ليت ألسنتهم عُقدت وأقلامهم قُصفت!
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
" إيها الفلوجي البطل! إذا طُعنت من الخلف فهذا دليل على إنك في المقدمة".
سألني أحد الكتاب العرب الأفاضل عن أسباب افول دور الصحافة العراقية في العهد الديمقراطي وهي حالة لا تتناسب مع الوضع الجديد او مفهوم الديمقراطية؟ إذ إن الصحافة الحرة تلعب دورا فاعلا كما يفترض عند إنتقال الأنظمة التقليدية الى النموذج الديمقراطي. وبإستثناء الصحافة المغتربة لا توجد صحافة حرة داخل العراق، سواء بالنسبة الى الفضائيات أوالصحف والمجلات. وسألني فيما إن كان في العراق أصلا نقابات للصحفيين والأدباء من عدمه؟ لأنه لا يوجد لها نبض في الشارع العربي. وكذلك الحال بالنسبة الى نقابة المحامين كأنها مقبرة في صمتها ولا علاقة لها بالأحياء! في حين توجد خارج العراق جمعيات ونقابات عالمية وعراقية هي التي تتولى الدفاع عن حقوق العراقيين في الداخل كالاتحاد الدولي للمحامين الديمقراطيين، مركز جنيف الدولي للعدالة، منظمة تضامن المراة من اجل عراق موحد، الشبكة الدولية لمناهضة الاحتلال ومؤسسة برسل ترابيونال وغيرها.
مستذكرا بأن العراقيين منذ عام 2003 في حالة حرب دائمة مع إختلاف أقنعة الأعداء، تارة مع قوات الإحتلال الامريكي، وتارة مع الإرهاب وتلاها الحرب الأهلية عام 2006، وأخيرا حرب المالكي في الأنبار وهي أشبه بطلاسم يصعب فهمها. فالقيادة العسكرية العراقية لم تصدر أية بيانات عسكرية توضح حقيقة ما يجري في ميادين القتال، والإعلام الحكومي يصفق بحدة لفريق المالكي دون أن يرى المباراة أصلا أو يعرف من هو الفريق الخصم! والإعلام المعارض لحكومة المالكي ضعيف لأنه يفتقر الى وسائل إعلامية متطورة، إضافة إلى الضغوط المحلية والأجنبية التي تمارس ضده بمختلف الوسائل، وتحاول طمس معالمه، ومع ضعفه فأنه أفضل من الحكومة لأنه يصدر بيانات مستمرة عن الفعاليات العسكرية التي يقوم بها الثوار في قواطع العمليات. أما المراسلون الإجانب فهم يتعاملون مع المعارك بطريقة الضرب بالرمل! لأن حكومة المالكي تمنعهم من التواجد قرب مسرح الأحداث خشية على حياتهم كما تزعم، متناسية بأن هناك ما يسمى بالمراسل الحربي! والطريف ان العراق يأتي في المرتبة الأولى عالميا في مقتل وإختفاء وإختطاف الصحفيين، رغم إدعاء الحكومة بأن الحرص على حياتهم هو الذي يمنعها من السماح لهم بتغطية أخبار المعارك الجارية على قدم وساق!
والأهم من هذا وذاك عدم وجود ردود فعل عند النقابات والإتحادات المذكورة ولا مؤسسات المجتمع المدني حول حقيقية ما يجري في العراق بشكل عام! وكلنا نعرف بأن الإعلام أول من يدخل المعركة وآخر من يغادرها. هذا ما خبرناه في عملاق الإعلام العراقي محمد كاظم سعيد الصحاف الذي كان آخر من غادر ميدان الإعلام، بعد أن وصلت قوات الإحتلال الى مقر عمله. لكن الإعلام العراقي الإحتلالي لم يدخل المعركة الأخيرة أصلا بل لم يجرأ على الوقوف او حتى التقرب من أبوابها الأمامية أو الخلفية.
وعندما سألته: أتقصد بالمعركة الأخيرة، الحرب الجارية بين أتباع الحسين مع أصحاب يزيد؟ إنتفض مستنكرا: يا أخي هل تسخر مني! ما علاقة الحسين ويزيد بما يحدث في الأنبار؟ قلت له بأن هذا الوصف الذي أثار إنفعالك ليس ليٌ، وإنما هو وصف رئيس الوزراء المالكي لحربه على أهل الأنبار. فهو يستخدم نفس أساليب جزائر دمشق في حربه الظالمة على شعبه ومنها البراميل الحارقة والغارات الجوية والقصف المدفعي الثقيل، والإستعانة بالمرتزقة من داخل وخارج البلاد. وأطلعته على نص حديث المالكي، ففتح فمه دهشة وهو يقول: هل هذا كلام معقول يصدر من رئيس وزراء يمثل كل أطياف الشعب العراقي كما يفترض؟ حتى نيرون لم يجرأ على مثل هذا القول وهو يقف على أطلال روما!
إستوقفتني ملاحظته حول موقف نقابات وإتحادات الصحفيين والأدباء والمحامين العراقيين مما يحدث في البلد، وهو موقف مخزي للغاية وعار ما بعده عار. فهذه المؤسسات تفتقر الى لسان الحق والعدالة والشجاعة، وهي مع الأسف الشديد مؤسسات إجيرة في خدمة الحاكم الطاغية، بل هي الفياغرا التي تنشط طغيانه على شعبه. إنها تسكت حين يستوجب الكلام، وتتكلم حين يستوجب السكوت، ينطبق عليها ما جاء في القرآن الكريم ((إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)) سورة الأنفال/22. لقد طبلوا وبوقوا بصخب لقوات الإحتلال وديمقراطيتهم القاتلة قبل أن يروا الحقائق على الأرض، فكانوا أشبه اشبه من يقلد الاوسمة والنياشين للجنود قبل أن يخوضوا الحرب. من ثم أكملوا العزف مع مخلفات الإحتلال من حكومات عميلة دون أن يدركوا بأنهم يعزفون في مقبرة وليس في مسرح، فأزعجوا الأحياء والأموات معا.
مهمة نقابة الصحفيين هي توحيد الكلمة وليس القعود على أرصفة الحكومة كالشحاذين في إنتظار العطايا من لدن مختار العصر. مهمتها الحرص على مصالح العراق العليا، وليس الوقوف مثل المتفرجين في قاعات المسرح، ما أن تنتهي المسرحية حتى تنتهي علاقتهم بالمسرح. مهمتهم تشخيص الخلل في مرافق الدولة بلا إستثناء، لا أن يجرفهم الخلل ويصبحوا جزءا منه. مهمتهم الرصد والرقابة لبؤر الفساد الحكومي وليس التغطية على اللصوص والفاسدين. مهمتهم مكاشفة الناس بالحقيقة وليس تمويه الحقائق وخداع المواطنين. إن مقاربة الفاسدين والدفاع عن الطغاة تشوش أفكار الناس ولا تنذر بالعواقب القادمة. كما أن التعصب الأعمى للحكومة بسبب الدين أو المذهب أو المصلحة والعطايا يحطم قلاع الوطنية، ويطمس هيبة الصحافة، لأنها عاجزة عن خدمة الشعب بإقامة الحجة على فسادها؟ فهل كشفت الصحافة عن الفساد الحكومي الهائل والشامل في كل مرافق الدولة؟ أم دعمته؟ أو على الأقل تغاضت عنه لأسباب لا تخفى عن لبيب. مع إن الفساد حالة ثابتة وعليها براهين قاطعة تؤيدها تصريحات المسؤولين أنفسهم، ويعضدها الانصاف والحقيقة.
كذلك الحال مع نقابة المحامين فهي الأخرى قد أسفرت عن وجهها القبيح منذ الغزو الأمريكي، وهي لا علاقة بالمحاماو إلا من وجهة نظر الدفاع عن الطغاة واللصوص والدجالين والطائفيين. إنها في وادِ والعدالة في واد آخر. لقد مرٌ على العراق ما يشيب منه الولدان دون أن يكون لها حيص وبيص في الأحداث بإستثناء تصريح يتيم من نقيبها الذي وصف المالكي بأنه لا يفهم الدستور. إبتداءا من فضائح سجن أبو غريب على أيدي قوات الإحتلال، وفضائح المالكي من السجون السرية، والإعتقال على الهوية، والتعذيب الصولاغي بالدريل، وإغتصاب المعتقلات من قبل المحققين والحراس، وسرقة ثروات الشعب وهروب اللصوص لخارج البلاد، والطروحات الطائفية لولي الدم صاحب عقيدة (بحار الدم)، والتلاعب بالعملية الإنتخابية قبل وبعد إعلان النتائج، وإنتهاكات الدستور، والشهادات المزورة، والفساد المالي والأخلاقي، وحروب المالكي الداخلية إبتداءا من صولة الفرسان وإنتهاءا بمعركة (تصفية الحساب) مع الوطنيين والشرفاء في الأنبار، مرورا بعدة محطات منها مجازر الزركة والحويجة وبهرز واللطيفية واليوسفية والطارمية وغيرها. علاوة على التهجير القسري من قبل المليشيات الموالية للفقية الكريه في إيران، وتشريد مئات الألوف من اهل الأنبار ومناطق حزام بغداد، وسرقة مواد البطاقة التموينية وإغراق المناطق الغربية وحرق البساتين وتلويث المياه في محافظة صلاح الدين، ومئات الحرائق في مؤسسات الدولة وغيرها، بحجة المس الكهربائي من إنتفاء خدمة الكهرباء أصلا من البلد! كل هذه وغيرها ليست موضع إهتمام نقابة المحاميين ولا نقيبها (من التيار الصدري) محمد الفيصل!
إذن ما هو إهتمامها؟ هذا ما سألني عنه الكاتب العربي.
فسردت له عن واحد من إهتماماتها، وكإنما ضربته صاعقة دون أن يجرؤ على الكلام أو التعقيب، سوى قوله: كفى! لا أريد المزيد، ليت السنتهم عُقدت واقلامهم قُصفت!
أما ما ذكرته له عن أكبر إنجازات نقابة المحاميين فكان ملخص عن نشاطات أحد فروعها في النجف
وهو القيام بمحاكمة تأريخية حول مقتل زيد بن الإمام زين العابدين بن الإمام الحسين الذي حدث قبل 1313عام. وقد جرت المحكمة الكوميدية في قاعة جامعة الكوفة، وتألفت من ثلاث قضاة ومدعي عام ومحاميي الدفاع والمجني عليه (المجني عليه! ربما حضروا روحه) حيث استمعت رئاسة المحكمة إلى شهادة الشهود وهم كل من الباحث والمؤرخ الأستاذ الدكتور حسن عيسى الحكيم ورجل الدين مهدي الحكيم والصحفي حيدر حسين الجنابي .وبعد استماع المحكمة إلى ما أدلى به الشهود (شهود على ماذا؟) من معلومات وحقائق وملابسات الجريمة التي ابتدأت بالقتل وانتهت بالصلب على مدى أربع سنوات وبعدها حرق الجسد بالنار ودق عظامه بالهواوين، وذر بعضه في حوض الفرات، والتي تم فيها أثبات العمل الإجرامي الذي أرتكب بحق الشهيد السعيد بن الإمام زين العابدين بن الإمام الحسين، إبان حكم هشام بن عبد الملك وبعدها أبن أخيه الوليد بن يزيد في عصر الدولة الأموية سنة 121هـ .وبعد انتهاء المرافعات وسماع محامي المتهمين(من وكلهما؟) أصدرت المحكمة حكمها النهائي بالإعدام شنقاً حتى الموت بحق المدانين المجرمين (هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد بن عبد الملك ويوسف بن عمر والي العراق والحكم بن الصلت أحد القادة العسكريين في الجيش الأموي).
بربكم هل هناك مهزلة مثل هذه؟ يحضرها أساتذة جامعة لا يخجلون من أنفسهم، وتجري في حرم جامعي، وتقوم بها نقابة محاميين! فعلا الحمق أعيا من يداويه.
من حقنا أن نستفسر من نقابة المحاميين/ فرع النجف.
طالما إنكم تحاكمون التأريخ وأرواح عظماء المسلمين، وتصطادون في المياه العكرة، سنجاريكم في دعواكم الباطلة، بالطبع ليس إيمانا بما نقول، ولكن لأقامة نفس الحجة عليكم.
هل يجوز لأهل السنة إقامة محكمة مشابهة على الإمام علي بن أبي طالب لسكوته عن قتلة الخليفة عثمان بن عفان، وحماية القتلة وتسليمهم أرفع المناصب في الدولة الإسلامية؟
وهل يجوز محاكمته علي بن أبي طالب على سفك دماء مئات الأوف من المسلمين عن حروبه الثلاثة بإعتباره هو الذي بدأ بحشد الجيوش وإعلان الحرب على المسلمين المناوئين له؟
وهل يجوز إجراء محاكمة على الحسين بن علي بسبب الفتنة التي خلفها بخروجه، والتي أدت إلى قتل أكثر من مليون مسلم منذ الواقعة ولحد الآن؟ وما زلنا ندفع يوميا ثمنها في العراق؟
أكيد هذا الكلام لا يعجب الشيعة ولا أهل السنة أيضا، لأنهم يحترمون أهل البيت جميعا بلا إستثناء، إذن لماذا تستفزون يا من تسمون أنفسكم أتباع أهل البيت الغير، حتى يواجهوكم بنفس المنطق والحجة؟
لماذا لا تتحدثون عن الصفحات البيضاء للخلفاء الأمويين والعباسيين وتطوون الأوراق الصفراء التي تعكر صفو الأخاء والسلام والوحدة بين المسلمين، والتي لا يستفاد منها سوى أعداء الإسلام. بدلا من دفع المقابل إلى كشف فضائح الأئمة ومثالبهم المذكورة في أمهات مراجعكم ومصادركم؟
لا تستفزوا الغير كي لا يستفزونكم بالمقابل، والباديء أظلم.