هل سيدمّر صندوق النقد الدولي العراق مثلما دمّر البرازيل والارجنتين ودول جنوب شرق آسيا لصالح البنوك الأمريكية (86)

الصندوق يقوم ببيع ماء الشرب على 400 مليون إنسان جديد

 (قام صندوق النقد الدولي، جنبا إلى جنب مع البنك الدولي والولايات المتحدة، بـ "إنقاذ" البرازيل بحزمة ديون من 41 مليار دولار.. لكنها سوف تقوم بإنقاذ البنوك الأمريكية الخاصة التي سوف تسترد ديونها مع فوائدها البشعة.. حيث ستحصل البنوك السابقة على 5،25 مليار دولار من هذه الحزمة)

(وضع صندوق النقد الدولي خطة الإنقاذ المكسيكية عام 1995، والتي شملت تقديم 30 مليار دولار من القروض، ومعظمها من صندوق النقد الدولي ووزارة الخزانة الأمريكية. سماسرة هذه الصفقة المدافعون عن صندوق النقد الدولي قالوا أن هذه القروض هي نجاح لأن الحكومة المكسيكية استطاعت سداد قروض البنوك في الموعد المحدد. ولكن الشعب المكسيكي عانى من انخفاض كبير في مستوى معيشته نتيجة لتلك الأزمة. وكما هو الحال عندما يتدخل صندوق النقد الدولي، فقد تم انقاذ الحكومة والمقرضين ولكن ليس الشعب).

(تشير الإحصاءات العالمية إلى أن حوالي 460 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يجب أن يعتمدوا على شركات المياه الخاصة، مقارنة بـ 51 مليون فقط في عام 1990.

ما معنى هذا ؟

معناه أن صندوق النقد الدولي (والبنك الدولي) قد أخرج عددا إضافياً هائلا من الناس في العالم النامي يُقدرّون بـ 400 مليون شخص من شرب الماء الذي توفره الدولة بأسعار معقولة ورماهم في جحيم عقود خصخصة مياه الشرب الضخمة التي لا ترحم لشركات من أوروبا والولايات المتحدة).

 

(الخطر الاخلاقى  لصندوق النقد الدولي – المشروطية (شروط صندوق النقد والبنك الدولي) Conditionalities - صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هما التوأمان الشيطانان - شروط صندوق النقد لخدمة البنوك الأمريكية والغربية - مؤامرة إنقاذ صندوق النقد الدولي للبرازيل - مؤامرة إنقاذ صندوق النقد الدولي لآسيا واللعبة الأمريكية الجديدة – الأرجنتين: دراسة مؤامرة من الخصخصة؛ بيع جرعة الماء لإرواء عطش الناس بالدولارات - صندوق النقد يحاصر 400 مليون إنسان جديد بالتعطيش – استنتاج: صندوق النقد الدولي أداة تفكيك الحكومات وإثارة الاضطرابات الاجتماعية).

 

الخطر الاخلاقى  لصندوق النقد الدولي

_____________________

هذا هو المصطلح القانوني التقني ذو المعنى الدقيق، ولكن يسهل فهمه. الخطر الأخلاقي هو مصطلح يطلق على تزايد خطر السلوك غير الاخلاقي بسبب النتائج السلبية لأن الشخص الذي يزيد احتمالات الخطر هو في المقام الأول  إما لا يتأثر بالمخاطر المحتملة أو يستفيد منها. وفي حين أن صندوق النقد الدولي مليء بحالات محددة من الخطر الأخلاقي، فإن وجوده بحد ذاته هو الخطر الأخلاقي الحقيقي.

الخبير الاقتصادي البارز هانز سنهولز يلخّص عمليات صندوق النقد الدولي على هذا النحو:

صندوق النقد الدولي يشجع في الواقع المصرفيين والمستثمرين على المخاطرة المحكمة من خلال تقديم أموال دافعي الضرائب لاستغلالها في برامجه الإنقاذية، كما يشجع الحكومات الفاسدة على الانخراط في سياساته المالية الموصلة للإفلاس والتي يهب لنجدتها كلما جفّت مخزوناتها من الدولارات.

وتسير الأمور على الشكل التالي: البنك الدولي يخلق أسواقاً للإئتمان من خلال إغواء الحكومات باقتراض الأموال.

يتم تشجيع الحكومات (والمصارف الخاصة جنبا الى جنب معها) لتقديم قروض محفوفة بالمخاطر لأنهم يعرفون أن صندوق النقد الدولي مستعد لانقاذ البلدان التي تتحمل القروض المتعثرة - الخطر الأخلاقي. مع تراكم الفائدة الربوية يتهدّد الاستقرار المالي بأكمله في البلد المتضرر، وهنا يقفز صندوق النقد الدولي حاملا معه مشروع عملية "الإنقاذ" . 

 يتم استبدال القروض المتعثرة أو إعادة هيكلتها بقروض (من دافعي الضرائب) التي هي قروض صندوق النقد الدولي. الذي يقوم بتقديم أموال إضافية لسداد الفائدة مرة أخرى والسماح لمزيد من التوسع في الاقتصاد. في نهاية المطاف، فإن البلاد اليائسة تكون أكثر غرقاً في الديون ومثقلة الآن بكل أنواع القيود والشروط الإضافية.

بالاضافة الى ذلك، وتحت رعاية زائفة من برنامج  "الحد من الفقر"، يتم ترك المواطنين دائما في حال أسوأ مما كانوا عليه في البداية.

لكن قبل استعراض الدور التخريبي لصندوق النقد الدولي من خلال تجارب محدّدة علينا تحديد أسس مفهوم تخريبي مدمّر هو المفتاح لهذا الدور الذي يفكّك الدول ويفقر الشعوب وهو مفهوم : المشروطية.

المشروطية (شروط صندوق النقد والبنك الدولي) Conditionalities

_________________________________________

وهذا أيضا مصطلح فنّي له معنى محدد: المشروطية هي شرط يُربط على قرض أو تخفيف عبء الديون الممنوحة من قبل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي. المشروطية عادة ما تكون غير مالية في طبيعتها، مثل اشتراط الخصخصة على بلد ما ، أو رفع الدعم عن الخدمات العامة الأساسية.

المشروطية  هي أهم بند ضمن ما يسمى برامج التكيف الهيكلي (Structural Adjustment Programs) التي تم إنشاؤها من قبل صندوق النقد الدولي. ويلزم الصندوق الدول بتنفيذ أو إعطاء وعد بتنفيذ الشروط المرفقة قبل الموافقة على القرض.

وتداعيات المشروطية التدميرية صارت ملحوظة وصارخة. وقد أصدر مركز ابحاث السياسة الخارجية تقريراً حول كفالات صندوق النقد الدولي والتدفقات المالية العالمية للدكتور ديفيد فيليكس في عام 1998 :

ضمت مقدمة التقرير هذه النقاط الرئيسية:

(1). لقد تم تحويل صندوق النقد الدولي إلى أداة لفتح أسواق العالم الثالث قسرياً أمام رأس المال الأجنبي ولتحصيل الديون الخارجية.

(2). هذا التحول يشكل انتهاكا لميثاق صندوق النقد الدولي في الروح والجوهر، وزادت التكاليف والمصاعب على البلدان التي تطلب المساعدة المالية من الصندوق.

(3). تنبع أزمة صندوق النقد الدولي التشغيلية من تزايد مقاومة الدول المدينة لمطالب سياسته، وارتفاع التكاليف المالية، وتراكم الأدلة على فشل سياسة صندوق النقد الدولي.

لذلك، فالمشروطية هي وسائل لإجبار بلدان العالم الثالث على فتح أسواقها بصورة قسرية، وتحصيل الديون المتعثرة المستحقة على المؤسسات العامة والخاصة. والنتيجة المتراكمة على المشروطية تتمثل في تزايد المقاومة لمثل هذه المطالب، مقاومة ممزوجة بالكراهية في العديد من البلدان. والدول التي لا تستطيع تحمل هذه الأعباء ستعاني من ارتفاع تكاليف الديون والديون الإضافية وانحسار السيادة الوطنية.

ربما كان التقرير الأكثر دقة حول هذا الموضوع هو الصادر في عام 2002 من قبل "أكسل دريهر" من معهد هامبورغ للاقتصاد الدولي بعنوان "التنمية وتنفيذ مشروطية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي".

لاحظ دريهر أنه لم تكن توجد بنود للمشروطية عند تأسيس صندوق النقد الدولي، وإنما كانت الشروط تضُاف تدريجيا بأعداد متزايدة مع مرور السنين ومعظمها من قبل المصالح المصرفية للولايات المتحدة.

كانت الشروط تعسفية وغير منظمة، وفُرضت بدرجات متفاوتة على مختلف البلدان وفقا لأهواء المفاوضين. أما البلدان المتلقية فكانت تتمتع بالقليل، إن وجد، من القدرة على المساومة.

وقد كان عام 1973، مع إنشاء اللجنة الثلاثية، عاما محوريا في التدافع نحو العولمة. ولهذا فليس من المستغرب بعد ذلك أن المشروطية أصبحت ممارسة قياسية وثابتة في سلوك صندوق النقد الدولي منذ عام 1974.

صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هما التوأمان الشيطانان

_________________________________

أشار دريهر أيضا إلى التنسيق الوثيق بين (ص ن د) والبنك الدولي:

فأساسا يتم تصميم الإصلاحات في إطار برامج صندوق النقد الدولي من قبل اقتصاديين في البنك الدولي. في كثير من الأحيان كانت شروط الصندوق عبارة عن دعم للتدابير الواردة من البنك الدولي التي غطاؤها عمليات إصلاح المؤسسات العامة. ولكن اختيار المؤسسات العامة التي بحاجة للإصلاح، وطريقة الإصلاح والجدول الزمني ؛ كلها توضع من قبل البنك الدولي.

أي أن هاتين المؤسستين: ص ن د والبنك الدولي ، هما كما وصفناهما : الشيطانان التوأمان.

لذلك، نرى أن صندوق النقد الدولي لا يعمل وحده في تطبيق الشروط وفي بعض الحالات، يكون الدافع وراء ذلك ، وبوضوح ، هو البنك الدولي.

كشف البحث الدقيق لدريهر عن إحصائية مثيرة للاهتمام: وشملت الحالة الأكثر شيوعا وهي خصخصة البنوك.

كان المصرفيون الدوليون دائما يزدرون العمليات المصرفية التي تديرها الحكومات بدلا من الملكية الخاصة أو الشركات. وبالتالي، فإنهم صاروا يستخدمون صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لإجبار الحكومات في العالم الثالث على خصخصة البنوك لتجريدها من آخر ما يتبقى بين يديها من عملات صعبة وسيادة مالية..

شروط صندوق النقد لخدمة البنوك الأمريكية والغربية

_______________________________

وإذا كان كل هذا لا يثير اضطرابنا بما فيه الكفاية، فإن دريهر يبلغنا أن هناك صلات مباشرة بين المشروطية والمصارف الخاصة المختلفة التي تعمل بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي:

ولأن الدائنين من القطاع الخاص لن يكونوا على استعداد لمواصلة تقديم القروض إلا إذا كانت برامج صندوق النقد الدولي تؤمن استعادة نقودهم مع فوائدها الفاحشة ، فقد تم تعزيز نفوذ الصندوق. ولأن حلّ الأزمات في بعض الأحيان يحتاج إلى مزيد من المال، فإن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يعتمد على هؤلاء الدائنين من القطاع الخاص الذين سيضغطون لفرض الشروط التي تكون في مصلحتهم.

مع شروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنوك الدولية الأخرى تُضطر الحكومات لإدارة بلدانها وتشغيل مؤسساتها بطرق ليست من اختيارها، ولأنها ترى أن الولايات المتحدة هي المحرك الرئيسي لهذه المنظمات، فليس من المستغرب أن تتفشى في العالم الثالث مثل هذه الكراهية الشديدة ضد الولايات المتحدة والعولمة.

عملية العولمة هي في معظم الأحيان مناهضة للديمقراطية وغير فعّالة تماما في إنجاز الهدف المعلن النبيل المتمثل في الحد من الفقر.

ينبغي أن يكون واضحا بوضوح الآن أن العامل الحاكم في العولمة هي قوة المال. الأموال المُقترضة تستعبد المقترض، وتضعه تحت رحمة المُقرِض.

عندما اعترف الرئيس الأمريكي الشاذ "بيل كلينتون" أخيرا بالخطأ في أساليبه في فضيحته مع مونيكا لوينسكي، قال إنه سيطرح أسوأ الأسباب على الإطلاق :

"لأنني كنت قادراً على ذلك."

لماذا تسلب هذه المنظمات المالية العالمية هذه الميزة من أولئك الذين تضعهم بشكل منهجي وسط الكارثة؟

"لأنها قادرة على ذلك!"

مؤامرة إنقاذ صندوق النقد الدولي للبرازيل

________________________

نشبت الأزمة النقدية في البرازيل عام 1998 بسبب عجز هذا البلد عن دفع الفوائد المتراكمة المفرطة على القروض التي ترتبت على مدى فترة طويلة من الزمن. وتم تقديم هذه القروض من قبل بنوك أمريكية مثل سيتي غروب، ومورغان تشيس وفليت بوسطن، التي صار مؤكدا أنها سوف تخسر كمية كبيرة من المال. (لمعلومات أوسع راجع الحلقة (9) البرازيل : خدعة "عملاق الجنوب" ومؤامرة "الخصخصة"). 

قام صندوق النقد الدولي، جنبا إلى جنب مع البنك الدولي والولايات المتحدة، بـ "إنقاذ" البرازيل بحزمة ديون من 41 مليار دولار، ستقوم بإنقاذ البرازيل وعملتها ، وليس مصادفة أن تقوم بإنقاذ تلك البنوك الأمريكية الخاصة التي سوف تسترد ديونها مع فوائدها البشعة ، وفي الحقيقة فإن هذا هو الهدف الرئيسي.

لو نظرت إلى هذه العملية بدقة سترى أنها عملية "غسل أموال" !!

"برنارد ساندرز" عضو مجلس الشيوخ وعضو اللجنة الفرعية للتجارة والسياسة المالية العالمية، دق جرس الإنذار حول فضيحة غسل الأموال هذه. وقال في بيان صحفي إن خطة صندوق النقد الدولي لإنقاذ البرازيل هي إنقاذ غير متوقع للبنوك، وكارثة لدافعي الضرائب الأمريكيين. ودعا  مجلس الشيوخ إلى التحقيق في هذه المؤامرة حيث ستحصل البنوك السابقة على 5،25 مليار دولار وسيدفع دافعو الضرائب الأمريكيون 31 مليار دولار .

وأشار إلى أن "هذا المال لن يذهب لمساعدة الفقراء في البرازيل. والفائز الحقيقي في هذه الحالة هي البنوك الأمريكية الكبيرة مثل سيتي جروب التي وضعت المليارات من الدولارات في استثمارات محفوفة بالمخاطر في البرازيل، والآن تريد هذه البنوك استعادة استثماراتها. وقال إن من المثير للاهتمام، هو أن هذه المصارف قد قامت بحملة تبرعات كبيرة لكلا الطرفين السياسيين المرشحين للرئاسة: الجمهوري والديمقراطي".

وأشار ساندرز إلى أن السياسات الليبرالية الجديدة لصندوق النقد الدولي التي تصاعدت في الثمانينات تُكره الدول على التوجّه نحو التجارة الحرّة غير المقيدة، والخصخصة، وخفض شبكات الأمن الاجتماعي. هذه كانت كارثة لأمريكا اللاتينية وساهمت في زيادة الفقر العالمي في جميع أنحاء العالم.

في الوقت نفسه فأن دول أمريكا اللاتينية مثل البرازيل والأرجنتين التي خضعت لهذه الإملاءات الليبرالية الجديدة التي فرضها صندوق النقد الدولي من 1980-2000، جعلت نصيب الفرد من الدخل في أمريكا اللاتينية ينمو بمعدل عشر واحد فقط من معدل نموه في العقدين السابقين.

"إن سياسات صندوق النقد الدولي على مدى السنوات الـ 20 الماضية والتي كانت ومازالت دعوة للتجارة الحرّة غير المقيدة، وخصخصة الصناعة وإلغاء القيود وخفض الاستثمارات الحكومية في مجالات الصحة والتعليم، وتقليص المعاشات، كانت فشلا ذريعا بالنسبة لذوي الدخل المحدود وعائلات الطبقة الوسطى في العالم النامي وفي الولايات المتحدة.

"ومن الواضح أن هذه السياسات قد ساعدت فقط الشركات في بحثها الدائم للحصول على أرخص عمالة وأضعف الأنظمة المنظمة للبيئة.

مؤامرة إنقاذ صندوق النقد الدولي لآسيا واللعبة الأمريكية الجديدة

_____________________________________

وصلت الأزمة النقدية الآسيوية إلى ذروتها في عام 1998، وكان صندوق النقد الدولي حاضرا على الفور لحزمة إنقاذ واسعة النطاق.

وكان أشد المنتقدين لصندوق النقد الدولي في ذلك الوقت هم : جورج ب. شولتز (عضو في اللجنة الثلاثية)، وليام سايمون (وزير الخزانة في إدارة نيكسون وفورد) والتر ريستون (الرئيس السابق لمجموعة سيتي جروب / سيتي بنك وعضو مجلس العلاقات الخارجية). كتبوا معا مقالة : (إلغاء صندوق النقد الدولي؟) لصالح معهد هوفر، حيث شولتز هو أيضا زميل متميز فيه.

جاء في المقالة ما يأتي :

" 118 مليار دولار هي حزمة الإنقاذ الآسيوية، والتي قد ترتفع لتصل الى 160 مليار دولار، هي إلى حد بعيد الأكبر من نوعها التي تُقدّم من قبل صندوق النقد الدولي. كانت الحزمة ذات المركز الثاني هي خطة الإنقاذ المكسيكية عام 1995، والتي شملت تقديم 30 مليار دولار من القروض، ومعظمها من صندوق النقد الدولي ووزارة الخزانة الأمريكية. سماسرة هذه الصفقة المدافعون عن صندوق النقد الدولي قالوا أن هذه القروض هي نجاح لأن الحكومة المكسيكية استطاعت سداد القروض في الموعد المحدد.

ولكن الشعب المكسيكي عانى من انخفاض كبير في مستوى معيشته نتيجة لتلك الأزمة. وكما هو الحال عندما يتدخل صندوق النقد الدولي، فقد تم انقاذ الحكومة والمقرضين ولكن ليس الشعب.

واصلت المقالة هجومها اللاذع في جميع أقسامها ، ثم ختمت بالقول:

"صندوق النقد الدولي غير فعال، ولا لزوم له، وعفا عليه الزمن. نحن لسنا بحاجة لصندوق نقد دولي آخر، كما أوصي السيد جورج سوروس (طبعا سوروس هذا أسفل راسمالي ومصمم الثورات الملونة الإجرامية). وبمجرد أن تنتهي الأزمة الآسيوية، ينبغي لنا أن نلغي صندوق النقد هذا " .

من المثير للاهتمام أن هؤلاء المنادين بإلغاء (ص ن د) هم أعضاء أساسيون في النخبة العالمية المتآمرة التي دعمت هذا الصندوق ، وها هم يلقون الحجارة على مؤسستهم الخاصة.

ضع قاعدة أمام عينيك سيّدي القارىء، وهي : أي مسؤول أمريكي يدعو لخطوة فيها جانب من "الخير" و"الإصلاح" ، فهو يضمر خطوة أخرى أكثر شرّاً وتخريباً يمتص بها دولارات ودماء الناس . لا يوجد أي دليل تأريخي يدحض هذه القاعدة .. أتحدى من يعارض ذلك أن يأتي بدليل واحد ضد هذا الإستنتاج (لقد وضعوا المجرم جيمس بيكر رئيسا للجنة تخفيض ديون العراق فقام بأنذل عمل وأكثره سفالة كما سنعرض ذلك في حلقة مقبلة مستقلة).  

هل يمهد هؤلاء المزايدون الطريق إلى حل صندوق النقد الدولي لصالح سلطة نقدية أخرى أكثر قوة وبشاعة واستغلالا؟

هذا مؤكّد .. ولننتظر وستكشف ذلك الأيام.

الأرجنتين - دراسة مؤامرة من الخصخصة؛ بيع جرعة الماء لإرواء العطش بالدولارات

_______________________________________

في عام 2001، سلّم صندوق النقد الدولي حزمة إنقاذ إلى الأرجنتين، تبلغ قيمتها 8 مليارات دولار، وكان المستفيد الأكبر من هذه الحزمة هي البنوك الأوروبية العملاقة، التي قدّمت نحو 75 في المئة من الديون الخارجية للبلاد.

نهر المال تدفق على الشكل التالي :

• أعطي صندوق النقد الدولي 8 مليارات للأرجنتين (1.6 مليار دولار منها من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين الذين عملوا بجد ومشقة).

• اشترت الأرجنتين سندات الخزانة الأمريكية (أي أن الولايات المتحدة حصلت على دولاراتها مرة أخرى بعد أن أصبحت "نقداً").

• الأرجنتين سلّمت أذون خزانة للبنوك الدائنة التي وافقت بكرم على سحب السندات الأرجنتينية التي لا قيمة لها .

قبل أقل من عشر سنوات سابقة، دعم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الحكومة الأرجنتينية في أكبر مشروع خصخصة لمياه الشرب في العالم. في عام 1993، تم تشكيل شركة Aquas Argentinas بين الحكومة الأرجنتينية وكارتل يضم مجموعة سويس Suez group من فرنسا (أكبر شركة مياه خاصة في العالم) وأكواس دي برشلونة Aquas de Barcelona من إسبانيا. غطت الشركة الجديدة منطقة يسكنها أكثر من 10 مليون نسمة.

الآن، بعد 10 أعوام من أسعار المياه العالية، وانخفاض جودة المياه وتدهور معالجة مياه الصرف الصحي، وإهمال تحسين البنية التحتية، أنهى الكارتل عقده الذي كان مقرراً لمدة 30 عاما وانسحب. صارت جذور المرارة بين شركة أكوا والمسؤولين الحكوميين عميقة جدا بسبب الوعود الكاذبة وردود الفعل السياسية العنيفة.

تم تسجيل انسحاب أكوا الأرجنتين في 21 نوفمبر 2005 في طبعة الانترنت من صحيفة الغارديان:

"يواجه أكثر من مليون شخص في المحافظة الأرجنتينية الريفية "سانتا في" الانتظار المقلق حول ما إذا كانت حنفياتهم سوف تتدفق بالماء الصافي أو أن مراحيضهم سيشطفها الماء خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

منذ عام 1995، يتم تزويد المحافظة بإمدادات المياه وخدمات الصرف الصحي من قبل كارتل متعدّد الجنسيات بقيادة مجموعة سويس الفرنسية؛ والآن هذا الكارتل العملاق يريد الخروج، ويخطط لمغادرة البلاد خلال شهر.

القرار، الذي تبع انهيارا عالي المستوى لخطط الخصخصة المائية الأخرى في دول أخرى مثل تنزانيا، وبورتوريكو، والفلبين، وبوليفيا، أثار مرة أخرى تساؤلات حول جدوى خصخصة المرافق العامة في العالم النامي.

مجموعة سويس كانت تستعد أيضا لرحيل مبكر من امتياز مربح سابقا في العاصمة الأرجنتينية، بوينس آيرس. الاتفاق تم التوصل اليه في عام 1993، وشهد أكبر مشروع خصخصة للمياه في العالم.

في كلتا الحالتين، فإن المؤسسة الفرنسية قامت بإنهاء عقد لمدة 30 عاما وهي في ثلث الطريق. لماذا ؟ لأن مجموعة سويس لا يمكنها الحصول على تنازلات لجني الارباح - على الأقل ليس وفقا لأحكام الاتفاقيات الحالية.

انتزع العملاق الفرنسي الفوائد من كلّ من اتفاقي الخدمة في منتصف التسعينات، عندما كانت الأرجنتين تمر بمرحلة "إصلاح" هائل في قطاعها العام، بناء على طلب من (ص ن د) والبنك الدولي وغيرهما الذين قدموا لها القروض.

لقد "حلبت" أكوا الأرجنتين السوق بقدر ما تستطيع، ثم تخلت عن المشروع ببساطة.

ولماذا لا تقوم بذلك ؟

فالأرباح قد جفت .. والبلاد ليست بلادها!

صندوق النقد يحاصر 400 مليون إنسان جديد بالتعطيش

________________________________

وتشير الإحصاءات العالمية إلى أن حوالي 460 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يجب أن يعتمدوا على شركات المياه الخاصة مثل أكوا الأرجنتين، مقارنة بـ 51 مليون فقط في عام 1990.

ما معنى هذا ؟

معناه أن صندوق النقد الدولي (والبنك الدولي) قد أخرج عددا إضافياً هائلا من الناس في العالم النامي يُقدرّون بـ 400 مليون شخص من شرب الماء الذي توفره الدولة بأسعار معقولة ورماهم في جحيم عقود خصخصة مياه الشرب الضخمة التي لا ترحم لشركات من أوروبا والولايات المتحدة.

الآن، وبعد أن تم كشط رغوة الكريمة من الجزء العلوي من الحليب، أعتذرت هذه الشركات نفسها من إكمال الحفلة، تُركت البلاد في حالة من الفوضى، وغضب الزبائن العطاش الغاضبين والحكومات العاجزة التي لا تزال مثقلة بديون من مليارات الدولارات تكبدتها بسبب إصرار (ص ن د) على الخصخصة في المقام الأول.

[ملاحظة: في فبراير شباط من  عام 2003، عرضت شبكة سي بي سي نيوز في كندا تقريرا عنوانه : "مياه من أجل الربح" كشف كيف أن الشركات متعددة الجنسيات بدأت بالسيطرة على موارد المياه العامة .. لتجعل شرب جرعة الماء الضرورية للحياة تكلف آلاف الدولارات !!!

استنتاج : صندوق النقد الدولي أداة تفكيك الحكومات وإثارة الاضطرابات الاجتماعية

_________________________________________

هذه الحلقة لا تدّعي أن تكون تحليلا شاملا لسلوك ومؤامرات صندوق النقد الدولي. هناك جوانب كثيرة، وأمثلة ودراسات حالة يمكن استكشافها. في الواقع، كُتب العديد من كتب التحليل النقدي عن صندوق النقد الدولي. كان الغرض من هذه الحلقة هو اظهار – بشكل عمومي -  كيف يخدم صندوق النقد الدولي العولمة بوصفه عضوا حيويا في ثالوث القوى النقدية العالمية وهي :  صندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولي والبنك الدولي.

وعلى الرغم من كل الدعوات لحل صندوق النقد الدولي، فإنه لا يزال يعمل دون عوائق وبلا مساءلة تكاد تكون معدومة. هذا يذكرنا ببنك التسويات الدولي BIS الذي استمر في العمل حتى بعد حلّه رسميا بعد الحرب العالمية الثانية.

ما يهمنا في هذه الحلقة هو أن نستنتج ما يأتي عن صندوق النقد الدولي :

• صندوق النقد الدولي، وذلك بالتنسيق مع بنك التسويات الدولي، يسيطر بإحكام على العملات وأسعار صرف العملات الأجنبية في الاقتصاد العالمي بأكمله.

• صندوق النقد الدولي قناة لاستغلال أموال دافعي الضرائب لاستخدامها لإنقاذ المصارف الخاصة التي دفعت قروضا مشكوكا فيها ذات فوائد فاحشة جعلت الدول مثقلة بالكثير من الديون.

• يستخدم صندوق النقد الدولي المشروطية كوسيلة للضغط لإجبار الحكومات على خصخصة الصناعات الرئيسية والخدمات الأساسية، مثل الخدمات المصرفية والمياه والصرف الصحي والمرافق التعليمية والصحية.

. وغالبا ما تُنظم  بنود المشروطية بمساعدة من المصارف الخاصة التي تنسق عملها وقروضها جنبا إلى جنب مع صندوق النقد الدولي.

• سياسات الخصخصة تسبّب الدمار والخراب وتحقّق العكس تماما مما يعد به (ص ن د) من نجاحات.

• النخبة العالمية ليست جاهلة ولا تائبة من الضائقة التي سبّبها ويسبّبها صندوق النقد الدولي للكثير من الدول في العالم الثالث

• عندما تحصل فورة في الرأي العام على سلوكيات (ص ن د) والبنك الدولي اللاإنسانية المدمّرة الوحشية، تبدأ النخبة العالمية المتآمرة – وببساطة - بالانضمام إلى جوقة النقاد (وبالتالي تبعد نفسها عن كل لوم)، في حين تبدأ – وبهدوء - بخلق المبادرات الجديدة التي تسمح لها بالحصول على أرباح جديدة من امتصاص دماء شعوب مقهورة جديدة .

فلعنة الله عليهم .. مصاصي الدماء (لاحظ أن هوليود هي أعظم مصدر لأفلام مصاصي الدماء المغثية المقززة في العالم لأنها تعكس سيكولوجية ثابتة شيطانية دمّرت وسوف تدمّر العالم) .