الفرص الضائعة في مقابلة عصام حجي مع «التلفزيون العربي»!
هذا ما يمكن أن نخلص به من المقارنة بين الدكتور محمد البرادعي والعالم الشاب الدكتور عصام حجي، الذي عرفت في مقابلته مع برنامج «بتوقيت مصر» على «التلفزيون العربي» أنه عالم فضاء، يعمل في ناسا، وكان الفقيه القانوني الدكتور نور فرحات قد سأل عن الجامعة، التي حصل منها على الدكتوراه، والجهة التي يعمل فيها في الولايات المتحدة الأمريكية؟ وجاء السؤال بصيغة التشكيك بعد هذه المقابلة، التي من الواضح أن فرحات لم يشاهدها، وإلا كان قد عرف مكان عمله، وتخصصه، كعالم فضاء، وليس مهماً بعد ذلك اسم الجامعة، فلا أعتقد أن «ناسا» يمكن أن تقبل للعمل فيها حاصلين على «دكتوراه مضروبة» كتلك التي حصل عليها توفيق عكاشة، وسيد القمني!
البرادعي كان على قمة المؤامرة ضد الحكم المنتخب في مصر، حيث اندفع في «السكة البطالة»، محمولاً بالرغبة في الانتقام، وهو الذي كانت كل قوى المعارضة تحتمي في حصانته الدولية، فلما قامت الثورة، تنكر له الجميع، بمن في ذلك من أطلقوا على أنفسهم شباب الثورة، وقد وجدوا طريقهم سالكا إلى سلطة الحكم، ممثلة في المجلس العسكري، ولم يكونوا بحاجة إلى «كفيل» يمشون خلفه، ويحدد لهم خطواتهم، ولهذا فقد تصرف البرادعي وفق نظرية «المكايدة السياسية» فعندما كانت الأصوات ترتفع مطالبة المجلس العسكري بالرحيل، وبدا المشير طنطاوي متمسكا بالاستمرار في السلطة، عندئذ طالب البرادعي الذي كان مكروها من العسكر، أن يستمر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في السلطة لعامين، حتى تستعد القوى السياسية للانتخابات!
ثم أنه كان يتحرك مدفوعاً بشهوة حكم، وقد انتظر اختياره رئيسا للوزراء في حكم الإخوان، فلما لم يفاتحوه في شيء، وضع يده في يد معارضة مبارك الرسمية من أجل إفشال الدكتور محمد مرسي، قبل أن يصطفوا مع السيسي، الذي وعده بمنصب رئيس الجمهورية، وهو ما وعد به حمدين صباحي في الوقت نفسه!
المغرر به
أما الدكتور عصام حجي فهو ابننا المغرر به، والذي بحسب ما قال في برنامج «بتوقيت مصر»، إنه كان يستقي معلوماته وهو في الخارج من الفضائيات ومقدمي البرامج، ولا نعرف الساعات التي قضاها يستمع للإعلامي المخضرم توفيق عكاشة، وجارته بالجنب الإعلامية المخضرمة، أيضاً، حياة الدرديري، فاستشعر القلق على مصر، بسبب ما كانا يقولانه عبر شاشة «الفراعين» عن فشل السلطة، ليكشف هذا جانباً آخر من المأساة المصرية، التي تقف عليها عندما يسمع المرء لأكاديميين كل معلوماتهم في السياسة وفي أحوال البلد، مستقاة من توفيق عكاشة، وإذا كنت قبيل الانقلاب قد دهشت لأني استمعت بمحض المصادفة إلى موظفة بسيطة في الجريدة أترأس تحريرها وهي تتحدث مع آخرين عن «توفيق عكاشة» بإعجاب، فلم تكن مفاجأة لي أن أستمع لأساتذة في الجامعات يعلنون أنهم يسهرون مع برنامجه، فشكل عقيدتهم السياسية، وذهبوا يؤيدون إسقاط رئيس منهم، يعمل أستاذا في كلية الهندسة، جامعة الزقازيق، وقد اهتم بأمرهم من أول يوم، وقام برفع رواتبهم كمقدمة لإصلاح أحوالهم، وخرجوا يؤيدون جنرالاً لا يعرفونه ولم يشاهدوه على جبهات القتال، وليست له غزوات تُروى.. الاتجاه الآن في عهد من أيده القوم، هو التعيين المؤقت لأساتذة الجامعات بدلاً من عقود التعيين إلى سن الإحالة للمعاش، ليتم القضاء على الاستقرار الوظيفي، فاللهم لا شماتة!
ما قالته الموظفة البسيطة استوقفني، وكنت أشاهد عكاشة للتسلية فإن القلوب تمل، وها أنا أقف على أن هناك من يأخذونه على محمل الجد، ويجلسون أمامه مجلس التلميذ من الأستاذ، وحجة هذه الموظفة أنه أحيانا يتنبأ بأشياء تتحقق، ولم نكن نعلم أن جهات أمنية تمده بهذه المعلومات، لإثبات مصداقيته، ولا تنسى الآن أنه توقع انقلابا عسكريا في تركيا قبل عام، ولا نعرف ما إذا كانت مصادره إسرائيلية أم مصرية حصل عليه القوم من «الوكيل العام» في البيت الأبيض، فقد نشرت تصريحات صحافية للدكتور سعد الدين إبراهيم عن هذا الانقلاب قبل شهور عدة، ومعروف أنه من الباحثين المقربين من واشنطن، ورجل كل العهود هناك!
ظاهرة عكاشة
لقد بدأت منذ اللحظة التي استمعت فيها لما قالته هذه الموظفة أرصد ظاهرة عكاشة باعتباره «الأستاذ المعلم» لقطاع من الشعب المصري، وللمفارقة فإن هذا القطاع يضم «ربات البيوت»، وبعض أساتذة الجامعات، معاً، وإذا كان هناك من لا يزالون في دهشة لأن من بين الأكاديميين من ينظر لتوفيق عكاشة بانبهار، فلم يكن الأمر مثار دهشتي، فالتعليم الذي يقوم على الحفظ والتلقين، يحتاج المتفوق فيه ليلتحق بسلك التدريس بالجامعات إلى متفرغين يذاكرون ساعات طويلة في اليوم، والإنكباب لإعداد رسالتي الماجستير والدكتوراه، هذا فضلاً عن أن السياسة في الأنظمة المستبدة تنتج معارضين، لن يتمكنوا من العمل في وظيفة المعيد بالجامعة إلا بالموافقة الأمنية، فكان التفوق الدراسي مقرونا بالبعد عن الاشتغال بأي شيء يمكن أن يشغل الطالب عن الاهتمام بدروسه، بما في ذلك الاهتمام بالأنشطة الطلابية الأخرى. وهناك ولا شك استثناءات تؤكد القاعدة ولا تنفيها!
وعندما قامت ثورة يناير، كانت السياسة هي موضوع الناس، فالحرية المؤقتة دفعت الكل للحديث في السياسة، وصارت حديث غرف النوم، والحافلات العامة، وأماكن العمل، ولا يليق بأستاذ جامعي أن يبدو جاهلاً بها في محيطه، فكان لا بد من اللجوء إلى من يقوم بعملية تبسيط السياسة، ليفهمها من لم يكونوا إلى وقت قريب معنيين بها، وكما أن هناك كتباً لتعليم اللغات الأجنبية بدون معلم، فكان وجود برنامج يعلم السياسة بسهولة مطلوباً، لذا فقد كان عكاشة وجارته بالجنب، هما الأستاذ المعلم لهذا القطاع!
لا أعرف ما إذا كان عالم الفضاء المصري عصام حجي مشغولاً بالسياسة وكانت له أنشطة في الجامعة؟ أم كان مثل كثيرين من المتفوقين منكباً على التحصيل الدراسي؟ لكنه في حلقة «بتوقيت مصر» أثبت أن مصدره هو التلفزيون، ومن خلال متابعته له وهو يعيش في أمريكا، أيقن ضرورة إزاحة الحكم المنتخب، فجاء ليشارك دون أن يسأل نفسه وهل هذا السلوك ينتمي للديمقراطية؟ وهل تشغله حقيقة إقامة نظام ديمقراطي؟ وهل لديه خلفية سياسية تمكنه من أن يكون رأياً حولها؟!
من كلامه مع سلمى الدالي، مذيعة «التلفزيون العربي»، فإن عصام حجي بدا فعلاً مغرراً به، فرد بذلك لي الاعتبار أمام نفسي، وأنا الذي خاطبت مؤسسي حركة «تمرد» بأولادي المغرر بهم، مستدعياً خطاب الرئيس السادات في مناداته لأعضاء الجماعات الإسلامية، فقد كنت أظن لمعرفتي السابقة ببعض مؤسسي هذه الحركة أنهم مغمى عليهم، وسوف يستيقظون يوما على الكارثة التي حلت بمصر، بتمكين العسكر من الحكم، لكن كان رأيي دائماً أنهم عقب الإفاقة من الغيبوبة سيكتشفون أنهم أمام سلطة لا يستطيعون مواجهتها!
عدد قليل من شباب الحركة تبين أنه غرر بهم فانسحبوا منها، لكن القطاع الأكبر كان مستدعى لمؤامرة هو يعرف تفاصيلها، على نحو يجعل من خطابي السابق: «أولادي المغرر بهم»، ينم عن عدم تقدير مني للأمور بشكل صحيح، فهم ليسوا أبنائي إنهم «عمل غير صالح»، لكن اكتشافي الآن أن «حجي» من هؤلاء أسعدني فعلاً!
حقيقة تمرد
لقد ذكر عصام حجي أنه اضطرب لأنه من موقعه في الرئاسة علم أن من شكلوا «تمرد» لديهم اتصالات بمسؤولين وبالرئاسة وبرجال أعمال في الداخل والخارج. مما ينفي عنهم الاستقلال ويؤكد أنهم كانوا أداة في يد الغير، ومع ذلك فقد استمر في موقعه مدفوعاً بحسن الظن في المنظومة كلها! وقع برنامج «بتوقيت مصر» في أزمة هوية، وبين أنه برنامج معلوماتي يكشف ما وراء الكواليس، وبين السعي لتقديم الضيف على أنه الخبير الاستراتيجي الكبير، الذي ينبغي أن يدلي بدلوه في قضايا الساعة والأحداث الجارية، بين أن يكون «شاهدا على العصر» وأن يكون «بلا حدود»، ولا مانع من الدمج، لكن وفق قاعدة الأولويات، فشخصية كانت في المطبخ السياسي في مرحلة دقيقة من عمر الانقلاب، كانت الإحاطة بما جرى فيها مقدمة على ما عداها، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، ولم يكن حجي ضيفاً كتوماً، فقد كان يذهب للكواليس فتأخذه سلمى الدالي من هناك، إلى ساحة الوعظ التلفزيوني، ليدلي بدلوه في قضايا ليس هو أفضل من يتحدث فيها مثل «تيران وصنافير»! وبينما هو منهمك في ما هو داخل المطبخ، تم سحبه من هناك بسؤال فتاك هو: «هل تعتقد أن سياسات الرئيس السيسي داعمة للبحث العلمي في مصر»؟ «جاوب أنت يا حسين»!
وكانت قضية شباب تمرد وعلاقتهم بالرئاسة تستحق المزيد من إلقاء الضوء. ولقد أطلق قنبلة تمثلت في أن رجل أعمال أجنبي قال: «أنا زهقت من الدفع»، لكن لم يفتح هذا شهية من تحاوره، في معرفة جنسية رجل الأعمال هذا؟ وهل هو خليجي أم خواجة؟ ولمن قال إنه «زهق»؟ وكان يدفع لمن؟ وهل كان الدفع يتم بعلم السلطة لأعضاء «تمرد»؟ وهل هناك آخرون كانوا يدفعون؟!
المهم في ما قاله عصام حجي، إن النشطاء عندما كانوا يطلبون لقاء «المؤقت» عدلي منصور، فإن الجهات الأمنية ترسل له معلومات عن من سيلتقيهم تميل إلى التشويه، فبالنسبة للذكور فهذا يتعاطى المخدرات وهذا يتقاضى دعما من الخارج، وبالنسبة للإناث فالمعلومات عنهن تدور حول أنهن منحرفات أخلاقيا.
قنبلة أبطلت المذيعة مفعولها بتعقيبها: «تشويه الخصوم سلوك الأنظمة الديكتاتورية». محظوظ السيسي بالتعامل الذي جرى مع عصام حجي، سواء داخل الأستوديو أو خارجه.
وسوم: العدد 680