البعث !!
البعث في سوريا يمثل الفكر العلماني ، إتخذ شعارا الدين لله والوطن للجميع !
وقد إندمج معه حزب أكرم حوراني العربي الإشتراكي فصار اسم الحزب ( البعث العربي الإشتراكي )
والسيد أكرم الحوراني الحموي كان على صلة حميمة بصغار الضباط ، وجرى إنقلاب الزعيم ثم الحناوي ثم الشيشكلي الذي ألفّ حركة التحرير العربية ، لكن حلب بقيادة حموي آخر هو مصطفى حمدون ثار ضده وسقط الشيشكلي !
ثم حكم التجمع القومي وهو خليط من البعثيين والشيوعيين والقوميين السوريين ، وعاشت سوريا في فترة مظلمة فالبعث الإشتراكي حزب متسلط ، وكان للإسلاميين نشاط بارز .
قام ضباط من سوريا وذهبوا إلى مصر حيث صنعوا وحدة بين القطرين ، وكان منهم ابن بلدنا عبد الله جسومة ، في أول الأمر زاد تسلط البعث على الحكم فصار لا يعين في الوظائف إلا أنصاره
وطورد الإسلاميون وضيق عليهم في الوظائف ، فلا يعين إلا بعثي قُح ، وروقبت المساجد ! وهيمنت التقارير على حياة الناس ، فلا يعين إسلامي في وظيفة ولو أذّن ! حتى أن قريبة لي ألتقي معها في الجد الرابع حُرمت من وظيفة معلمة لأنها قريبة لي ؟
وعيّن عمر الأميري سفيرا لسوريا في باكستان ، وجعل من السفارة منارة للعروبة والإسلام ، ونقله صلاح البيطار وزير الخارجية من الباكستان إلى السعودية ثم عزله ؟ فرحبت بالأميري جامعات المغرب فكان أستاذ الحضارة الإسلامية فيها رحمه الله .
وجاءت الوحدة سنة ٥٨ ففرحنا بها ، وقمنا بمظاهرات تأييد لها ، كان يقودها الشيخ سعيد حوى رحمه الله ، ونظام الحكم الوحدوي حجمّ نفوذ البعث ، وأقام قادته في القاهرة بوظائف كبرى رمزية !
وصار اسمنا الإقليم الشمالي يقوده عبد الحميد السراج ، وهو من حماة ، وزادت الرقابة على الفكر الإسلامي ، وصارت كتب سيد قطب تُحارب كما يحارب الحشيش والأفيون ؟
سكن في بيتي معلم مصري ، كنت ألاحظ أن عنده محفظة كبيرة ، فقال لي : عندي كتب أريد توزيعها ! قلت : أنا أوزعها لك ، فتحنا المحفظة فإذا هي كتب عن محاكمات الشعب التي يرأسها جمال سالم البكباشي المعروف أخو صلاح سالم وزير الثقافة المصري ، تبرعت للضيف بتوزيع كتب بعثتها معه السفارة المصرية ومستشارها أبو درة ، كان عندنا تنور للخبز فأشعلتها فيه ، وكفى الله المؤمنين القتال .
وأخيرا إكتشف المعلم المصري من أنا ! فجاء راجيا يريد ترك البيت مع أننا أكرمناه غاية الإكرام وأمنا له الراحة التامة ، لكنه أبى إلا الخروج ، فتركناه ومايهوى !
سنة ٥٨ وكنا في أول أيام الوحدة وجدت توزيع كتب محكمة الشعب توزع على نطاق واسع ، رأيت أحد الزملاء وفي يده بعض هذه الكتب أخذتها منه ورميتها في أحد فروع بردى القريب من الجامعة .
تخرجت من كلية التربية سنة ٦٠ وعينت مدرسا في عفرين ، وجاءت التقارير من حلب أني أوزع الكتب الإسلامية على الطلاب ، قال لي مدير المدرسة الحموي أنت مراقب وأنت توزع كتب سيد على الطلاب ، ولمّا كنت أدرّس اللغة العربية لاحظت أن الأذِن يدخل حصة الدرس ويقعد مستمعا ، لذا عمدت إلى كتاب القراءة وفيه نصوص أدبية رائعة ! لابن العروبة الأسمر ناصر العرب !
والنص ليس فيه من العربية الفصحى غير عبارة أيها المواطنون ، والباقي باللهجة العامية المصرية ، لكني مراقب فجعلت هذا النص في كتاب القراءة للكفاءة أبلغ من أدب الجاحظ ؟
وانتهى الدرس وكتب الأذن فيّ تقريرا يقول : الأستاذ ناصري قٰح ! ومضت العاصفة !
كان معنا في الثانوية في عفرين ونحن ١٤ مدرسا منهم ١١ مصري ، ولا يهم فالأمة العربية واحدة ، وذات رسالة خالدة كما يقول بعث سوريا ! قلت لزميل مصري يلبس خاتما من ذهب في أصبعه هذا حرام ؟ فانتفض قائلا :
دا حرام ! دا أنت رجعي فظيع ؟
وتآمر الطامعون بالكرسي على الوحدة فهدموها ، وكنت وقتها في دمشق أقضي شهر العسل فصار شهر البصل !
صدقا لقد حزنت وتألمت لانزال علم الوحدة ، ولم أقتنع بما قاله زعماء البعث : أردناها وحدة فأرادوها مزرعة !
ووقعّ كل زعماء البعث والشيوعيين والقوميين وقعوا وثيقة الانفصال إلا الزعيم الإسلامي عصام العطار رفض التوقيع حفظه الله .
واستلم البعث وسمى ثورته ثورة آذار ، وأيدها كل طامع بالمناصب ، وصار الشيوعي بعثيا ، والقومي السوري بعثيا ، وصار صغار الطلاب شبيبة للبعث ، والبراعم طلائع للبعث !!
وأظلمت سماء الفكر الإسلامي وصودرت كتبه وخاف شباب الإسلام فألقوا الكتب الإسلامية بكثرة في قمريات نهر الذهب ، وصارت مكتبات حلب في أغير تخبىء الكتب الإسلامية في دور قريبة منها ؟
في أيام التمشيط دخل جنرال تملأ النياشين صدره إلى بيت اخينا علي علاف رحمه الله وكان عنده مكتبة صخمة ، تناول الجنرال مجلدا منها وكان جزءا من الظلال فتحه قائلا : ماهذا شيخي ! قال أخونا تفسير القرآن ، فقال الجنرال بس مايكون الظلال ، والظلال في يده ! وصودرت المكتبة ؟
أصبح الظلال يحارب كما تحارب المخدرات ، وخاصة كتاب ( معالم في الطريق ) لشهيد الكلمة سيد قطب تقبله الله
وشدد الأمن قبضته على الفكر الإسلامي وعلى حركة دعاة الإسلام من كل الاتجاهات ، فدعي إلى الأمن مرارا الشيخ العنزاوي وأحمد شريف ومعه موسى حطاب وقد رأيت آثار التعذيب على وجهوههم !
وصدر قانون العار ٤٩ بإعدام كل من ينتمي إلى الحركة الإسلامية ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وصار السفر إلى العمرة يحتاج إلى موافقة أمنية ، كنت ذاهبا للعمرة وقد حملت الموافقة لكن ينقصها التوجيه المطلوب فرفض القوم عبور المنفذ الحدودي وطلبوا مني الرجوع إلى حلب !
ووصل الشطط إلى صلاة الجمعة وصارت تحتاج إلى موافقة من الحزب القائد لأن التعدد لايجوز إلا بإذن السلطان ؟
ونقلت إلى الاتارب وغرست فيها غرسات إيمانية أرجو الله أن تكون في صفحات سجلي يوم الدين ،
ثم نقلت مع المئات من التعليم إلى التموين وغيره كي لا أفسد أنا وأمثالي الأجيال !
وأخيرا سلّم البعث المناضل الراية لحمدان قرمط فصاروا هم أهل الحل والعقد بما يحملونه من أحقاد تاريخية !!
فوصلنا إلى التهجير الديمغرافي وإلى مقولة الطفل اليوم كشاهد إجرام على قصف الطغاة في بلدة الهبيط :
( بابا شيلني ) ؟
وإلى مئات الشهداء في مدينة الباب تحت قصف غادر أو لغم فاجر ؟
وعظم الله أجرنا على صبرنا
وحسبنا الله ونعم الوكيل
وفرجك ياقدير .
وسوم: العدد 710