حمام يلبغا الناصري والشيخ قويق
لو وقفت على درج مدخل القصر العدلي الذي يقع قرب القلعة..
ونظرت إلى سطح حمام يلبغا الناصري الجنوبي..
لوجدت جداراً مطلياً بدهان أخضر اللون..
اقترب من الطرف الجنوبي للحمام وتسلق سطحها لتجد على الجدار الأخضر خرقة بالية..
وتحت الجدار سنام قبر كقبور الأولياء المعتقد بهم..
قبر من هذا؟
سنام القبر لا يزال باقياً حتى يومنا هذا مع ما تعرضت له حلب من خراب ودمار..
وقد كتب على القبر بلهجة العصر المتأخر، وبخط الثلث الذي ابتدعه العثمانيون في العصر المتأخر:
"هذا ضريح الولي الزاهد..
العارف بالله تعالى..
صاحب الخيرات والمبرات"
"الشيخ محمد بن عبد الله..
قويق الحافر المجري..
لنهر حلب الشهبا".
من هو الشيخ قويق هذا ومن صاحب القبر؟
إنه ضريح والي حلب (أرغون الدوادار الناصري) المتوفي سنة (731 هـ/ 1330 م).
إذا لماذا عرفت التربة بتربة الشيخ قويق؟
وما علاقة أرغون بقويق؟
في سنة (731 هـ/ 1330 م) وهي سنة وفاة (أرغون الدوادار الناصري) وصل نهر الساجور إلى حلب وسلط على نهر قويق وكان ذلك من عمل (أرغون الدوادار).
وبذلك عمت فوائد نهر قويق وطابت موارده، وزاد ماؤه بعد النقصان، وتبسم الزهر من حوله، ومالت إليه الأغصان وكان يسقم في المصيف، ويبرأ في أواخر الخريف.
وقد وصف الصنوبري ذلك:
قويق على الصفراء راكب متنه..
رباه بهذا سهد وحدائقه
إذا جدجد الصيف أبصرت جسمه..
ضئيلا ولكن الشتاء يوافقه
واجتهد أرغون في سياق نهر الساجور لنهر قويق ليزيد ماؤه،
وبذل بذلك أموالا يتحقق بها أنه عند الله مأجور،
وما زال إلى أن أدخله حلب،
وساق به إليها كل خير وجلب.
ويوم وصول الماء ودخوله حلب خرج (أرغون) لتلقيه هو والأمراء وأهل البلد مشاة،
وشعارهم التكبير والتهليل وحمد الله تعالى.
وكان يوما مشهوداً.
وأحكم عمله وسياقته في الجبال والسهول،
واتفق في طريقه واديان وجبلان فبنى على كل واحد من الواديين جسراً يعبر الماء عليه.
أما الجبلان فكان الأول منها سهلا نقب في مدة يسيرة،
وانتهى عمل هذا الجبل في ثمانية أشهر،
وكان بعد هذا الجبل سهل فظهر بالحفر فيه حجارة مدورة لا يمكن نبشها إلا بالمشقة.
وقيل لـ (أرغون): "يا خوند بالله لا تتعرض لهذا فإنه ما تعرض له أحد إلا ومات".
فقال: أنا أكون فداء المسلمين فيه.
فاتفق ما جرى ومات أرغون.
وقد وصف الشاعر شرف الدين أبو عبد الله الحسين بن ريان دخول الساجور على قويق:
ما أتى نهر الساجور قلت له:..
ماذا التأخر من حين إلى حين
فقال أخرني ربي ليجعلني..
من بعض معروف سيف الدين أرغون
وأضاف القاضي بدر الدين أبو محمد بن حبيب الحلبي:
قد أضحت الشهباء تثنى على..
أرغون في صبح وديجور
من نهر الساجور أجرى بها..
للناس بحرا غير مسجور
وكان الأمير سيف الدين أرغون الدوادار الناصري أتى إلى حلب والياً عليها سنة (730 هـ/ 1329 م)،
وبنى مدرسة وتربة له قرب حمام يلبغا الناصري وعند وفاته دفن بها فعرف بالشيخ قويق لجره ماء نهر الساجور إلى نهر قويق ونسي اسمه الأصلي.
وكان قد أنفق مال كثير في جر هذا الماء وإيصاله لمدرسته وتربته.
ولكن (أرغون) لم يأخذ بكلام المنجمين الذين قالوا له: من جرّه يموت في عامه،
فلم يلتفت إلى هذا القول، ومات بعد أربعين يوماً من دخول الماء.
ودفن بتربته هذه..
وكانت التربة تضم بركة ماء ومنارة على بابها وحوض ماء خارجها.
بقيت تربة (أرغون) ضمن مسجده الصغير الملاصق لحمام يلبغا حتى عام (1982 م).
وعندما تم ترميم حمام يلبغا الناصري حوالي عام (1982) أزيل المسجد والتربة..
وتم رفع سنام القبر على سطح الحمام قريباً من مكانه الأصلي.
ومن طرائف ماله علاقة بنهر الساجور، تلك اللعنات:
كانت لعنة مكتوبة على إحدى عضادات الجامع الكبير:
"لما كان بتاريخ سنة (901 هـ/ 1495 م) ورد المرسوم الكريم العالي المولوي الملكي المخدومي الكافلي السيفي الأشرفي مولانا الملك الناصر كافل المملكة الحلبية بأن لا يسقى من ماء الساجور الواصل إلى حلب زرع حاسين وفافين وملعون من يزرع على ماء الساجور زرعاً".
ولعنة مكتوبة على عضادة أخرى في الجامع الكبير:
"لما كان بتاريخ سنة (902 هـ/ 1496 م) ورد المرسوم العالي المولوي المخدومي كافل المملكة الحلبية المحروسة الملك الناصر بإبطال ما كان يؤخذ من وقف نهر الساجور الواصل إلى حلب، وملعون ابن ملعون من يأخذ على جباية الوقف المذكور بارة الفرد، ويجدد هذه المظلمة أو يعين على إعادتها أو يأمر بإعادتها".
ومن طرائف الشعر الذي قيل لاحقاً بعملية جر نهر الساجور لنهر قويق والفاشلة غالباً:
لما أتى حلب الساجور قلت له:.
كيف اهتديت وما ساقتك أعوان؟
فقال: كانوا نياماً عن مساعدتي..
حتى تيقّظ طرفاً وهو نعسان
وشاع أن نهر الساجور لا يمكن جرّ مائه إلى نهر قويق لانخفاض مجراه عن نهر فيئس الناس.
وقيل:
قالوا أتى الساجور، قلت مجاوبا:..
ما جاء ساجور ولا خابور
قالوا: جرى في الماء محمرّا وقد..
ملأ الحياض، فقلت: ذا يغمور
وقيل:
من قال إن المستحيل ثلاثة..
لم يدر رابعها فخذه بلا تعب
الغول والعنقاء والخلّ الوفي..
ومياه ساجور تجيء إلى حلب
وسوم: العدد 702