في ذكرى الأول من آب في سورية

يذكرُ علماءُ السياسة أنّ للدولة وظيفتين رئيستين، ينبغي أن تقوم بهما حيال مواطنيها:

الأولى: حفظُ العدل في ربوع الوطن لصيانة حقوق المواطنين.

الثانية: الدفاعُ عن حدود الوطن ضد الأعداء.

لقد كان من الضروري لتحقيق الأولى، القيامُ بعملية اجتثاث واسعة النطاق لأذرع الفساد، من خلال تطبيق صارم للأنظمة المكافحة له، فضلاً على التوقف عن سنّ أخرى تمنح لهم المزيد من المنافع، و هذا أمرٌ دونه حديثٌ يطول، و ليست مناسبةُ الحديث له الآن.

و كان من الضروري أيضًا لتحقيق الثانية بناءُ الجيش بناءً غيرَ ما هو عليه، فهو لم يعد في وارد مجابهة إسرائيل، العدو التقليدي لسورية منذ اتفاقية فك الاشتباك معها في:31/ 5/ 1974م.

فبسبب التفاهمات لإبعاد أيّة أعمال عسكرية عن الجبهة معها، و بسبب العقيدة التي تبناها الجيش بشكل لا تمتُّ فيه إلى العقيدة الوطنية بصلة؛ صبّ هذا الجيش حِمَمَه على المواطن السوري لمجرد مطالبته بأقلّ حقوقه، و لم يذكر له في سجله الوظيفي الجادّ سوى الانخراط في مجابهة السوريين في أزقة المدن السورية في ستينيات، و ثمانينات القرن الماضي، و في العشرية الأولى من هذا القرن، لإجهاض الهبات الشعبية ضد نظام البعث، ثم الأسد لاحقًا.

لقد استزف بناءُ هذا الجيش بالشكل الذي بدا عليه، إبّان الهبة الشعبية في: ربيع/ 2011م، ثمانين بالمائة من ميزانية الدولة، على مدى أربعين سنة من حكم الأسد، ليتبيّن لاحقًا هزالة قواه تجاه العدو المفترض، الذي احتل أراضٍ سورية عزيزة، و من قبلها أراضٍ فلسطينيّة، عشنا دهرًا نتغنّى بها و نجدِّدُ العهدَ لأهلها باستردادها؛ في حين أنه استأسدَ على أبناء جلدته، و صبَّ عليهم حِممَه الصدئة على مدى خمس سنوات، أحرق فيها الأخضر و اليابس، و قضى على أسس التنمية في سورية، و أعادها إلى عصر ما قبل الصناعة الحديثة، و بتكلفة تقديرية تتجاوز خمسين سنة من الناتج المحليّ، وفق تقديرات الدكتور عارف دليلة، هذا فضلاً على تمزيق النسيج الاجتماعي السوريّ، لدرجة يصعب فيها عودته إلى سابق عهده، وفق ما صرح به جون برينان ( رئيس المخابرات الأمريكية )، و برنار باجوليه ( رئيس المخابرات الفرنسية )، و هو أمرٌ باتَ يلمسه السوريون حقيقة واقعة، رغم كلّ الأماني في عودة اللحمة الوطنية السورية: إثنيًا، و طائفيًا.

لقد كان بودّ السوريين أن يوجهوا التحية لأبناء جيشهم في يوم عيدهم، إلَّا أنه بات من الصعب عليهم توجيه تلك التحية بعد أن توجهت بنادقهم إلى صدور الشعب: إركاعًا و قتلاً و إذلالاً، و بعد أن انتهك الحرمات و الأعراض، و دمر المنازل فوق رؤوس ساكنيها، و شرَّد الملايين.

تِلكُم هي خمس سنوات و نيِّف قد انقضت، لم يبق فيها من ذكرى حسنة تجاه هذه المؤسسة، التي غدا أمرها بيد الفُرس و الروس و شذاذ الآفاق من العصابات الطائفية، و راح منتسبوها من الضباط يمارسون أعمال القتل تجاه أبناء جلدتهم، دونما وازع من وطنية أو دين أو ضمير أو إنسانية، و صاروا حفنة من اللصوص حيثما حلّوا، و لم يعد لهم شرف يحتفون به كجيش منتمٍ إلى سورية: الوطن، و الشعب.

إنَّه لا عيدَ لهذا الجيش بعد اليوم، إنّنا سنبقي على ذكرى الأول من آب في كلّ عام، و لكنّنا سنحتفي به كيومٍ لاجتماع كلمة فصائل الثورة، و قيامهم بنجدة أهلهم المحاصرين في حلب الشهباء، و كيومٍ للدولاب السوري الذي منع الموت عن أهلنا بوسائله البدائية.

إنّنا سنجعله يومًا نحتفي به ببطولات أطفالنا، الذين لم يرعبهم قصف غربان الجو، و لا البراميل و الأنابيب المتفجرة، و لا كلُّ أساليب الموت، التي تفتقت عنها عقلية الثالوث: الأسد، خامنئي، بوتين.

وسوم: العدد 680