صانعوا التاريخ وقفة تأملية
لطالما تناسل من صلب هذا الخراب المسمى الارض بشر يمتهنون صناعة التاريخ بافعالهم واقوالهم وتحدياتهم وخلقهم لعوالم جديدة سواء من خلال طرح افكارهم او من خلال تبني افكار اناس مغمورين لم يكن ليكتب لافكارهم النجاح اذا لم يتبناها هولاء، ورافق ذلك الانقسام الحتمي للوجود البشري على مدار وجوده الفعلي، اي خليقته، وهذا الانقسام هو اكثر الامور تضخماً في وجود البشر بنظري حتى وان خالفت بذلك الاعراف والمعتقدات والسائد، ولكن من ينظر بتأمل الى الوجود الاول للبشر ضمن منظومة الخليقة المكانية حسب الرؤية الميثولوجية، سيرى الانقسام قد بدأ بتلك اللحظة، ومن ثم توارثه المتناسلون من صلب الاول، وبدأ الانقسام يتخذ اشكالا مغايرة اكثر عنفاً واكثر تحدياً واكثر دماراً، وخلال الصيرورة التاريخية خُلد اسماء رجال ونساء، وتلاشى الباقي ككل شيء زائل، دون ان يحترم التاريخ تاريخيته ولا وجوده باعتباره في الاصل كان انسان يستحق الاحترام.. وعلى هذا المنوال يتخذ التاريخ ضمن مساره التداولي الاستمراري محطات ورجال ونساء واحداث لتخلد في ذاكرته والاخرى تبقى هي الوقود والمادة التي يتم تفكيكها لصنع عرش الخلود.
في كوردستان الان، وحين نحدد الزمنية فاننا بذلك نتجاوز تاريخاً يضاهي تاريخ البشرية على هذه الارض ، اي تاريخاً طويلاً متجذرا في الوجود الانساني، ولكن كما سبق وان ذكرنا بأن الصيرورة التاريخية دائما تتخذ من البعض رموزا خالدة، فان الواقع العياني يفرض علينا ان نتأمل ملامح هولاء باعتبار ان كوردستان تمر الان بمرحلة غير تلك المراحل التي مرت بها طوال تلك القرون، فالكورد الان هم مادة مهيأة فعلياً للخلود التاريخي، وكوردستان ارض رغم الخراب المحيط بها من كل صوب بالاخص من الحاقدين على وجودها،هي الان ارض ترتوي بدماء تفتح ابواب الخلود لها، ولم يعد لاي احد اي كان ان يطمس معالمها البشرية ولا الجغرافية، ومع هذا التطور الحاصل في الصيرورة التاريخية الكوردية الكوردستانية نجد بان الانقسامات هي الاخرى تتوالى داخلياً وخارجياً، وليس هناك من خنجر مسموم يؤذي ويجرح روح الكورد وكوردستان مثل تلك التي تطعنها من الداخل المهزوز سياسياً والتي تظهر من خلال ملامح بعض رجالاته المتخاذلة والمعادية للصيرورة التاريخية، وكأن بظنهم ان التاريخ نفسه سينصف حركتهم او سعيهم لطمس المعالم التاريخية التي اتخذت قراراً بتخليد البعض، وجعل الاخرين المادة المسوغة لخلودهم.
الواقع حين يقرأ بعين مجردة ، والاحداث حين تفسر بالمنطق، وقراءة الداخل حين تتم من خلال ربطه بالخارج كل ذلك يحتم على الانسان ان يفكر ويتأمل ماهيات الصيرورة ضمن المنظومة الاكثر فعالية وليس ضمن بعض الاجندات التي لاتقدم الا على ابطاء عجلة الصيرورة، لكون الصيرورة لاتبالي بهولاء الا من خلال جعلهم وقوداً لمسارها ورحلتها التي لن تتوقف بوقوف هولاء بوجهها ابداً, وعلى هذا الاساس وضمن هذه الرؤية وهذا المنطق الواقعي نطلب من ممن لم يدرك ماهية الصيرورة التاريخية ان يراجع اوراقه وحساباته، ويتخذ من اللحظة موقفاً يساير الصيرورة قبل ان يتحول بدوره الى مجرد مادة سائغة لخلود من يمكن ان يشاركهم في عرش الخلود نفسه.
لهذا نطالبه بأن ينظر الى الواقع بعين اخرى خارج الاطر الحزبية الضيقة او القبلية، كي يتسنى له الرؤية بوضوح، فالعالم الخارجي على الرغم من كل المسوغات الداخلية الانقسامية المتصارعة التي يقوم هولاء باتخاذها لصناعة الرأي العام الداخلي والخارجي وضمن هياكل ومنظومات اصطلاحية تعد مؤثرة اعلامياً، الا ان كل ذلك لم تثني الصيرورة التاريخية ان تغير مسار تعاملها مع المتحالفين مع صيرورتها، ومع رموز الصيرورة التاريخية بكل ثقة واقتدار، هولاء الذين حتى وان بدا للكثيرين بانهم يتسلطون على الواقع فانهم بنظر الصيرورة الضرورة لهذه المرحلة المهمة من تاريخ الكورد وكوردستان، باعتبارهم الاكثر نفوذا داخلياً وخارجياً من جهة، وباعتبارهم الاكثر تقديماً للتضيحات داخلياً والاكثر اسهاماً في الوقوف بوجه التحديات اجمالاً، لاسيما التحدي الاكثر رواجاً في العالم الان، وهو تحدي داعش الدموي، لهذا فان الصيرورة التاريخية تتجاهل كل الاحداث الاخرى التي تمنطق اراء وافكار هولاء المعترضين للصيرورة، و لانريد ان نضرب الامثلة فالصور التي تبث من الواقع حية وقريبة وفعالة جداً وضمن مصادر منوعة ومختلفة، فقط يحتاج هولاء ان ينظروا الى الاحداث خارج قنواتهم الاعلامية السمعية والبصرية الملكفة فقط بالاعتراض والتشهير والضرب تحت الحزام ضمن النطاق الداخلي فقط، دون الاخذ بالاعتبار موجبات المرحلة وممكنات الاخر، والمستوى التصاعدي للاخر على الرغم من كل المعيقات، وكذلك عليهم النظر من خارج قنوات الابواق التي ترافق مسامعهم من الاجندات الخارجية المعادية للصيرورة التاريخية الشاملة ضمن مسارات لايتم تحديدها الا من قبل المتحكمين بمزمام الامور.. صانعي التاريخ، ومانحي وسام صناعة التاريخ لمن يساير الصيرورة التاريخية الحتمية.
وسوم: العدد 677