الحريق القادم من الصعيد
أقاوم بشدة رغبة قلمي في السخرية من زيارة عسكري الانقلاب للولايات المتحدة وعناوين صحف الانقلاب التي تُطبع في (السرايا الصفرا) والتي تتحدث عن (تهافت) هيلاري كلينتون وترامب للقاء عسكري الانقلاب، وهي عناوين تُشعرك أنك أصبحت مواطنا في كوريا الشمالية.
من الكوميدي أن تتخيل ما سطرته صحف الانقلاب عن (طلب) هيلاري كلينتون لقاء أضحوكة انقلابات العالم، ومن الممتع أن تحلق بخيالك وتتصور مشهدا تبدو فيه كلينتون باكية تنهمر دموعها وهي تسطر رسالة استعطاف، تتوسل فيها لعسكري الانقلاب ليقبل لقاءها على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، يبدو أنهم يحاولون بها تعويض المهانة التي تعرض لها حين وقف في آخر الصف؛ منتظرا أن يمد له أوباما يده، بينما لم يلاحظ هذا الأخير وجوده أساسا، ومشهد سفاح روسيا، الذي لم يلحظ وجوده انهمك في حوار مع الرئيس أردوغان، متناسيا ذكريات عشاء برج القاهرة والجاكت الأحمر.
مشاهد خيالية مسلية يحاول إعلام الانقلاب أن يقنع بها جمهوره، حتى وصل الأمر بأحد مواقع الانقلاب إلى القول بأن أخبار لقاء كلينتون بذلك النكتة، قد أثارت الرعب لدى الإخوان المسلمين، وهي عناوين لا يستفيد منها سوى باعة الفشار.
الأمر مسل حقا، ومن المغري أن تكتب عن مصر التي تحولت إلى كوريا الشمالية وعن ذلك المزيج من عيدي أمين والقذافي ورئيس كوريا الشمالية (وإن كان الأخير اكثر ذكاء بشكل واضح)، الذي لا ينقصه سوى طاسة على الرأس لتكتمل الصورة وعن الرغبة المحمومة لدى إعلام الانقلاب لتمجيد عسكري الانقلاب، ولو على حساب الواقع ودون النظر لقدراته العقلية المحدودة.
ربما كان من المسلي أن تتخيل الاستقبال الذي تعده الجالية المصرية له في نيويورك وحالة الهلع التي اصابت الانقلاب، فجعلت الكنائس تحشد كعادتها، والحقيقة أن ما حدث بسوهاج بالأمس يفوق في أهميته تلك النكات التي دأبت صحف الانقلاب على نشرها، ويفوق في أهميته ذلك الاستقبال الذي تجهزه الجالية المصرية لعسكري الانقلاب في نيويورك.
حادثة لم تأخذ نصيبها من التركيز الإعلامي وقعت بالأمس في أحد مراكز سوهاج.
عشرون من المسلحين قاموا بإيقاف عدد من السيارات التي تحمل أنابيب الغاز وباعوا الأنابيب للأهالي بسعرها الرسمي (13 جنيها)، ثم سلموا حصيلة البيع للمسؤولين عن السيارات وانصرفوا إلى حال سبيلهم.
سُحُب غضب شعبي مكتوم بدأت تتجمع هناك في الصعيد وربما غطت مصر كلها.
لم يسفكوا دما ولم يسرقوا مالا، فقط أرادوا أن تصل الأنابيب إلى الأهالي بسعرها الرسمي.
بوادر غضب شعبي أفصحت عن نفسها في حادثة صغيرة تكشف عن انفجار قريب لشعب غاصت منه ملايين إلى طبقات أدنى، تحت ثقل الأسعار وتهاوي سعر الجنيه أمام الدولار.
المياه التي بدأت تفور وتقترب من الحافة لتكتسح ما أمامها ووقتها ستقف مؤسسات العسكر عاجزة.
إنذار باللهجة الصعيدية، واكب قرض صندوق النقد الدولي والحديث عن زيادات الأسعار المرتقبة.
حريق قادم من الصعيد قد يبتلع العسكر ومؤسساتهم، ولن تفلح كل مؤسسات العسكر في إطفائه.
الحادثة على صغرها، لها جانب رمزي آخر يكشف عن قناعة شعبية عميقة بفشل العسكر في إدارة المرافق.
العسكر بعد الانقلاب وصلوا بمصر للحافة، ويمكن القول بأن عصابة الانقلاب تجلس الآن فوق بركان لم يتبق الكثير على انفجاره، والسؤال هو متى!!
وسوم: العدد 686