انعكاسات فوز ترامب
خيّب فوز الملياردير رونالد ترامب بالرّئاسة الأمريكيّة آمال كثيرين داخل أمريكا وخارجها، لأنّ فوزه لم يكن متوقّعا حسب ما كانت تشير إليه استطلاعات الرّأي الأمريكيّة، لكنّ خيبة قادة العربان كانت هي الأكبر، لما صدر عن ترامب من تصريحات مناوئة لهم، خصوصا دول الخليج العربيّ المعروفة بولائها اللامحدود لأمريكا، وأيضا لموقفه من القضيّة الفلسطينيّة وانحيازه اللامحدود لاسرائيل، وهذا ليس جديدا في سياسة الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة. تماما مثلما هو الموقف العربيّ ليس جديدا أيضا بعد أن ارتضى غالبيّة حكامه أن يكون الوطن -الذي لن يبقى عربيّا باستمرار هكذا سياسات- على هامش التّاريخ الحديث. فما الغريب في فوز ترامب؟ وما الذي ستتمخّض عنه سياساته؟
بداية دعونا نعلم أنّ فوز ترامب بالرّئاسة الأمريكيّة أثبت من جديد أنّ رأس المال هو من يحكم أمريكا، فالرّجل لم يكن يوما في حياته سياسيّا، أو عضوا في أيّ من الحزبين الكبيرين" الجمهوري والدّيمواقراطي" اللذين يتنافسان على حكم أمريكا، لكنّه فرض نفسه بأمواله كمرشّح للحزب الجمهوريّ، وطموحات الرّجل كما يراها أمريكيّون مطّلعون تتمثل بإعادة أمريكا كامبراطوريّة اقتصاديّة خرافيّة.
وعودة قليلة إلى الوراء، فلنتذكّر أنّ أمريكا دخلت الحرب الكونيّة الثّانية في السّابع من ديسمبر 1941، بعد أن هاجمت طائرات البحريّة اليابانيّة الأسطول الأمريكي في ميناء بيرل هاربر في جزر الهاواي، بينما كانت قبل ذلك تعتبر تلك الحرب حربا أوروبّيّة لا علاقة لها بها. وانتهت الحرب الكونيّة الثّانية بانتصار الحلفاء وتدمير أوروبا، بينما بقيت أمريكا بدون خسائر يمكن ذكرها، فلم تتعرّض البلاد الأمريكيّة إلى قذيفة واحدة. وخرجت أمريكا من الحرب كقوّة كونيّة كبرى من النّاحيتين العسكريّة والاقتصاديّة.
ورأى بعض القادة الأمريكيّين أنّ مصالحهم تتطلّب مراقبة الكون كي لا تتكرّر مأساة الحرب العالميّة الثّانية، ومن هذه المنطلقات غزت الشّركات الأمريكيّة العالم الثّالث تبحث وتنقب عن الثّروات الطبيعيّة وتنهبها، ولتأمين حماية لمصالحها تلك، فقد لجأت إلى أسلوب تنصيب وكلاء لها كحكام للبلدان التّابعة، وبناء قواعد عسكريّة لحماية مصالحها الاقتصاديّة والاستراتيجيّة، والحدّ من نفوذ قوى دوليّة أخرى قد تشكّل منافسا قويّا لها. وهكذا سيطرت مثلا على منابع البترول العربيّ.
وما يقوله أنصار ترامب الذي لا يرى العالم إلا من منظار اقتصاديّ، أنّ ترامب يريد إعادة أمريكا إلى الأمريكيّين! ومن هنا فإنّه سيطرد المهاجرين غير الشّرعيين في أمريكا، ويزيد عددهم على العشرة ملايين شخص غالبيّتهم من المكسيك الدّولة المجاورة لأمريكا من الجنوب، ولأنّه أي ترامب بنى ثروته من خلال استغلال الأزمات الاقتصاديّة وتأثيراتها على سوق العقارات الأمريكي، فإنّه لا يعرف ما تجنيه الشّركات الأمريكية متعدّدة الجنسيات من تريليونات الدّولارات للاقتصاد الأمريكي من استثماراتها في الخارج الأمريكي، وهو أيضا لا يدرك أنّ القواعد العسكريّة الأمريكية خارج أمريكا هي لحماية المصالح الأمريكيّة في أكثر من مجال، ومن هنا جاءت تصريحاته بأنّه سيطالب دول الخليج العربي بدفع تكاليف القواعد العسكريّة على أراضيها لأنّها توفّر لها الحماية.
لكن علينا الانتباه أنّ أمريكا لا تحكم من خلال الرّئيس، وإنّما من خلال مؤسّسات تقرّر السّياسة الأمريكيّة الخارجيّة، وأنّ الأمريكيّين يقدّسون دستورهم ولا يسمحون بالمساس به، مع التّأكيد أنّ أمريكا دولة مدنيّة يحكمها القانون واستقلالية القضاء وحماية السلطة التنفيذيّة للقانون وقرارات القضاء، وأنّ للرئيس مستشارين خبراء يرسمون له الخطوط العريضة لسياساته، وهؤلاء لن يوافقوا على تفكيك القواعد العسكريّة الأمريكيّة في الخارج، حتّى لو دفعت الدّول المقامة عليها تلك القواعد ثرواتها كاملة لأمريكا، لكن من السّهل تخلّي أمريكا عن بعض وكلائها من الحكام الذين انتهت صلاحيّاتهم، واستبدالهم بوكلاء يخدمون مصالح أمريكا بما يتناسب ومتطلّبات الواقع المعاصر.
ويجدر الانتباه أنّ الدّعاية الانتخابيّة لترامب ركّزت على الاصلاحات الدّاخلية في أمريكا، أكثر من السّياسات الخارجيّة، لأن ترامب كرجل اقتصاد معنيّ برفاهيّة شعبه، ويرى في المهاجرين غير الشّرعيّين أنّهم يشغلون أعمالا ويربحون أموالا هي من حقّ مواطنيه الأمريكيّين –خصوصا البيض منهم- ومن منطلقات عنصرية.
وسوم: العدد 695