرة في حد ذاته؟ وماذا لو كانت آبار هذه المادة ستغرق العالم كله، فلن يكون الناس بحاجة للكاتب الساخر، أو الدراما الساخرة، أو للفنان الفكاهي. أعلم أنني بتبني اقتراح الخطاب الأسبوعي للسيسي أضحي بأكل عيشي ووضعي الوظيفي، لكن كل هذا من أجل مصر، وحتى لا يكون مطلوباً مني كل يوم أن أصبح عليها بجنيه.
لم يكذب السيسي عندما قال إن مصر ستكون بحجم الدنيا، فشكراً لهذه الاكتشافات العملاقة، فلا تقل لي بعد اليوم «قطر للغاز» ولا «ملتزمون بالتفوق»، فنحن التفوق نفسه.
وسوم: العدد 657