تسييس الدعاء

جمال الدعاء من صفاء الصدور ونقائها. فالمرء يدعو بالخير والكمال للبشرية جمعاء، ويتمنى للجميع أن يكونوا في أحسن حال، ويبعد عنهم الضرر والألم.

والجزائري لايختلف عن غيره في كونه يدعو لبلده وأهله وأحبته، ويدعو لجيرانه المحيطين به، ولإخوانه عبر الكرة الأرضية الذين يقاسمونه الألم والأمل، والإنسانية التي يشترك معها في ما هو نافع للبشرية جمعاء.

ومنذ صغري وأنا أحضر صلاة الجمعة، والأعياد، والمناسبات الدينية المختلفة، ولا أسمع الأئمة يدعون للجزائر إلا نادرا وعلى استحياء، ودون ذكر إسم الجزائر.

وكان الأولى بالأئمة أن يدعوا للجزائر من المنابر، فإن ذلك من تمام رد الجميل للبلد، وتربية النشء على حب الجزائر واحترامه.

وإن هي إلا كلمات قليلة العدد بالغة المعنى .. اللهم إحفظ الجزائر، اللهم إبعد عنها السوء، واجعلها بلدا آمنا مطمئنا يأتيها رزقها كل حين، واحفظ أبنائها من كل سوء، واحفظها لجيرانها، واحفظ جيرانها، وبلاد المسلمين . ويبقى الدعاء مرتبط بالمناسبة التي تحيط به، وحسن إختيار الكلمات المناسبة.

ليس المطلوب من الإمام والكاتب، والأستاذ وغيرهم، أن يحولوا الدعاء إلى قضية سياسية تتبع الدول في حروبها ونزعاتها وصدقاتها. بل الدعاء أعلى وأغلى من الصراعات السياسية التي تغوص وتطفو تبعا لمصالح سياسية آنية.

والدعاء أسمى من أن يكون تابعا لدولة بعينها، أو هيئة لذاتها، أو فكرة معينة، فهو يعلو الجميع ودون أن يذوب أو يتبع.

خلال رمضان الماضي 1438 هـ -2016، أصلي صلاة التراويح في إحدى المساجد، إذ بالإمام الشاب يرفع صوته بالدعاء على جهة دولية بعينها، ثم يرفع صوته بالدعاء لنصرة دولة بعينها ولأنها في صراع سياسي مع هذه الدولة.

أتساءل.. لماذا يفرض هذا الدعاء السياسي على الأذن قهرا وبالقوة. ولماذا يفرض على الجزائري أن يسمع دعاء سياسي، لأنه يهم دولتين متصارعتين، لم تتدخل الجزائر لصالح أحدهما، وترفض بشدة أن تكون طرفا في سفك الدماء.

وفي المقابل إمتنع الإمام الشاب عن الدعاء للجزائر، وكأن الدعاء للذين يتبعهم ويدعو لأجلهم، أفضل من الدعاء للجزائر.

الدعاء إذا تحول إلى أداة سياسية، يمسي وسيلة لنشر البغض والكراهية، وإشعال الحروب بين المجتمعات، وسفك الدماء ، وهتك الأعراض .

المطلوب إذن من الأئمة الجزائريين أن يدعوا للجزائر من فوق المنابر وعبر الدروس، ولكل إمام الحق المطلق في الدعاء لدولته ومجتمعه. وفي نفس الوقت منع كل من يستغل المنابر للدعاء السياسي، فيدعو لصراع لسنا طرفا فيه، ويدعو لدولة متعدية لأنه يتبعها، ويدعو بالثبور على دولة مظلومة لأنها في حرب مع الدولة التي يتبعها.

فالدعاء يقرب القلوب، ويفتح الصدور، ويمسح الدموع، ويواسي الحزين.. فاجعلوه كذلك ، وأبعدوه عن السياسة.

وسوم: العدد 695