يا لوعتي على السوريين!!

د. موفق مصطفى السباعي

د. موفق مصطفى السباعي

[email protected]

يا لوعتي !!!

يا حرقة قلبي !!!

يا تفطر كبدي !!!

يا أسفي .. وحسرتي .. وحزني !!!

على شعبي الذي مزقته الحرب .. مزقاً .. وأشتاتاً !!!

وفرقته أشلاءاً .. وقسمته إلى أقسام شتى متباينة .. مختلفة .. متعارضة .. متناقضة .. متشاكسة .. متناحرة .. متصارعة .. متقاتلة !!!

1- سوريون يعيشون في المخيمات .. يتكدسون فوق بعضهم البعض في خيم .. لا تقيهم من الحر ولا من البرد .. وبعضها لا يحوي حتى أدنى مقومات الحياة البشرية !!!

2- وسوريون يعيشون في المناطق المحاصرة من قبل عصابات الأسد .. لا يجدون طعاماً ولا شراباً يقيم أودهم .. يأكلون الحشائش ولحوم القطط والكلاب .. وبعضهم لا يجد حتى هذه المواد كي تبقيهم أحياء .. فيموتوا جوعاً .. وظمأَ !!!

3- وسوريون يعيشون في المناطق المسماة (المحررة ) .. غير أنهم يتلقون براميل الموت الزؤام يومياً .. فيقتلون .. ويجرحون .. وينزفون .. وبعضهم يهجرون .. ويشردون .. ويخرجون من بيوتهم المتصدعة المتهالكة على وجوههم هائمين .. حائرين لا يدرون إلى أين يذهبون .. ولا أين يقيمون!!!

4- وسوريون يركبون البحر على زوارق صغيرة .. يتكدسون فوق بعضهم البعض .. يمخرون عباب المحيط ، فيصطدمون بأمواجه العاتية .. المتلاطمة .. فتقلب زوارقهم الورقية .. وتبتلع أجسادهم الهزيلة .. النحيلة .. المرهقة .. المتعبة !!!

5- وسوريون يغريهم الأمل بحياة آمنة .. وعيش رغيد في أوربا .. فلا يجدون إلا أرصفة الشوارع مأوى لهم .. أو الحدائق فيفترشون أرضها .. ويلتحفون سماءها .. ويعيشون على الصدقات والأعطيات .. أذلاء مهانين !

6- وسوريون في عمر الشباب .. ولديهم القدرة على حمل السلاح .. يهربون ويفرون إلى الدول المجاورة القريبة والنائية .. ليفتتح بعضهم المطاعم والبقالات .. أو يعمل في أعمال مهينة .. وبأجور رخيصة .. وبعضهم يمارس صناعة الشحادة والتسول .. ويترجى هذا .. وذاك ليمنحه بضعة دراهم أو دنانير .. تاركين أرضهم وبلادهم .. نهباً للغزاة الشيعة وأخواتها القادمين من أصقاع المعمورة .. لكي يقتلوا أهلهم وشعبهم .. تقرباً وزلفى إلى الله !!!

7- وسوريون يقتنصون المساعدات .. فيلتهمونها لأنفسهم وأهليهم وأصحابهم .. فيعيشون عيشة أمراء الحرب .. وأمراء الخراب والدمار .. يعيشون في رغد العيش .. على حساب دماء إخوانهم وأبناء شعبهم .. غير مهتمين ولا مبالين .. بمآسي وأحزان شعبهم المصابر !!!

8- وسوريون يزعمون أنهم نشطاء الثورة .. ويشرفون على الحملات الإغاثية للشعب السوري المنكوب .. ويزعمون أنهم يعملون على الدفاع عن الشعب السوري في المحافل الدولية .. ويعملون على إسقاط النظام الأسدي .. يعيشون في الفنادق أو الشقق الفخمة في تركيا أو أوروبا .. ويحصلون على مرتبات خيالية .. ما كانوا يحلمون بها قبل الثورة .. قد تصل ببعضهم إلى ستة آلاف دولار في الشهر .. قد تكفي لإعاشة ألف إنسان داخل سورية .. أو يزيد !!!

9- وسوريون أثرياء .. تجار .. رجال أعمال نقلوا أموالهم .. وشحنوا سياراتهم عبر المحيطات .. إلى دول الخليج وأوروبا .. ودفعوا عليها أجوراً ورسوماً باهظة .. كان بإمكانهم أن يشتروا بقيمتها أفضل من سياراتهم .. ويتركوها لأصحابهم وشعبهم .. أو للثوار ليستفيدوا منها .. وسكنوا في أرقى الأحياء .. وأخذوا يمارسون تجارتهم .. ويعملون على تثمير أموالهم .. وزيادتها بنفس الطرق الملتوية التي كانوا يزاولونها قبل الثورة في سورية .. غير عابئين .. ولا آبهين بآلام .. وعذابات شعبهم المجروح .. المكلوم .. إلا من رحم الله .. وهم القليل – إن وجدوا – الذين لا يزال فيهم بقية من إيمان .. وخير .. وإحسان !!!

10- وسوريون زعموا أنهم من العلماء والوعاظ والدعاة إلى الله .. وزعموا أنهم ما هربوا وفروا من أرض المعركة إلا هجرة في سبيل الله .. ورغبة في الدفاع عن شعبهم المسكين الفقير .. الضعيف .. العاجز عن الهرب .. ورغبة في جمع المساعدات له .. وما علم هؤلاء المساكين أن وجودهم إلى جانب شعبهم .. وإلى جانب المقاتلين .. لتشجيعهم .. وتحميسهم .. هو أعظم من مساعدات الدنيا كلها .. وأن تلاحمهم مع شعبهم .. والعمل على رص صفوفهم .. وتوحيد كلمتهم .. يعطيهم دفعة هائلة من القوة .. والصبر .. والصمود .. وأن استشهادهم على أرض المعركة – إن استشهدوا - لهو أغلى عند الله من جمعهم للمساعدات المزعومة .. وأن النصر حينئذ ، سيكون أقرب .. وأسرع !!!

11- وسوريون آثروا أن يبقوا في سورية .. وتنادوا لتشكيل ألوية ، وكتائب عسكرية ، بحجة الدفاع عن شعبهم .. وتمركزوا في الأحياء الشعبية الفقيرة والمتوسطة .. أو في القرى والأرياف .. مما أدى إلى أن يغادرها معظم أهلها ، ولم يبق فيها إلا العجزة ، وغير القادرين على الهجرة ، وأخذت تنهمر عليهم أطنان من القذائف ، والصواريخ ، وكل أنواع قذائف الموت .. فدمرت .. وخربت .. وأحالت الأحياء خراباً يباباً .. وقاعاً صفصفاً !!!

12- وسوريون انشقوا عن الجيش في بدايات الثورة .. فكان منهم الصادقون المخلصون .. فعمدوا إلى تجميع أنفسهم في تكوين جديد أسموه ( الجيش الحر ) .. وكان منهم الخاملون والكسالى الذين سارعوا إلى الفرار والهروب من ساحة الحرب .. ليلتحقوا بالقاعدين في المخيمات .. أو في أماكن أخرى .. دون أي عمل .. ولا نشاط إلا من بعض التصريحات الصحفية .. والمقابلات التلفازية .. البهلوانية !!!

13- وسوريون شكلوا كتائب جهادية وسموها بأسماء طنانة .. رنانة . لتستفز أعداءهم ، وتثير حفيظتهم ، وتدفعهم إلى تأليب الدنيا كلها لمحاربتهم .. وظن هؤلاء المساكين أنهم يحسنون صنعاً .. وأن ذلك منتهى الشجاعة والبسالة .. ومدعاة لإستجلاب نصر الله .. ونسوا أبسط مبادئ الحرب .. التي أعلنها نبيهم حينما قال ( الحرب خدعة ).. ونسوا أيضاً .. أن الله لا ينصر المغفلين .. والحمقى .. والمتبجحين .. والمتشدقين بشعارات خاوية !!! 

هذه هي أنواع السوريين تم حصرها في ثلاثة عشر فصيلاً .. تظهر تنوع .. وتباين سلوكياتهم .. وأفكارهم .. وأخلاقهم .. وأهدافهم .. وتصرفاتهم !!!

فهل يستوون مثلاً ؟؟؟!!!

وهل ثمة أمل في النصر .. لمثل هذا الشتات المشرزم .. المبعثر .. الضائع .. التائه .. الحائر؟؟؟!!!

وهل إذا تحقق النصر .. ولو بعد حين .. يتحقق الإستقرار .. والأمن .. والسلام في ربوع سورية؟؟؟!!!

إني لا أزعم أني أعلم الغيب .. ولا أشتغل في علم التنجيم .. ولكني أستقرئ الأحداث .. وأستشف النواميس الكونية .. والقواعد الربانية .. فألمس كأن اتجاهاً ربانياً . . يعمل على القضاء على هذا الجيل إما بأجمعه .. أو بمعظمه .. لما يعتوره من فساد عقدي ..وفكري .. وأخلاقي .. وسلوكي .. وتخطيطي .. وتنظيمي في معظم الفصائل الثلاثة عشر .. مما يجعله غير مؤهل لحمل الرسالة الربانية !!!

وما نراه من صمود وثبات الفصائل المقاتلة .. أمام جبروت الآلة المدمرة للعصابات الأسدية .. لا يدل على شطارة .. ولا شجاعة .. ولا بسالة المقاتلين – وإن كان فيهم شيئ من ذلك – وإنما يدل على قدر رباني .. يعمل على إفناء هذا الجيل من كلا الطرفين !!!

فالصالحون .. المخلصون يذهبون إلى الجنة بمشيئة الله .. كما قال تعالى :

( وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ) آل عمران آية 140 !!!

والمجرمون يذهبون إلى جهنم !!!

قد يعترض شخص ويقول :

لماذا كل هذا التشاؤم ؟؟؟!!!

والجواب :

إن ذكر الحقيقة المرة .. الصريحة .. الواضحة .. ليس تشاؤماً !!!

بل هو محفز .. ودافع للمراجعة واستبيان الأخطاء لتصحيحها .. وتوحيد الصف على منهج سليم .. لا يفرط بالمبادئ العقدية .. ولا يستفز الأعداء .. ولا يثير شهيتهم .. وحقدهم لمحاربته .. كما لا يسعى إلى كسب رضاهم !!!

ونصر الله آت لا محالة .. إن عاجلاً أو آجلاً .. ولكن في اعتقادي الجازم .. بناء على ما يجري في دول الربيع العربي .. وما يجري في سورية .. أن الجيل الحالي إذا ما بقي على شتاته .. وتمزقه غير مؤهل .. ليتنزل عليه نصر الله .. والله أعلم !!!