عندما تغدو المدارسُ في سورية أهدافًا عسكرية
أنْ تتعقَّب الحملة العسكرية للنظام و حلفائه، المشافي و النقاط الطبية في مناطق سيطرة الثوار عبر عملائهم، أمرٌ ـ على مرارته ـ يمكن تبريره لدى شريحة من المعلّقين و المراقبين.
و أنْ تتعقَّب أفران الخبز بغية تجويع الحاضنة الشعبية؛ لدفعها إلى الانفضاض عن فصائل الثورة، أمرٌ أيضًا ـ على مرارته ـ يمكن تبريره من أولئك المراقبين، الذين ينظرون إلى ما يجري في سورية، بعواطف شديدة البرودة، بدعوى الحياد و التحليل العملياتي البحت.
و أنْ تتعقَّب تلك الحملةُ قوافلَ المحروقات، المتجهة إلى المناطق الخارجةِ عن السيطرة، على الرغم من العائدات المالية، التي تصب في صالح جهات معينة محسوبة على النظام، أمرٌ قد يفسَّر على أنه تضييق على حركة الثوار، و منعهم من إمداد خطوط القتال، بما يديم زخم عملياتهم ضده.
و أنْ، و أنْ، وأنْ.....، فلعلّ وسائل الإعلام تجدُ من المتحدِّثين، مَنْ يبرر ذلك بأنه قد ألحق الخسائر بالقوات المناوئة للنظام، بما يجعلها تتراجع عن مشروعها في إنجاح المؤامرة على سورية: بلدًا، و شعبًا، و نظامًا.
أمّا أنْ تصل الحال بتلك الحملة العسكرية أنْ تقوم باستهداف المدارس، على وجه الخصوص، و أنْ يتكرر ذلك منها مرتين في غضون الثلاثة أيام الماضية؛ فذلك أمرٌ دونه الكثير من التوقّف.
حيث قامتْ طائرات محسوبة على ( الروس، أو النظام )، في يوم الأربعاء ( 26/ 10/ 2016)، باستهداف مدرسة ( حاس ) الابتدائية، في ريف إدلب، بأكثر من ( 15 ) قنبلة محمولة بمظلات، بحسب ما أعلن الدفاع المدني في البلدة، راح ضحيتها أكثر من ( 30 )، وأصيب العشرات بجروح، غالبيتهم من الطلاب و المعلمين.
ثم قامت بعدها بيوم، قوات النظام المتمركزة في إدارة المركبات في منطقة حرستا، باستهداف مدرسة ( الهاشمية ) في دوما، بصاروخ أرض أرض، و بأكثر من سبعة قذائف هاون، وقعت إحداها أمام روضة للأطفال أيضًا.
و هو أمرٌ غدا سياسة ممنهجة لدى النظام، و من ثَمَّ روسيا بعد تدخلها العسكري في (30/ 9/ 2015 )، حيث أفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بأن قوات النظام قد استهدفت حوالي ( 4000 ) مدرسة، منذ بدء الصراع في عام ( 2011 )، و حتى ( 8/ 11/ 2014 ).
هذا فضلاً على قيام قوات الأمن والجيش النظامي بتحويل قرابة (1200 ) مدرسة في مناطق سيطرته، إلى مراكز اعتقال وتعذيب في ظل اكتظاظ السجون المركزية بأعداد هائلة من المعتقلين.
في حين قامت المقاتلات الروسية خلال أربعة أشهر منذ بدء عملياتها الجوية في سورية، باستهداف ( 27 ) مدرسة: ( 16 ) في حلب، و ( 6 ) في إدلب، و( 3 ) في دمشق، و ( 1 ) في كل من الرقة و دير الزور، وفقًا لإحصاءات الحكومة السورية المؤقتة، من بينها ( مدرستان ) في مدينة إعزاز، تابعتان لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة ( اليونيسيف ).
و هو الأمر الذي حمل الناطق باسم الأمانة العامة للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في (11/ 1/ 2016 )، على القول: ( إنّ استهداف المدارس و المؤسسات الصحية في سورية، بات أمرًا يبعث على القلق، و إنّ تلك الاعتداءات تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي).
تأتي هذه السياسة القاضية بجعل المدارس، و المؤسسات التعليمية في سورية ضمن بنك أهداف الحملة العسكرية، التي يشنها النظام و حلفاؤه على المناطق الخارجة عن سيطرته، كمؤشر على نفاد صبرهم.
و هو الأمرُ الذي جعلهم يخرجون كلَّ ما في جعبتهم من تلك الأهداف، و وضعها على طاولة العمليات التي سيقومون باستهدافها.
و يبدو أنّهم قد مالوا إلى ذلك بعدما يأسوا من تحقيق أهدافهم، بإعادة عقارب الساعة إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الثورة في ( آذار 2011 ).
و عليه فلتأتِ الحملة العسكرية على كلّ شيء، و لن يكون من ذلك استثناءً أطفالُ سورية، الذين يُنظر إليهم على أنهم الجيل الذي سيقع على عاتقه إعادةُ بناء مستقبل سورية، بعيدًا عن السياسات التي عاشتها على مدى خمسة قرون خَلَتْ.
و ذلك في تعامٍ منهم عن حقيقة أنّ ( كلّ دولة تشن حربًا ضد أيّة ثورة، سيكون الفشلُ مصيرَها، و عليها أن تستفيد من التاريخ؛ فحتى الدول العظمى لم تستطع القضاء على المجموعات الصغيرة الثائرة، في البلدان التي أرادت احتلالها في عصر الاستعمار )، على حدّ قول الرئيس الإيراني الأسبق ( الحسن بني صدر ).
وسوم: العدد 692