ما جدوى تقدم حزب على غيره من الأحزاب في الانتخابات
ما جدوى تقدم حزب على غيره من الأحزاب في الانتخابات إذا جاز للذي يليه مرتبة أن يحل محله في تشكيل الحكومة أو جاز تشكيلها بطرق أخرى؟
بعد الأمر الملكي بتسريع تشكيل الحكومة ،ومع استمرار أزمة التشكيل بسبب خلافات بين الأطراف الراغبة في المشاركة في هذه الحكومة ، وعجز رئيس الحكومة المكلف بتشكيلها عن التقريب بين تلك الأطراف المختلفة ، بلغ الأمر بالبعض حد تقديم اقتراحات مزاجية للخروج من الأزمة لا يوجد في نصوص الدستور ما يلمح إليها مجرد التلميح، منها تكليف شخص آخر من الحزب الحاصل على المرتبة الأولى في الانتخابات أو تكليف الأمين العام للحزب الحاصل على الرتبة الثانية ، أو تشكيل حكومة من خلال التشاور مع الأحزاب السياسية ،كل ذلك لتجنب حل البرلمان وإعادة الانتخابات . ولقد اقترح البعض اقتباس التجربة التونسية للخروج من الأزمة من خلال الطبخة المعروفة بالانقلاب الانتخابي في تونس . والسؤال المطروح على أصحاب هذه الاقتراحات هو : ما جدوى تقدم حزب على غيره من الأحزاب في الانتخابات إذا جاز أن يكلف غيره كالذي يليه بتشكيل الحكومة في حال تعذر عليه تشكيلها ،علما بأن التعذر يرجع سببه إلى خلافات بين أحزاب تريد المشاركة في الحكومة بشروط تعجيزية بالنسبة لزعيم الحزب الفائز المكلف بتشكيل الحكومة إذ كيف يمكن لهذا الأخير التعامل مع شرط :" إذا وجد فلان في التشكيلة فلن أشارك فيها " . وشتان بين عجز وتعجيز ، فالعجز أن يكون بالإمكان وجود حل ، بينما التعجيز أن يستحيل وجود الحل . وخير للمغرب في حال التعجيز أن يحل البرلمان ، وأن يتحمل تكاليف إعادة الانتخابات مرة أخرى من أن يلجأ إلى حلول هي في نهاية المطاف عبارة عن ذبح للديمقراطية بشكل من الأشكال التي تقترحها بعض الجهات لحاجة في نفسها. وإن تكليف الحزب الحاصل على الرتبة الثانية بتشكيل الحكومة سيقوي الاعتقاد السائد بأن الانتخابات السابقة مشكوك في نزاهتها كما تداول الرأي العام ذلك ، وجذا بشريحة عريضة من عدم المشاركة فيها ، وكما أوحت بذلك الأحداث السابقة والمواكبة للانتخابات مثل مسيرة الدار البيضاء المتنكر لها من طرف الجهات المنظمة لها ، وما نسب لبعض الجهات من التدخل في سيرورة الانتخابات للتأثير على نتائجها . وإن سمعة المغرب الديمقراطية ستكون في الميزان أمام الرأي العام الدولي في حال مخالفة اللعبة الديمقراطية القاضية بتكليف الحزب الفائز بالمرتبة الأولى لتشكيل الحكومة . والمطلوب من الأحزاب المسببة لأزمة تشكيل الحكومة أن تدوس على أنانيتها ،وأن تتنكب أسلوب المزايدة على بعضها البعض ، وتترفع أن أسلوب تبادل الطعن فيما بينها، وأن تثبت بالفعل لا بالقول أن مصلحة الوطن فوق كل مصلحة حزبية ، وأن المشاركة في الحكومة ليست تشريفا بل هي تكليف ، وأن الأمر لا يتعلق باقتسام كعكة، بل يتعلق بتدبير شؤون البلاد وفق النهج الديمقراطي الصحيح . وإذا كان المغرب يفخر أمام البلدان العربية بأن ربيعه كان متعقلا، ومتزنا، ومراعيا لمصلحة الوطن من طرف الشعب والنظام، فعليه أن يبرهن على ذلك مرة أخرى بالممارسة الديمقراطية الحقيقية ، وذلك بقبول ما تفرزه صناديق الاقتراع بروح رياضية ، وبعيدا عن المقامرة الهادفة إلى إقصاء هذا الطرف السياسي أو ذاك والتآمر المكشوف عليه بأسلوب اللف والدوران . ولن يغفر الشعب ولا التاريخ للعابثين بمكسب الديمقراطية التي قدم الشعب من أجلها تضحيات جسام .
وسوم: العدد 700