العدو ينتقم من ذوي الشهداء والأسرى

بخسةٍ ونذالةٍ ودونيةٍ حقيرةٍ، تكشف عن أخلاقٍ خبيثةٍ ونفوسٍ مريضةٍ، وتربيةٍ عدوانيةٍ عنصريةٍ حاقدةٍ، وكرهٍ دفينٍ وسلوكٍ مشين، واعوجاجٍ في الفطرة وسقم في الطبيعة، وغلٍ يملأ الصدور وغيظٍ يسكن في القلوب، وانتهازيةٍ مريضةٍ واستغلالٍ للقوة خالٍ من المروءة، واستغباءٍ للعالم مقصود واستغلالٍ للصمتِ الدولي مريب، وبمظلوميةٍ كاذبةٍ، ودفاعٍ عن النفس غير مشروع، يقوم العدو الإسرائيلي متعمداً وقاصداً بالتضييق على ذوي الشهداء والأسرى، فيستدعيهم ويحقق معهم، ويعتقلهم ويحاكمهم، ويهدم بيوتهم ويغلق مساكنهم، ويبقي على جروحهم مفتوحة، وآلامهم دائمةً، ويستدعي إلى نفوسهم بقصدٍ معلومٍ الذكريات الأليمة، لينتقم منهم، ويشفي صدور مستوطنيه بعذابهم، ويؤدب به غيرهم، ليكونوا مثالاً لهم، ودرساً وعبرة لسواهم، لئلا يقدم أولادهم على القيام بعملياتٍ عسكرية ضدهم، أو الانضمام والالتحاق بصفوف المقاومة.

أشكال الانتقام الإسرائيلي من ذوي الشهداء والأسرى الفلسطينيين كثيرة، فهي تتجاوز جريمتهم الأولى بالقتل أو الأسر، الذي يكون في الغالب متعمداً ومقصوداً، دون سببٍ وجيهٍ يذكر يجوز جريمتهم، ويبيح لهم استخدام القوة ضدهم، وقد بينت عدسات وسائل الإعلام المحلية والدولية، والصديقة والمعادية، أن جنودهم يقتلون بدمٍ باردٍ، ويتعمدون القتل بما يشبه الإعدامات الميدانية، ويبالغون في استخدام القوة العسكرية ويفرطون في إطلاق النار، حتى أنهم يقتلون المقتول، ويجهزون على الجريح، ويثقبون الجسد المسجى على الأرض بعشرات الطلقات من مكانٍ قريبٍ، وكأنهم يتسلون أو يتدربون، وقيادتهم في الميدان تشاهد وتراقب، وقد ثبت أنها إن لم تصمت وتسكت، فهي التي تصدر الأوامر وتحاسب المقصرين في تنفيذها.

أشكال الانتقام والتنكيل بذوي الشهداء والأسرى كثيرة، فهي لا تبدأ باحتجاز جثة الشهداء وتنقلها إلى براداتٍ خاصة، أو تقوم بدفنها في مقابر الأرقام السرية، حيث تمنع سلطات الاحتلال دفنهم، وتحول دون أن يفتح ذووهم بيوت عزاءٍ لهم، وفي حال موافقتها على تسليم الجثمان إلى ذويه، فإنها تفرض عليهم شروطاً قاسية لضمان تسليمهم، كأن يكون الدفن في الليل، وبحضور عددٍ قليل من أهل الشهيد وأقاربه، وأحياناً تفرض عليهم أن يصبوا فوق قبره غطاءً من الإسمنت المسلح، لئلا يقوم ذووه بإخراجه من القبر للمعاينة أو التشريح الطبي لمعرفة أسباب وملابسات جريمة القتل، خاصةً أن الأجهزة الطبية في سلطات الاحتلال تقوم أحياناً وإمعاناً في التنكيل بالشهداء وذويهم، باستئصال بعض أعضائهم الداخلية، للاستفادة منها في زراعتها للمحتاجين إليها من مرضاهم، وقد كشف عن هذه الجرائم إضافةً إلى ذوي الشهداء، بعض الإعلاميين الغربيين، الذين فضحوا الممارسات الإسرائيلية ونشروا في وسائل الإعلام الدولية شهاداتهم.

وبينما ذوو الشهداء يتسربلون في حزنهم، ويتدثرون في همومهم، ويلتفون حول بعضهم يواسون أنفسهم ويحتسبون مصابهم في سبيل الله، تباغتهم سلطات الاحتلال العسكرية فجراً بمداهمة مناطقهم، وتطويق بيوتهم، وتسلمهم أوامر عسكرية نافذة بمغادرة بيوتهم خلال دقائق معدودة، دون أن يتمكنوا من أخذ متاعهم أو إخراج ما يلزم من وثائقهم ومستنداتهم وأموالهم، قبل أن تقوم إما بنسف البيت بالديناميت، أو تقوم بهدمه بالجرافات الضخمة التي تصطحبها معها خلال عمليات المداهمة، دون مراعاةٍ لمشاعر السكان، أو إرهاب الأطفال وترويع الجيران، فضلاً عن أن أحوال الطقس قد تكون جداً سيئة، إذ تتم عمليات النسف والتدمير أحياناً في فصول الخريف والشتاء، حث البرد القارص والأمطار الشديدة، الأمر الذي يزيد في معاناة من هدمت بيوتهم وأصبحوا بلا مأوى.

فور علم السلطات العسكرية باسم الشهيد ومنطقته، تتوجه قواتهم ومخابراتهم إلى ذويه، فتعتقل بعض أفراد أسرته، وهو الأمر الذي يحدث غالباً، إذ تقوم باعتقال الأب والأم والابن والشقيق والزوجة والقريب والجار والصديق، دون مراعاةٍ لسنٍ أو مرضٍ، أو فاجعةٍ ومصيبة، وفي أحيانٍ أخرى تسلمهم بلاغاتٍ أمنيةٍ لمراجعة المخابرات الإسرائيلية في مناطقهم، أو تقوم بالتنسيق مع الارتباط الأمني الفلسطيني وتكلفهم باعتقال بعض المطلوبين أو التحقيق معهم، للوقوف على ملابسات ما قام به أبناؤهم، فضلاً عن مقصدهم الأساسي بتعذيب أهل الشهيد والتنكيل بهم.

هو الحال نفسه يتكرر مع ذوي الأسرى والمعتقلين، وإن بدا أحياناً أنه أقل مما يواجهه أهل الشهداء، إلا أن ما يصيب الفئتين واحدٌ لا فرق، فالشهيد والأسير كلاهما يهدم بيته، ويعتقل أهله أو يستدعون للتحقيق معهم، ويمنعون من السفر ومغادرة مناطق سكناهم، بل إن السلطات العسكرية الإسرائيلية تلجأ أحياناً إلى إبعاد الأسير وذويه عند الإفراج عنه وخروجه من السجن، أو تلجأ إلى هذا الإجراء بعد الأسر والاعتقال ضد الأسرة والعائلة تنكيلاً بهم، وإمعاناً في إهانتهم والإساءة إليهم.

إلا أن ذوي الأسرى يعانون من شكلٍ آخرٍ أشد وأقصى، وأنكى وأبلغ وأكثر وجعاً وألماً، إذ تمنعهم سلطات الاحتلال من زيارة أبنائهم في السجون، أو تقوم بفرض شروطٍ قاسيةٍ عليهم لتحقيق زيارتهم لهم، كأن تحصر زيارتهم في الأصل فقط، كالوالد والوالدة والولد وأحياناً الأخ والأخت، وتجبرهم على اتباع شروطٍ قاسيةٍ في الانتقال والوصول إلى السجون التي يعتقل فيها أبناؤهم، وفضلاً عن أنها لا تسمح لهم بالزيارة دائماً، فإنها تقلل من مدة الزيارة، وتضع عوازل وفاصل كثيرة بين الأسير وأهله، وتمنعهم من مصافحته، أو تقبيل يد والده أو والدته، فضلاً عن احتضان أولاده، وغير ذلك من الإجراءات التي تزيد في عذاب الأهل، وتبيض عيونهم من الحزن والبكاء على أولادهم البعيدين عنهم، والمحرومين من رؤيتهم وزيارتهم.

تلك هي سياسة العدو في التعامل مع الفلسطينيين جميعاً دون استثناء، وهي معاملةٌ سيئةٌ وتزداد سوءاً، وقاسيةٌ وتزداد مع الأيام قسوة، ولا يبدو أنه سيقلع عن هذه السياسات، أو سيغير من أسلوبه في التعامل مع الفلسطينيين، ظاناً أنه بسياسته سيرعبهم، وبقسوته سيخيفهم، وبما يقوم به سيؤدب غيرهم، وأنه سيتمكن من لجم المقاومة، وضبط المقاومين، ومنع العمليات العسكرية، واستقرار الأوضاع له في الشارع الفلسطيني، بما يرضيه ولا يعكر أمنه، ولا يلحق به خسائر أو أضرار.

سيدرك العدو الصهيوني شاء أم أبى أن سياسته مع الشعب الفلسطيني مهما قست فهي فاشلة، وأن عدوانه مهما اشتد عليهم فلن يوهن من عزمهم، ولن يضعف إرادتهم ولن يقعدهم عن مقاومتهم، وأنه مهما بغى فسيخسر، ومهما علا فسيسقط، ومهما استكبر فسيخضع، ومهما تجبر فسيكسر، ومهما حاول البقاء فسينتهي، ومهما ادعى الثبات فسيرحل، ومهما اغتر بالقوة وتغطرس بالسلاح فسيهزم.

وسوم: العدد 690