لا ندري أشر أريد بمنظومتنا التربوية أم أريد بها رشدا ؟

هذا السؤال يطرحه الرأي العام المغربي بجميع أطيافه وفئاته خصوصا بعد تجربة الإصلاح العشرية وتجربة الرباعية الاستعجالية وقد تبين فشلهما . ولا يوجد  لدى هذا الرأي العام ما يجعله مطمئنا كل الاطمئنان لخطة الإصلاح الخمس ـ عشرية التي يصاحبها ما صاحب سابقتيها من دعاية ولغط كثير . ويبدو أن قدر منظومتنا التربوية سيظل رهينا بما يسمى خطط وتجارب الإصلاح لأن هذه الخطط والتجارب صارت هدفا في حد ذاتها ولم تعد وسيلة . ويبدو أن الخطط والتجارب ستظل تتناوب على منظومتنا التربوية كما يتناوب الخطّاب  على طلب يد الحسناء التي تتقدم بها السن نحو العنوسة ،و تضيع منها فرص الزواج لأن خطابها ليسوا أكفاء لها . والمتتبع لما ينشر إعلاميا  من نقد متعلق بمنظومتنا التربوية  يلاحظ  تنامي الشعور بالارتياب من جدوى الخطة الخمس ـ عشرية ، وهي خطة تدفع في اتجاه تغريب المنظومة من خلال تبني  التعليم  باللغات الأجنبية  ، وجعلها الخيار الأفضل وإحاطة ذلك بهالة دعائية كبرى جعلت الأسر المغربية تتهافت على توجيه أبنائها نحو تعليم غربي الروح خوفا على مستقبلها ودونما احتفال بما قد يلحق هويتها من ضرر . وفي الوقت الذي كان من المنتظر أن تطوع المعارف والعلوم الغربية ليتلقاها المتعلم المغربي بلغته الأم كما هو الشأن بالنسبة  لدول ما يسمى بالنمور الأسيوية ، فإن المخططين عندنا يرومون تغييب اللغة العربية من المنظومة بطريقة ممنهجة ، ذلك أن الأسر المغربية ما كادت تسمع بمشروع الباكلوريا الدولية حتى تهافتت على إلحاق أبنائها بها لضمان مستقبلهم الذي جعله المخططون رهينا بها . ولقد بات نجاح الأبناء بالنسبة للأسر يعني الالتحاق بأقسام الباكلوريا الدولية ، وما دون ذلك يعتبر خسارة فادحة وضياع  مستقبل الأبناء . ومن المؤشرات الدالة على استهداف اللغة العربية ، ومن وراء استهدافها استهداف الهوية الإسلامية أن يتجرأ محسوب على المجلس الأعلى للتربية والتكوين على المطالبة بحذف نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف من الكتب المدرسية التي تلقن اللغة الأم للناشئة . ومجرد وجود عنصر كهذا  ينادي بهذا داخل المجلس الأعلى للتربية والتكوين يعتبر تهديدا للغة العربية وللهوية الدينية . وتزامنت مع دعوة هذا العضو دعوات تيارات وتوجهات علمانية متربصة بالإسلام وبلغة القرآن لرفع نفس المطلب . ومن تلك الدعوات على سبيل المثال  مطالبة بعض  مدرسي مادة الفلسفة  بحجز كتب لمادة التربية الإسلامية ،الشيء الذي يعطي انطباعا بأن هذه الكتب تتضمن حمولة فكرية ممنوعة أو محظورة . وفي المقابل  لم يرفع أحد دعوة بحجز كتب مادة الفلسفة والتي قد يوجد في بعض مضامينها ما يستوجب الحيطة أثناء  تقديمه للمتعلمين مع أنه لا وجود لما يضمن  تقديمه بشكل سليم . ومقابل التشكيك في  نوايا وطرق  تدريس مدرسي مادة التربية الإسلامية ومادة اللغة العربية لا يوجد تشكيك في نوايا و طرق تدريس غيرهم من مدرسي المواد الأخرى الحاملة لفكر غير الفكر الإسلامي  كالفلسفة  مثلا وغيرها .  وإذا صح الادعاء القائل بأن مدرسي مادة التربية الإسلامية يستغلون مضامين المادة لتلقين المتعلمين التطرف والكراهية والعنف والإرهاب ، فإنه يصح في المقابل  كذلك أن يستغل غيرهم من مدرسي مواد أخرى مضامين موادهم لتلقين المتعلمين التطرف في الاتجاه الآخر المادي و العلماني والإباحي . وما كانت الدعوات بالإجهاز على النصوص الدينية لتتعالى لولا الخلفيات التي انطلق منها واضعو الخطة الخمس ـ عشرية  التي لا شك في أن مرجعيتها خارجية تندرج ضمن الإملاءات المفروضة علينا . ومقابل الضجة  أو الهالة الإعلامية الضخمة التي تحيط بالخطة الخمس ـ عشرية  نجد الواقع الصادم لوضعية المنظومة  التربية حيث تتعالى الأصوات بالدفاع عن مكسب مجانية التعليم الذي بات مهددا ، كما تتعالى الأصوات بالاستنكار ضد طرق إلحاق أطر التدريس بالتدريس في غياب التكوينات الأساسية الضرورية الكفيلة بولوج حقل التعليم، الشيء الذي يعرض مصالح المتعلمين للضياع ، وهو أيضا ما يدحض مقولة إصلاح الخطة الخمس ـ عشرية  للمنظومة . وفي ظرف وجود فراغ حكومي يوشك على بلوغ نصف سنة تتردى أوضاع المنظومة التربوية من خلال قرارات ارتجالية صادرة عن وزارة تصريف عمل تزيد في طين فساد المنظومة بلة . ويبدو وكأن عملية تأخير تشكيل حكومة  مسؤولة أمام الشعب يراد به استكمال تمرير قرارات معينة منها قرارات  مخربة للمنظومة التربوية . وها قد مرت دورة دراسية كاملة ،وانطلقت الدورة الثانية  ووزارة التربية عبارة عن وزارة تصريف عمل دون أن يفكر الذين عطلوا تشكيل الحكومة في مدى حجم الضرر اللاحق بالمنظومة التربوية  التي ليس من صالحها تأخير تشكيل الحكومة لأن موسمها الدراسي معدود الأيام . ومن المنتظر أنه بعد تشكيل الحكومة إذا ما قدر لها أن تتشكل، سيتولى الوزارة الوصية على التربية وزير جديد إن لم يحتفظ بوزير تغريب المنظومة الحالي ، والله أعلم بالتوجه الحزبي والإيديولوجي  لمن سيتولى أمرها في هذا الظرف بالذات ،وهو ظرف الضغط الخارجي المتزايد  علينا ، وستظهر قرارات  أخرى  في شان المنظومة الله أعلم بما سيكون لها من  تداعيات ونتائج وخيمة . ولهذا نتساءل كما تساءلت الجن يوم رصدت دونها السماء بالشهب ومنعت من استراق السمع والوحي ينزل  :لا ندري أشر أريد بمنظومتنا التربوية أما أريد بها رشدا ؟ ومعلوم أن الرشد هو إصابة المقصود النافع  ، وهو مقصود لا وجود لمؤشرات عليه  لحد الآن .

وسوم: العدد 710