الذين أجرموا في حق ليبيا
معمر حبار
1. الأطلسي ومن استدعاه
قام الأطلسي في ليبيا بمهمته، كما طلب منه تماما .. أحرق الأرض، ودمّر مابقي من بنيان، وأشعل النيران في كلّ مكان، وبقي يرقص وحده في السّماء، ويشاهد من فوق السّحاب، الجثث تتطاير، والأخوة تتناحر، والأحقاد تخرج الأنياب والمخالب.
واشترط على الأخوة الأعداء، قبل أن ينزل الأرض، أن يمنحوه الذهب الأسود، ولا يهمه بعد ذلك السواد الذي تركه، عقب التفجير والتدمير الذي أحدثته طائراته الخارقة للصوت.
إن مهمة الأطلسي، كانت مسطرة في اللوائح، أن يحمي أبناء الشعب من أبناء الشعب، ويحمي طلاّب السلطة من المتشبّث بالسلطة.
لكن الأطلسي حين يكون في ذروة التدمير، وفي نقطة لاتسمح له بالرجوع، وبعد أن يمسك بيمينه عهد العرب والعجم، يرجع لعهده القديم، ويلبس لبوسه الحقيقي، فيأتي على كل شيء ويجعل منه لاشيء، فيخرب العمران، وإذا دخل قرية، أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلة، وكذلك يفعلون.
2. اقتلوه وأتحمل دمه
إن الذي نادى في العالمين، وهو على خطوات من القبر، أن اقتلوه وأتحمّل دمه، هو الذي يتحمّل ماعاشته ليبيا وتعيشه من زهق الأرواح البريئة، والأنفس الزكية، وإثارة الفزع في صدور الآمنين.
إن أثر الكلمة السيّئة، تبقى عوراتها مكشوفة للناظر والسامع . وآثار الدماء التي تمحى من المكان واللباس، لن تمحى من ذاكرة من فقد عزيز ا عليه، وأحرق ماله ومتاعه. وهاهي الدماء التي سالت ذات يوم باسم الدين، تتدفق من جديد هذه المرة، بين إخوة الأمس. فمن ذا الذي يصد نهر الدماء، كما أطلق شرارة بالأمس شرارة إطلاق سد الدماء؟.
3. عدم التعاون مع الجزائر
من الأخطاء التي ارتكبت، أن ليبيا الجديدة أعلنت العداء للجزائر ولموقفها السياسي، تجاه الطريقة التي عالج بها الأخوة في ليبيا وضعهم الحرج.
وبغض النظر عن موقف الجزائر من الناحية السياسية، كان على الأخوة في ليبيا ، أن يبقوا الجسور ممدودة والصدور مفتوحة، وتعالج الأمور المختلف فيها بالطريقة التي تناسب الطرفين، وتكون الخلافات قد خفّت حدّتها، وأصبحت من تلك الفترة، أقل خطرا، ويمكن ضبطها والتحكم فيها.
فالجزائر جارة، وبين الأخوة أكثر مما يجمع، ويمكنها مساعد الأخوة الليبيين بالكثير الذي تملك، وفي الكثير الذي ينقص أشقاءنا في ليبيا. ومن الحكمة الاستفادة بما يتمتّع به الجار أولا، لأنه الأدوم والأسرع والأنفع. والتقرّب إليه أفضل من خسرانه.
منذ قليل، عاتبني أحد الأخوة الليبيين عن موقف الجزائر، تجاه الأحداث التي عرفتها ليبيا، خاصة استقبالها لأسرة القذافي، فكانت إجابتي..
موقف الجزائر كان موقفا إنسانيا بحتا. فلا يعقل أن تسلّم من استجار بك، ولا يعقل أن تسلّم عجوز، وحامل كادت تلد على قارعة الطريق، وأطفالا صغارا. وكان يمكن معالجة هذه النقطة فيما بعد، بعد أن تهدأ الأمور، ودون ضجة إعلامية، ودون أن تخسر الجار، الذي لاتستطيع أن تستغني عنه. ومثل عملية تسليم المطلوبين، تتم عبر مفاوضات وضمانات، قد تستغرق وقتا، وتعالج بهدوء. كيف يراد من الجزائر أن تسلم عائلة بأكملها، في ظروف لم تعرف بدايتها من نهايتها، ثم إن الجزائر طلبت منهم عدم التعرض لليبيا، وحذرتهم مرارا، إلى أن اختاروا فراق الجزائر، فيما نسمع ونقرأ. إن سلوك الجزائر، كان سلوك دولة قائمة بذاتها، لاتعرّض جيرانها للخطر، ولا تعرّض من استجار بها للخطر، وقد سبق للفريق سعد الدين الشاذلي أن استجار بها، وسبق للشيخ محمد الغزالي، وكذا الغنوشي، أن استجاروا بها، ناهيك عن الأفارقة في الستينات والسبعينات والثمانينات، بل إن نيلسون مانديلا، تدرب في الجزائر، أثناء الثورة الجزائرية. إذن يمكن إيجاد حل لهذه النقطة، بالتحاور والتشاور. وقد استعمت لرئيس الحكومة الأسبق زيدان، حين اختطفت الولايات المتحدة الأمريكية الليبي من وسط الليبيين واقتادته للمحاكمه في ديارها، حين سئل عن الاختطاف، فأجاب .. هذه دولة قوية، ولا نملك أيّ شيء فعله ضدها، غير أننا نندد بالاختطاف.
4. لعنة الانقلابات
إن الذي حارب الأطلسي ، ورفض إستدعاءه، مهما كانت الأسباب، سيظلّ يقف مع الأخوة في ليبيا، ويعلن رفضه لكل أشكال الانقلاب. فالدماء والأعراض والتراب، لاتعالج بالدبابات ولا بالأحذية الخشنة.
إن التجربة التي مرّت بها ليبيا من إنشاء مجلس وطني منتخب، وهيئات منتخبة، لهي من الثروات التي يجب المحافظة عليها، والدفاع عنها، خاصة وأنها في المهد تحتاج لرعاية أكثر، وتركيز أشد، وحماية كبرى، بغض النظر عن مايشوبها مما يشوبه كل التجارب في بدايتها.
إن الذين يقفون مع الانقلابيين في ليبيا، بدباباتهم من بعض الجيران، أو الذين أغدقوا عليهم الأموال من خارج الديار، بدعوى الفشل والفساد، لهم المجرمون حقا في حقّ من مات من أجل بلد المليون قارئ لكتاب الله.
خلاصة : هذه كلمات ذكرها جزائري محب لجيرانه الليبيين، ويتمنى لهم كل مايتمناه الأخ لأخيه، ويرجو السلامة والأمن للأخوة في ليبيا.