10 تعليقات على ميثاق الشرف الثوري
مجاهد ديرانية
-1-
أثبتت الثورة السورية أولاً أنها ثورة ذاتية التصحيح، فلم تترك خطأ أو انحرافاً إلاّ لاحقته بالنقد والعلاج والتقويم. ثم أثبتت أنها محصَّنةٌ ضد الغلوّ وطارِدةٌ للخَبَث ولو تلبّس بلَبوس الدين، فسقط الغُلاة في سوريا سَقطةً لم يسبق أن سقطوا مثلها في أي ميدان من الميادين. ثم أثبتت أخيراً أنها ثورة حية ديناميكية قابلة للتطور والاستفادة من التجارب والدروس، وميثاقُ الشرف الثوري الأخير خيرُ دليل.
-2-
ليس هذا الميثاق فتحاً في جهاد أهل الشام فحسب، بل إنه نقلة نوعية في الفكر الجهادي، حيث حرص أصحاب المشروع الجهادي في الشام على الالتحام بالقاعدة الشعبية وإنهاء المعركة معاً كما بدؤوها معاً. لقد مَدّ أصحابُ الميثاق البصرَ فرأوا النهايات المحزنة لأي مشروع جهادي ينفصل عن قاعدته، فصاغوا تلك الجملة الحكيمة: "نريد مجاهدينا مستقبلاً بيننا لا في الصحارى والكهوف"، لأنهم علموا أن بلوغ الهدف العسكري للجهاد هو البداية الحقيقية للمشروع الإسلامي وليس هو آخرَ الطريق.
-3-
كثيرٌ من الذين رفضوا الميثاق وهاجموه أو الذين اعترضوا عليه برفق وتعذّروا لأصحابه الأعذارَ اعتبروا أنه لم يُكتب إلا طمأنةً للعالم الخارجي. ولعله كذلك في جزء منه، وليس في هذا الهدف ضرر ما لم تنتج عنه مخالفة (وليس في الميثاق مخالفة شرعية ظاهرة بحمد الله). ولئن تكن طمأنة الآخرين هدفاً من أهداف الميثاق فلا ريب أنه يطمئن السوريين أنفسهم وأنه يلبّي تطلعاتهم ويمثل ثورتهم بصدق، وقد أشعرَهم لأول مرة بأن المجاهدين يهتمّون بهم أكثرَ من اهتمامهم باسترضاء أصحاب "المناهج" والمشاريع الغريبة عن ثورة وجهاد أهل الشام.
-4-
الذين زعموا أن "دولة الحرية والعدل والقانون" نقيضٌ للدولة الإسلامية يقولون ضمناً -بمفهوم المخالفة- إن الدولة الإسلامية هي دولة الظلم والفوضى والاستبداد! ولو كانوا يدركون حقيقة الدولة الإسلامية لما وجدوا وصفاً لها خيراً من وصفها بدولة العدل والقانون، لأن هذا الوصف -مع افتتاحية الميثاق التي نصّت على أن "ضوابط ومحددات العمل الثوري (والدولة هي غايته) مستمَدة من أحكام الدين"- هو الوصف النموذجي لدولة الإسلام لو كانوا يعقلون.
-5-
المحارب الكيّس لا يذيع خططه العسكرية في وسائل الإعلام ولا يكشف أسراره وسريرته لعدوّه، وكذلك الجماعة التي تسعى لبناء دولة الإسلام وسط عالم يعجّ بالخصوم والأعداء: لا يَلزمها ولا يُتوقَّع منها أن تذيع خططها وأهدافها وتعلن عنها في الإذاعات والفضائيات. ولم نقرأ في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أصدر -وهو في مكة- بياناً يعلن فيه نيّتَه لإقامة الدولة الإسلامية في يثرب والعودة إلى مكة فاتحاً بعد بضع سنين، ثم إعلان الحرب على فارس والروم لاجتثاث دول الكفر ومَدّ دولة الإسلام!
-6-
كثير من المسلمين مصابون -للأسف- بداء "البلاهة السياسية" الذي أعيى أطباء العقول، فليس إسلامياً عندهم إلا المشروع الذي يبدأ من دمشق وينتهي في روما أو واشنطن، وليس جهاداً إلا المشروع الذي يهدد ويَعِد بإبادة النصيرية والشيعة واليهود والصليبيين. إننا نشفق على أولئك السذّج الذين لا يفقهون الواقع، ونقول لهم: عالجوا داءكم، أو ابحثوا عن غير سوريا لتتعلموا فيها فقه الواقع وسياسة الدين.
-7-
أطلق قراصنة تويتر هجوماً غير مسبوق على الميثاق، أكثرُه من كلاب داعش التي انفلتَت بغير عقال يَعقلُها وليس لها من غاية إلا هدم الجهاد الشامي على رؤوس أبنائه الشرعيين، وقليلٌ منه من غرباء أرادوا أن يحوّلوا الشام إلى ميدان لسباقات خيولهم، يراهنون فيه على شعب مكدود مكلوم ليحققوا على أرضه أحلامهم وخيالاتهم التي عجزوا عن تحقيقها على أراضيهم. وأقل القليل مجاهدون صادقون مخلصون عجزوا عن رؤية الحكمة في هذا الميثاق، أسأل الله أن ينوّر بصائرهم ليروا ما فيه من خير كثير.
-8-
الفرق كبير بين من يحارب بالوقائع ومن يحارب بالشعارات. لقد طبّق المجاهدون في سوريا الإسلامَ في أنفسهم وفي المناطق التي حرروها والمجتمعات الصغيرة التي عاشوا فيها بلا صخب ولا مزايدات، فيما ملأت داعش الدنيا بالضجيج وزعمت أنها تمثّل الإسلام ثم ذبحت الإسلام بمنهجها الأعوج وقتلت كرام المسلمين، فلا يَقبل إجرامَ داعش ويرفض إسلامَ المجاهدين الذي عبّروا عنه بميثاقهم الشريف إلا جاهل أو غافل أو عدو للمسلمين.
-9-
إن المجاهدين في سوريا يقاتلون منذ ثلاث سنين دولاً كاملة بجيوشها وإمكانياتها الهائلة، وهم لا يحتاجون إلى شهادات "حسن سيرة وسلوك" من أحد، ولا إلى مقاتلي الفيسبوك وتويتر الذين يحاربون الطواحين فيما يصطلي أحرار سوريا بنيران الحرب. فمَن شاء أن يقاتل على ما يقاتلون عليه فليضع اليد في اليد وليرصّ الصفوف مع الصفوف، ومن كان له مشروع آخر حمله من بلد بعيد فإننا نقول له: دونك الحدود فعُد من حيث جئت أو قاتل على ما يقاتل عليه السوريون.
-10-
أخيراً نقول للمخلصين الصادقين من المجاهدين الذين ثَقُل عليهم أن لا يروا في الميثاق أقصى الأحلام وغاية الأمنيّات، نقول لهم: إن لكم في حكمة رسول الله عليه الصلاة والسلام أسوة، فإنه لم يقفز من أول الطريق إلى آخره في أيام معدودات، وقد تعلمنا من هَديه وسيرته أن الأهداف العظيمة تتحقق على مراحل، وأن المُنْبَتَّ لا يقطع أرضاً ولا يصل إلى غاية، وأن الأمور تقاس بالأفعال والنهايات لا بالمزاعم والشعارت. إننا نثق بإخواننا في الجبهات التي أصدرت الميثاق ولا نرى فيه إلا الحكمة والخير، وما كان لله فهو أبقى، والعاقبة للمتقين.