نتنياهو وحكومة الوفاق الفلسطينية..
د.هاني العقاد
أخيرا انتصرت الإرادة الفلسطينية على الذات الحزبية ووحد الفلسطينيين صفوفهم وكلمتهم الوطنية ,عندما تم إعلان حكومة التوافق الوطني وأصبح للفلسطينيين حكومة واحدة بعد انقسام اسود استمر لأكثر من ثمان سنوات ,كانت من اخطر مراحل التاريخ الفلسطيني لأنها شوهت هذا التاريخ وشوهت بندقية المقاومة إلى حد ما, لكن من كان يراهن على استمرار الانقسام واستدامته هو إسرائيل وبعض أعوانها , لهذا فإن إسرائيل صدمت من التقارب والتفاهم بين فتح وحماس وصدمت أكثر عندما تم توقيع اتفاق الشاطئ في غزة الذي حدد خمسة أسابيع لتشكيل حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني من الكفاءات الوطنية غير الحزبية لتشرع في إنهاء الانقسام فعليا على الأرض وليس في الأروقة السياسية , اليوم أنجزت حكومة الوفاق الوطني وأدت اليمين الدستوري أمام السيد الرئيس وازداد غيظ إسرائيل لدرجة أنها هددت بقطع العلاقات بالكامل مع هذه الحكومة إذا ما تم الإعلان عنها وهناك من ذهب لأكثر من هذا بتحديد حركة الرئيس أبو مازن و منعه من السفر, وترجم غيظ إسرائيل بقرار الكابنيت الإسرائيلي قطع العلاقة مع السلطة الفلسطينية ومنح الكابنيت نتنياهو الحق في اتخاذ ما سموه "الخطوات العقابية" اللازمة ضد حكومة الوفاق الفلسطينية، وفرض عقوبات جديدة ضد السلطة, والأخطر أن نتنياهو يستعد لحرب قاسية ضد السلطة والرئيس أبو مازن على رأسها فقد قال أن "الرئيس الفلسطيني محمود عباس(أبو مازن) اختار الإرهاب ورفض السلام" وهذا ترجم اليوم بخطوات عقابية أولية بوقف كافة بطاقات VIP , ومنع التنقل والزيارات بين الضفة وغزة بالكامل .
ليس غريبا سلوك حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة تجاه الحكومة الفلسطينية الجديدة ولم يكن مفاجئا بل المفاجئ رد العالم على تحريض نتنياهو بمقاطعة العالم وخاصة الأمريكان لهذه الحكومة لكن الأمريكان على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية "جين سايكي" قالت أن الولايات المتحدة ستستمر في تقديم المساعدات لهذه الحكومة وأضافت "أن وزارة الخارجية الأمريكية سنواصل تقييم تشكيلة الحكومة الجديدة وسياساتها ومن ثم سنحدد نهجنا", وكان الرئيس أبو مازن في خطابه قد قطع الطريق على استمرار تحريض إسرائيل على حكومة التوافق وأكد الرئيس أن الحكومة باقية على الشروط السابقة للحكومات السابقة ولن تغير أو تجدد في برنامج الاعتراف بالمعاهدات والاتفاقيات السابقة , وبالرغم من نصيحة بعض أطراف إسرائيلية بنصيحة نتنياهو بالتروي فإن نتنياهو يصر على عنصريته وعدائه لكل مسيرة الوفاق والوحدة الفلسطينية لأنها عائق أمام برنامجه التهويدي الاستيطاني العنصري ,وهنا أقول أن هذه الحكومة ما هي إلا حكومة لتقديم الخدمات للشعب وليس لها برنامج سياسي منفرد لان البرنامج السياسي هو برنامج الرئيس أبو مازن ,ومن يفاوض ليس الحكومة بل أعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية فلم يعهد أن أحداً من أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض على امتداد فترات التفاوض مع إسرائيل قد تولى أي حقائب أو مناصب بالحكومة الفلسطينية لان صلاحيات التفاوض وملف الصراع بالكامل كان و مازال في يد منظمة التحرير الفلسطينية ولجنتها التنفيذية ولا شأن للحكومة الفلسطينية بهذا الأمر .
إن كانت سلطة نتنياهو اليمينية المتطرفة تعتقد أن الفلسطينيين سيتراجعون عن حكومة الوفاق الوطني وإنهاء الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني بسبب عدم اعتراف إسرائيل بهذه الحكومة وأي عقوبات تفرضها فأنها مخطئة لأن التهديدات والعقوبات تزيد الفلسطينيين قوة وعنداَ , وبات على إسرائيل أن تدرك أن الفلسطينيين استعادوا وحدتهم لأنهم أدركوا خطر المخططات الصهيونية التي بنيت على أساس استدامة الانقسام والتي تعمل على تصفية القضية الفلسطينية عبر مخطط تقسيم كافة الأراضي التي احتلت بعد العام 1967 بإعطاء غزة لحماس وتسهيل بقائها نظام حكم ذاتي والاعتراف بصمت بحكومتها وضم بعض المناطق بالضفة الغربية للسلطة الفلسطينية بغرض توسيع بعض مناطق الحكم الذاتي وضم بعض الكتل الاستيطانية والمسجد الأقصى لإسرائيل.
اعترف العالم بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني و وقعت هذه المنظمة اتفاقية اوسلوا مع إسرائيل التي ما تركت أسلوبا يقزمها إلا واتبعته بالإضافة لاعتبارها أخر ما يمكن التوصل إليه مع الفلسطينيين من اتفاقات بخصوص الصراع وفي نفس الوقت تسعي إسرائيل لتصفية ما تبقي من الصراع بمخططاتها العنصرية وسلب الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير ,لكنى أقول أن العالم مجبر بالاعتراف بمنظمة التحرير من جديد وخاصة بعد إعادة هيكلتها وتطوير إطارها القيادي وانضمام حماس والجهاد الإسلامي للجنتها التنفيذية ومجلسيها المركزي والوطني لأن هذا العالم بحاجة إلى هذا الاعتراف ,وها هو العالم يعترف بحكومة التوافق الوطني ولم يستجيب لتحريض نتنياهو ولن يقف العالم مكتوف اليدين أمام الحرب الجديدة التي تمارسها سلطة نتنياهو ضد مسيرة الوحدة الفلسطينية لأنها كانت ومازالت مطلب عربي و دولي وان استمرت تلك العقوبات بالتزايد والتطور فإننا نبشر نتنياهو بأن هذا سيعجل انفجار الفلسطينيين من جديد ليعيدوا ترتيب أوراق الصراع بما يتناسب مع معطيات المرحلة التي يخطط فيها العالم الامبريالي لتصفية كافة الحقوق والثوابت الفلسطينية.