الرد على منتقدي الاحتفال بمولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم

كلما حل موعد المولد النبوي الشريف إلا وارتفعت بعض الأصوات الناشزة المنتقدة للاحتفال به  . والملاحظ هذه المرة أن أصحاب تلك الأصوات اقتحموا وسائل التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية للتنديد باحتفال المغاربة بهذه المناسبة . والمعروف عن هؤلاء أنهم لا تفوتهم فرصة دون الإعلان بشكل أو بآخر تصريحا أو تلميحا عما يعتبر إيهام غيرهم أنهم أوصياء على الدين  وناطقين رسميين باسمه ، و هم يحتكرونه ، ويعبرون أنفسهم أصحاب الفهم الصحيح له ، وهم  بذلك يزايدون على غيرهم في الانتماء إليه . ويكفي بالنسبة لهؤلاء كي يكونوا أوصياء على الدين  إطالة لحاهم  مع حلق شواربهم ، وتقصير سراويلهم ، وعباءاته التي يضعون فوقها  بذلات شبه عسكرية مع انتعال أحذية رياضية  ، و مع تقطيب جبينهم والنظر شزرا إلى كل من ليس على هيئتهم ، ولا يترددون في إظهار طهرهم مقابل التقزز من دنس يتوهمونه في غيرهم . ويضرب الغرور أطنابه في هؤلاء . ولا يخفى حالهم على أحد في المساجد لأنهم يحرصون على إظهار التميز عن غيرهم  بحركاتهم  من خلال المبالغة في قيامهم وركوعهم وسجودهم ، ولا يترددون أيضا في إظهار الاستخفاف بقراءة القرآن  وبالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة  ، ويستنكفون عن رفع الأكف في الدعاء  كما يفعل كافة المسلمين ، ويرفضون مصافحة المصلين ، وتراهم إذا دعا المصلون دبر الصلاة لا يدعون معهم بل منهم من ينشغل بإصلاح هندامه أو العبث بأصابعه و لحيته أو غير ذلك مما يشي  بتعمدهم السخرية والاستهزاء  بالمصلين أثناء دعائهم  وضراعتهم لخالقهم جل شأنه. والملاحظ أن هذا الصنف من البشر لا شغل لهم سوى البحث  فيما يصدر عن غيرهم من حركات وسكنات وأقوال  وأفعال  لتوظيفه في رميهم بالبدعية والضلال ، ويصدق على هؤلاء اسم "المبدّعون ". وتعتبر مناسبة المولد فرصة سانحة لهؤلاء لإشهار مواقفهم المتطرفة والمتشددة  دون أن يطلب أحد منهم ذلك ، وقد يقتحمون على غيرهم مجالسهم دون سابق إذن لادعاء الوصاية على الدين وهم يرفعون شعار " من رأى منكم منكرا فليغيره ..."  علما بأن المنكر بالنسبة إليهم هو كل ما لا يروقهم ،ويدعون لأنفسهم القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نيابة عن الأمة  ورغما عنها.  ولقد تابعت فيديو لأحدهم على الشبكة العنكبوتية يزبد ويرغي فيه ، ويتهكم من الاحتفال بالمولد، ويستخف بمن يبيحه  ، و يسفهه ، ويجرمه  ، ويفسقه ،هو يتخلل بلسانه تخلل الباقرة . وردا على مثل هؤلاء نقول .

إن المولد النبوي الشريف ليس كمولد أحد من الناس ، فهو مولد سيد الخلق وأكرمهم على رب العزة جل جلاله . وهو مولد مرتبط بالدين وليس بالعادة لأنه كان إيذانا بحلول موعد الرسالة العالمية الخاتمة ، وهي رسالة ترقبتها البشرية منذ زمن بعيد كما جاء في كتاب الله  وهو يقص علينا أخبار السابقين . ويكفي أن نقرأ قول الله عز وجل على لسان خليله عليه السلام : (( ربنا إني أسكنت من ذرتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم )) وقوله : (( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم )) والثابت تاريخيا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذرية الخليل، وهو من ولد إسماعيل عليهما السلام ، وأنه لم يبعث نبي أو رسول في مكة من قبله . وهذا يدل على أن مولده صلى الله عليه وسلم سبقت الإشارة إليه بفترة زمنية موغلة في القدم ، وهذا المولد ليس كأي مولد بهذا الاعتبار ، وهو حدث عظيم لا يمكن تجاوزه أو تجاهله . وعلى لسان عيسى عليه السلام يقول الله عز وجل : ((  ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد )) وهذا دليل آخر على أن مولده صلى الله عليه وسلم سبقت الإشارة إليه زمن المسيح الذي بينه وبين زمن المولد النبوي  قرون . وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى " .و يرتبط مولد الرسول الأعظم بعملية الاصطفاء الإلهي لرسله الكرام صلواته وسلامه عليهم أجمعين ، وهو انتقاء رباني لأصفيائه من الرسل الكرام عليهم السلام مصداقا لقوله تعالى : (( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس )) . ومعلوم أن الله عز وجل قد اصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من ذرية خليله إبراهيم عليه السلام، وهو سليله من ولد ابنه إسماعيل عليهما السلام. ولقد نقل لنا القرآن الكريم دعوة الخليل حيث يقول الله عز وجل على لسانه : (( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم)) والذرية إشارة إلى نبي الله إسماعيل عليه السلام الذي يعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذريته . ولقد ذكر الله عز وجل اصطفاء هذه الذرية فقال: (( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض )). ولقد وردت إشارة في القرآن الكريم تؤكد أهمية الأيام التي ولد فيها أنبياء ورسل الله عز وجل ، وذلك في قول الله عز وجل على لسان عيسى بن مريم : (( والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا )) فميلاد أنبياء الله ووفاتهم لهما شأن عظيم عند الله عز وجل . وإذا كانت الرسالة الخاتمة مصدقة لما بين يديها ومهميمة عليه باعتبارها الرسالة الموجهة للعالمين ، وكانت الرسالة المنزلة على المسيح عليه السلام فيها بشرى بعثة  خاتم الرسل والأنبياء ، وكان السلام على المسيح يوم ولد ويوم توفاه الله عز وجل ، ويوم يبعث ، فمن نافلة القول أن السلام على محمد صلى الله عليه وسلم يوم ولد  ويوم مات ويوم يبعث حيا ، وما كان المسيح ليدعو بالسلام لنفسه  يوم ولد، ولا يكون دأب نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم  كذلك ،وقد جعل الله له قدرا وشأنا عظيما بين إخوانه الأنبياء والرسل الكرام . ولما كان الأنبياء يصطفيهم ربهم لحمل رسالاته ، فإن صفة النبوة ملازمة لهم في كل مراحل حياتهم بما فيها يوم ميلادهم . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوجد في كلام الله عز وجل ما أشار إليه قبل مولده بقرون كما مر بنا،ومن كان هذا شأنه قبل مولده ، فلمولده نفس الشأن ، ولا يجوز أن يغفل عنه الغافلون إذا ما ذكره الذاكرون ، ولا يجوز أن يعتبر الاحتفال به بدعة كما يزعم الذين يدعون في الدين معرفة ، وقد علموا شيئا منه وغابت عنهم أشياء . وتجدر الإشارة  إلى أن  رافضي ومنتقدي الاحتفال بعيد المولد إنما يصدرون في ذلك عن خلاف لهم  مع غيرهم من الذين يذهبون في الاحتفال بالمولد أكثر مما  يليق به، ويغالون في ذلك غلوا كبيرا . وبعيدا عن تصفية الحساب بين  غلاة السلفية و غلاة الطرقية  تلتزم الأمة المغربية المسلمة الوسطية والاعتدال، وتنبذ التطرف  سواء كان سلفيا أم كان طرقيا ، وتحتفل بالمولد النبوي الشريف بما يليق بمقام شخص النبي الكريم ، وهي باحتفالها إنما  تشكر النعمة الكبرى التي أنعم بها الله عز وجل عليها مصداقا لقوله عز من قائل : ((لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم )) وحسب هذه الأمة أن الله عز وجل قال لنبيه الكريم : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) وأية نعمة تضاهي  نعمة الرحمة المهداة . ومن شكر هذه النعمة أن يحتفل بمولد صاحبها عليه الصلاة والسلام . وردا على الذين يغفلون مولد الرسول الأعظم ،ومنهم من يشكك حتى  في موافقة مولده للثاني عشر من شهر ربيع الأول ، ولا حجة لهم  ولا دليل إن هم إلا يظنون وما هم بمستيقنين،نقول إن مرحلة البعثة النبوية موصولة بمولده ونشأة وشبابه إذ يشهد ما قبل بعثته على صدق نبوته . ويكفي أن نسوق خبر النور التي حدثت به أمه آمنة بنت وهب، والذي أضاء قصور بصرى من أرض الشام ، وخبر شق صدره واستخراج قلبه وشقه أيضا وغسله  وتنقيته من العلقة السوداء ، وكل ذلك حصل وهو صبي يرعى الغنم مع أحد إخوته من الرضاعة ، فضلا عن خبر الغمامة التي كانت تظله ، وكان كل ذلك قبل بعثته ، وهو ما يؤكد أنه كان نبيا  قبل أن يولد . ومما ينكره بعض الغلاة الرافضين للاحتفال بالمولد أيضا نظم الأشعار في النبي الكريم مع العلم أنه كان يستنشد الشعر ،كما كان يتخذ شعراء ينافحون عن الإسلام ضد شعراء الكفر والشرك ، وقد احتفظ لنا تاريخ الأدب  العربي بالشعر الذي استنشده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقره علما بأن تقريره من سنته مع قوله وفعله  .  وأما النقد الموجه من طرف الغلاة لصبية المسلمين وهم يحتفلون بالمولد الشريف عن طريق لعبهم ، فدليل  على ضيق أفق هؤلاء الغلاة الذين ينكرون على الصبية ما يعتبر من خصائص الإنسان قبل التكليف وهو اللعب واللهو . وعكس ما يرى هؤلاء الغلاة إن اقتناء اللعب للصغار بهذه المناسبة ولهوهم ولعبهم خلالها مما يربطهم بهويتهم الإسلامية ، ويحبب لهم شخص النبي الكريم ، ويجعل نشأتهم على محبته  ، ويحفزهم على ذلك . وأما ما يعد من أطعمة  في هذه المناسبة، وهو مما ينكره الغلاة أيضا فهو مما أحل الله عز وجل  من الطيبات . وإذا كانت كل المناسبات  مما يطعم فيها الناس ، فما المانع من أن يطعموا في أعظم مناسبة احتفالا بمولد سيد ولد آدم عليهما الصلاة والسلام ؟

وسوم: العدد 698