أصدقاء المصالحة... أعدائها..!
أصدقاء المصالحة... أعدائها..!
د. هاني العقاد
جاءت المصالحة الفلسطينية في زمن متأخر قليلا بعد ثمان سنوات من انقسام سلب المواطن الفلسطيني الكثير من إرادته ليبقي على خطوط الوطن يقاوم إسرائيل التي اعتبرت الانقسام حق مكتسب لها يساهم في تنفيذ مشروعها الصهيوني , لكن المصالحة جاءت اليوم كاستحقاق وطني غير قابل للتصريف لتنقذ الثوابت الفلسطينية من الضياع ,وجاءت لتقول لإسرائيل أن الوحدة الفلسطينية ستسقط كل مشاريعكم التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية واختزالها في حكم ذاتي محدود على قاعدة إخراج غزة من الصراع بالكامل , جاءت لتبقي القلعة التي يناضل من داخلها كل الفلسطينيين قوية متينة أبوابها , لان هذه القلعة إذا انهارت وسقطت سقطت معها كل الثوابت , وتكللت مساعي الوفاق الوطني بالنجاح بعد التوقيع على البدء بإجراءات المصالحة الفلسطينية وأولها تشكيل حكومة الوفاق لتلبي احتياجات المواطن الفلسطيني التي تساعده على البقاء والمواجهة ,وتلبي احتياجات المرحلة بمجمل تطلعاتها الوطنية وتعمل هذه الحكومة بكل طاقتها لإزالة أثار الانقسام الأسود بالطريقة التي تضمن ألا يعود هذا الانقسام أو تبقي إفرازاته في عقول الأجيال الفلسطينية طويلا, وتعيد هذه الحكومة الإرادة للشعب عبر التمهيد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وتعبيد الطريق أمام تطوير مؤسسات وهيئات منظمة التحرير الفلسطينية , ولإدراك القيادة الفلسطينية مخاطر مشروع نتنياهو التهويدي الاستيطاني الإرهابي العنصري الذي يقصد من خلاله استكمال الدولة اليهودية دون الالتفات لحقيقة الصراع أو حتى الاعتراف بمشروع الدولتين لحل الصراع التاريخي على أساس قرارات الشرعية الدولية ,أو حتى إعطاء فرصة لمفاوضات السلام التي رعتها الولايات المتحدة ودفع استحقاقاتها, ولوقف مخطط تصفية القضية الفلسطينية عبر تحييد دوائر الصراع المختلفة وأولها غزة باعتبار أنها كيان تم إخلاء الاحتلال منه وكيان له حكومته المستقلة فإن القيادة الفلسطينية بكافة توجهاتها سارعت إلى إنهاء هذا الانقسام الأسود عبر إعلان تشكيل حكومة وفاق وطني تعمل بعيدا عن الأحزاب والفصائل .
لكن هناك من أصدقاء المصالحة من فهمها على أنها هبة من رب العالمين للمحافظة على غنائم اقتطعت من رقاب الشعب الفلسطيني وعلى حساب أبناء الشعب الفلسطيني ويريدوا من الحكومة الجديدة الاعتراف لهم بغنائمهم والتعامل معهم على أساس عدالتها,وإلا فان اختطاف إرادة الشعب ستستمر وتتعمق وقد يعود الاعتقال السياسي وتعود حالة استخدام القوة مرة أخري, هذا يعتبر من اخطر المعيقات والتحديات التي تواجه حكومة الوحدة الفلسطينية , والمعيقات الأخرى تقول أن حكومة الوفاق تتعامل مع أجهزة أمنية مختلفة العقيدة في كل من الضفة وغزة وهذا يحتاج إلى عمل عميق من قبل وزارة الداخلية التي لا هيكل موحد لها حتى الآن, وما حدث في الأيام الأخيرة من إغلاق البنوك بالقوة من قبل قوى الأمن في غزة وعدم اختيارهم أسلوبا أخر أكثر احتراما لحقوق الناس لهو دليل على أن الأجهزة الأمنية لها عقيدة مختلفة قد تهدد المصالحة بمجملها وقد تترك أثار وانعكاسات سلبية على المزاج العام الداعم لهذه المصالحة , في نفس الوقت كشف لنا هذا السلوك أن هناك ألغام يتوجب على حكومة الوفاق الوطني إزالتها لتغير فكر وفلسفة وتشكيلات الأجهزة الأمنية و توحيدها مع أجهزة الضفة بما يتلاءم وطبيعة مرحلة استعادة الوحدة وحمايتها والدفاع عن عناصرها وأدواتها , وهناك بالمقابل من فهم الحكومة على أنها جمل المحامل وعليها أن توفر كل شيء للشعب في غضون أيام , وهذا الفهم يعززه بقاء الأجهزة الأمنية على حالها في غزة خلال المرحلة الانتقالية مع بعض إشكال الدمج هنا وهناك دون تأهيل نفسي و إداري و تقني و وطني حتى نتفادى استخدام السلطة بشكل خاطئ في هذا الموقف أو ذاك.
المصالحة هي الطريق الوحيد لنجاة هذا الشعب من مؤامرات إسرائيل ,وهي الطريق الوحيد الذي من خلاله يتم رص الصفوف وتحديد الأهداف الوطنية والاستراتيجيات النضالية , لكن لهذه المصالحة أعداء بخلاف إسرائيل وما تخططه حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة وأعدائها هم من يعتبروا أنفسهم أصدقائها ومن يعتبروا أن حكومتها مطالبة بفعل كل شيء في آن واحد وإلا فأنهم لها بالمرصاد , مطالبة بغسل كل وسخ الانقسام ,ومطالبة بتحمل كل أخطاء الماضي ,ومطالبه بحمل عجز حكومة غزة عن توفير رواتب لموظفيها الذين تضاعف عددهم بشكل يجعل من قدرة الحكومة في المستقبل على حل مشاكلهم المالية دون توفير شبكة أمان مالية عربية قدرة تساوي صفر ,وهذا يعتبر عداء ناعم وهادئ خاصة حين يحمل البعض أبو مازن الحمل الثقيل لوحده والويل إن لم يحمله , وللمصالحة أعداء من نوع آخر وهم العالم السفلي هم أدوات بيد إسرائيل ,جنودها النائمين بين ظهرانينا , هم دعاة وطنية كاذبة لكنهم في الحقيقة دعاة فوضي وانفلات أمنى كبير يقوم على العديد من الممارسات التي نخاف أن تعيق عمل الحكومة و قوة كلمتها لتبقي حكومة بلا فعل وبلا سلطة حقيقية ,وهناك من يعتقد انه يعيق عمل الحكومة عبر افتعال المشاكل وشحن الخصومات واستغلال حالة عدم انجاز المصالحة المجتمعية لتأليب أهالي ضحايا الانقسام ضد بعضهم البعض , وهناك أصحاب للمصالحة باعتبارهم أغنياء حرب وهم الذين استفادوا من الانقسام بامتلاك الأراضي والعقارات والسيارات وتزوجوا النساء مثني وثلاث و رباع لا يعارضوا المصالحة ولا يقولوا شيئا عن الحكومة بل يرسلوا رسائل تحريضية ضدها ويسلبوا روح التفاؤل من المساكين البسطاء الذي يعيشون على فتات لا يسمن ولا يغني من جوع.