اللحظة التركية البينات والدروس

المحاولة الإنقلابية طبقا للدستور تعد خروجا على القانون وانتهاكا  للشرعية من عدة وجوه :  بتجاوزها أولا على دستور البلاد ، وسعيها ثانيا لإسقاط حكومة منتخبة، وإقدام المغامرين ثالثا على عمل ارهابي موجه ضد الامن الوطني ، فضلا عن العبث بحياة المواطنين ،

وإذا كان التحقيق مايزال جاريا مع قادة ومنفذي المحاولة الإنقلابية للكشف عن خيوط هذه المغامرة وعن إحتمال وجود قوى اقليمية أو دولية متورطة في الحث عليها أو مشاركة في التخطيط لها ، ومهما يكن فإن وقائع وتداعيات ماحدث مساء يوم الجمعة قدم للعالم حكمة بالغة تضمنت دروسا كثيرة من بينها : 

الدرس الاول : الشعب التركي :

كان الوعي الجمعي ؛ هو الاقوى حضورا في موقف الشعب البطولي ؛ بنزول ملايين المواطنين إلى الشوارع تحديا للمحاولة الإنقلابية وإجهازا عليها  ، وقد شهد العالم تطويق الجماهير الدبابات وإيقاف تقدمها ،  رغم كل المخاطر المحتملة  لم تتردد جموع المتظاهرين في التصدي لها والوقوف أمامها ، فقد تحول الشعب  نفسه إلى حارس لدولته ، دفاعا عن منجزاته ، وانتصارا للحياة ضد المغامرين بحاضر ومستقبل بلادهم ـ وسيبقى هذا الدرس يذكر الحكومات والشعوب ، بأن الجموع التي أسقطت المحاولة الانقلابية لم تكن تدافع عن فرد بعينه أو حزب محدد ـ بل كانت تحمي تجربة وفرت لها الحرية والعيش الرغيد ، والسلام المقيم ـ  

الدرس الثاني  : احزاب المعارضة ؛ اعطت المعارضة التركية درسا اخلاقيا بليغا للمعارضات في العالم الثالث عبر مواقفها التالية:

1 ــ في اللحظة التاريخية الحاسمة اختارت المعارضة منذ البداية أن تتجاوز الخلافات الحزبية وأن تسجل موقفا يكاد يكون فريدا في عالم اليوم ؛ بإعلان تضامنها  مع خصمها السياسي إنتصارا للشرعية، وتأكيدا منها على أهمية الحياة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة  ـ

2 ـ اتسم سلوك المعارضة بقدر كبير من الرقي والمسؤولية تجاه الوطن، بإدانتها للانقلاب بوصفه خروجا على القانون ـ 

3 ـ الإيثار الوطني : تفوق الانا التركية على المصالح الحزبية ، وذلك يإجماع  أحزاب المعارضة التركية إدانة محاولة الانقلاب .

أ ـ  أكد  زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي في بيان مكتوب أن محاولة الانقلاب غير مقبولة، وإن حزبه يعلن تضامنه مع الشعب التركي. وإن محاولة تعليق الديمقراطية وتجاهل الإرادة الوطنية هو خطأ كبير ضد تركيا،  أما الثمن الذي ستدفعه تركيا فسيكون كبيرًا في حال حدوث حرب أهلية. حيث سيحتاج الشعب التركي كل أنواع التدخلات والمخاطرة بوحدتنا وسلامتنا الوطنية .

ب  ــ أعلن  رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو الذي ينتمي إلى تيار يسار الوسط وهو أكبر أحزاب المعارضة في تركيا رفضه للانقلاب العسكري.  وأكد أهمية موقف المجتمع في  رد فعله  الموحّد ضد أي محاولة انقلاب. وإن تركيا “تعرضت للخراب بالانقلابات. لا نريد أن نمر بنفس المشاكل. سنحمي جمهوريتنا وديمقراطيتنا، ونحافظ على التزامنا بالإرادة الحرة لمواطنينا”، لذلك يجب أن نقف موقفًا مشتركًا ضد الانقلاب كما نقف موقفا مشتركا ضد الإرهاب”.

ج ـــ حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي عارض الانقلاب قبل الاعلان عن فشله،

4 ــ إن الموقف الحازم والسريع للأحزاب التركية المعارضة ضد الانقلاب ، يدل على ان احزاب المعارضة التركية وصل لحالة من النضج السياسي لا يمكن معها ان تغامر بمصير بلدها من اجل مصالحها الحزبية واسقاط خصمها السياسي. فرغم وجود مشكلات  سياسية بين اردوغان والمعارضة الا انها وقفت إلى جواره ، ولم تؤيد الانقلاب لايمانها بان انهاء الحياة الديمقراطية في تركيا سبعل تركيا كلها في مواجهة مصير مجهول ـ

5 ــ ساهم موقف المعارضة الموحد : في الموقف الدولية ، وقد تبدى ذلك  بتحول المواقف الروسية والأمريكية والأوروبية المتحفظة إلى رفض مُطلق للانقلاب وتأييداً للحكومة التركية. 

الدرس الثالث : البرلمان

عقد البرلمان التركي، السبت 16 يوليو/تموز 2016 ، جلسة طارئة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، بحضور رئيس الوزراء التركي، وقال رئيس البرلمان التركي، إسماعيل كهرمان "إن الساعات التي قضيناها أمس كانت مليئة بالدروس, ومن بينها :  

1 ـمن حاول القيام بالانقلاب لم يكن يعرف الشعب التركي جيداً. فقد أثبت هذا الشعب جدارته ومحافظته على تراثه وحضارته،

2 ــ إن الانقلابيين حاولوا استهداف القيم العليا للجمهورية التركية، بالهجوم على مركز الأمة التركي (البرلمان)  بالقذائف وبالأسلحة التي كانت معهم.   

3 ـ أن محاولة الانقلاب الفاشلة هي بمثابة عمل إرهابي، نجح في توحيد كافة الأتراك دفاعا عن الديمقراطية والشرعية.

4 ــ أن كل الأحزاب بما فيها حزب الشعوب (المناصر للأكراد) أعلن رفضه للانقلاب".

الدرس الرابع : السلطة التنفيذية 

خلال الجلسة الطارئة التي عقدها  بن علي يلدرم  رئيس الوزراء ،  قدم  بن علي تحياته للشعب التركي الذي أفشل محاولة الانقلاب، كما أثنى على صمود قوات الأمن التي وقفت إلى جانب الشعب، وأن منفذي محاولة الانقلاب العسكري سينالون جزاءهم العادل بأقرب وقت.،  وفي هذا الصدد أشار رئيس الوزراء إلى عدد من المسائل من بينها :

1 ـــ إن الشعب والأمن والإعلاميين وقفوا وقفة شجاعة ضد المحاولة الانقلابية، متوجها بالشكر للمعارضة التي وقفت بوجه الانقلاب.

2 ــ  أن جميع النواب بمن فيهم ممثلو حزب الشعوب الديمقراطي وقفوا صفا واحدا ضد الانقلاب،

3 ــ ما أقدم عليه العسكريون المعامرون مساء  الجمعة 15 يوليو/تموز، هو عملية إرهابية،  نفذها  الانقلابيون الخونة وأن هؤلاء  لا يمثلون القوات المسلحة التركية.

4 ــ أن قصف البرلمان كان هجوما على إرادة الشعب، وهي أول مرة في تاريخ تركيا. يتعرض فيها البرلمان لمثل هذا العدوان ـ 

5 ـــ  ليس ثمة من قوة فوق إراداة الشعب ولن يفكر أي كان في المساس بمجلس الأمة،

6 ــ أن التلاحم الشعبي ضد المحاولة الانقلابية يمثل ولادة جديدة للجمهورية التركية.

د.سيف الدين هاشم

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 677