وزارة التربية؛ مدارس المتميزيين واللغة الانكليزية

د. علي عبد داود الزكي

 ان وزارة التربية تبذل جهود كبيرة لغرض توفير مسلتزمات التربية والتعليم وتهيئة المدارس والمؤسسات التربوية ولكن رغم كل ذلك لازال التعليم المدرسي يعاني الكثير. حيث يوجد نقص هائل في عدد المدارس ونقصا كبيرا في الخدمات والمستلزمات والكتب. كما ان المؤسسات التربوية بشكل عام تعاني من تاثيرات بعض القيم المجتمعية السلبية التي تفرض رؤى ضيقة غالبا ما تؤدي الى تراجع مستوى التربية والتعليم، وبظل ضعف الدولة وضعف المؤسسات الامنية التي واجبها حماية الانسان وحفظ كرامته وحقوقه طغت بعض الظواهر السلبية في المجتمع والتي القت بظلالها على كل مؤسسات البلد وبضمنها مؤسسات وزارة التربية. ان سياسة وزارة التربية المعتمدة حاليا تحمل اولياء امور الطلبة عبئا كبيرا من المسؤوليات الصعبة في التعليم والمتابعة. حقيقة ان مسالة التعليم في مدارس وزارة التربية بشكل عام لا تعتمد على المؤسسة فقط وانما نستطيع القول ان نسبة اكثر من 50% من مهام التدريس والتعليم والمتابعة يتحملها اولياء امور الطلبة. حيث انهم رغم كل همومهم ومسؤولياتها في حياتهم اليومية فانهم يوفروا الكثير من الوقت لابناءهم لغرض متابعة واجباتهم وتدريسهم وسد الثغرات فيما يخص تعليمهم في المؤسسة التربوية. ان اغلب الامهات والاباء يعملوا على متابعة تدريس ابناءهم ويقوموا في المنزل باداء دور جميع مدرسي المواد الدراسية الذين يدرسوا ابناءهم في المدرسة. نتسال هنا اي دولة من دول العالم المتحضر يصرف فيها الاباء والامهات الكثير من وقت راحتهم لغرض تدريس ابناءهم ومتابعة تنفيذ الواجبات ؟!! هذا التساؤل يجب ان تنتبه له وزارة التربية وتعد دراسة شاملة في رؤيتها ورسالتها وهدفها من تطبيق المنهج التربوي والتعليمي المعتمد محليا، وان يتم تقييم هذا المنهج من قبل خبراء تربويين مختصين من دول متعددة سبقتنا في مجال التربية والتعليم مثل اليابان وفنلندا والدنمارك. صحيح ان كل اولياء امور الطلبة يعملوا المستحيل لاجل ابناءهم ولاجل اكمال دراسة ابنائهم وتفوقهم لكن هذا على حساب وقتهم وراحتهم البدنية والنفسية. ان لم يستطع اولياء امور الطلبة توفير الوقت لابناءهم فانهم غالبا ما يقوموا بصرف الاموال لتكليف مدرسين خصوصين لغرض تدريس ابناءهم خارج وقت المدرسة. نتسال هنا لماذا اغلب ابنائنا الطلبة الذين ياخذون دروس خصوصية يتحسن مستواهم او تتحسن درجاتهم؟!! اين يكمن الخلل؟! هل في المناهج المعتمدة؟ ام هناك اسباب اخرى؟! وهل سيضيع مستقبل الطلبة الذين لا يتمكن اولياء امورهم من تدريسهم في المنزل وغير متمكنين ماديا لدفع تكاليف التدريس الخصوصي.

 ان مناهج اغلب المدارس العراقية التابعة لوزارة التربية باللغة العربية استثناءا منها مادتي اللغة الانكليزية والفرنسية، وفي بداية العالم الدراسي الحالي رغم الازمة الاقتصادية التي يمر بها البلد قامت وزارة التربية باستبدال مناهج مدارس المتميزين في مرحلة الاول متوسط لتكون باللغة الانكليزية لكل المواد العلمية ولا نعرف لماذا الوزارة لم تقوم باستبدال لغة دروس الاجتماعيات من العربية الى الانكليزية ايضا!! كتبنا في وقت سابق مقالات عديدة عبرت عن رؤيتنا بشكل مختصر عن المناهج الدراسية لمراحل التعليم المدرسي المختلفة. لذا سنترك موضوع المناهج هنا وسنركز على عرض بعض سلبيات استبدال لغة المواد الدراسية العلمية في الصف الاول المتوسط لمدارس المتميزين من العربية الى الانكليزية. يجب ان يتم دراسة الية تحديد المناهج التربوية والتعليمية بشكل يتناسب مع امكانيات الطلبة واعمارهم ويتناسب مع الهدف من وضعها. كما يجب ان لا تكون المناهج مستهلكة لوقت الطلبة بحيث يمل الطالب من المدرسة والتعلم، وان تنتبه الوزارة لتنفيذ المناهج التربوية والتعليمية بشكل صحيح وسليم وان لا يكون التدريس الخصوصي هو البديل الافضل عن التدريس في قاعة الدرس الرسمية، والا فان ذلك ينبيء بالتراجع التدريجي والتحول من التدريس الحكومي الى التدريس الاهلي والخاص.

 بداية العام الدراسي الحالي ومنذ اول شهر لاحظنا ان المناهج الجديدة التي صدرت باللغة الانكليزية اصبحت عبء كبير على الطلبة وادت الى تراجع مستواهم بشكل ملفت للنظر واصبح هؤلاء الطلبة المتميزين الذين عبروا مرحلة الابتدائية بتفوق كبير يمروا بمرحلة صعبة ادت الى تراجع مستوى الكثير منهم. عندما كنت اتابع دراسة ابني في المدرسة في بداية العام الدراسي التقيت باحد الاصدقاء وهو مهندس وكان يراجع المدرسة لمتابعة سير دراسته ابنه ايضا، كان يشكو من المناهج الجديدة وقال لي بانه ليس لديه الوقت الكافي في البيت لغرض تدريس ابنه الذي تم قبوله في مدرسة المتميزين وقال ؛؛عبارة اما نجلس نحن نقرا ونفسر لابناءنا او نصرف اموال في التدريس الخصوصي؛؛ وهذا كله على حساب وقتنا وراحتنا وعلى حساب راحة ابناءنا وقام بعد مرور اول شهر بتحويل ابنه من مدرسة المتميزين الى مدرسة اخرى. كما لاحظنا معاناة الكثير من اولياء امور الطلبة مع ابناءهم بسبب ليس المناهج الانكليزية فقط ، وانما تحول منهج الدروس العلمية الى منهج تعلم لغة انكليزية بالدرجة الاولى من قبل بعض التدريسيين.  كلنا درسنا اللغة الانكليزية خلال مراحل دراستنا المختلفة سابقا ولاحظنا بان اغلب الاسئلة الامتحانية كانت بنمط  ؛؛الاختيارات؛؛ اي توضع مجموعة من الاسئلة وتحدد لها عدة اجوبة، ليقوم الطالب باختيار الجواب الصحيح وهذا هو الاسلوب العلمي الصحيح والفعال في وضع الاسئلة، ففي كثير من الاحيانا فان الجواب عن اي سؤال سواء كان تعريف او تعليل او غير ذلك يعتمد على فهم السؤال بدقة والاجابة عنه قد تعتمد على كلمة اوعبارة فاذا نسي الطالب هذه الكلمة اوالعبارة التي هي اصلا بلغة غير لغته فانه سيخسر السؤال ليس لانه لا يعرف الجواب وانما نسي كلمة او عبارة لا يكتمل المعنى الا بها. لذا فان وضع اسئلة الاختيارات مهمة جدا في تسهيل تذكر الطلبة لما تم مذاكرته. اود ان اشير هنا الى انني كتربوي ولدي خبرة طويلة في التدريس الجامعي ولديه خبرة في تحديد مستويات الطلبة بكل سهولة بالاختبارات التحريرية والشفوية، عندما كنت اقوم بتدريس ابني ( طالب في الاول متوسط - مدرسة متميزيين) احد المواد العلمية لهذه السنة لاحظت صراحة تحسن مستواه في اللغة الانكليزية بشكل كبير ليس بسبب التدريس في المدرسة وانما التحسن ناتج عن التدريس المنزلي الذي نقوم به بالدرجة الاولى. عندما رايت درجته باحد الامتحانات كانت متدنية  صرفت الكثير من الوقت معه في التدريس قبل الامتحان وكان تقديري له بانه في اسوء الاحوال لو كان التقييم صحيح وسليم سيحصل على درجة لا تقل عن 80% ولكن تفاجئت بانه حصل على درجة 50% عندما كنت احاول اعرف السبب من ابني تبين لي وجود عقبة الخجل والرهبة الزائدة من الاساتذة وهذا خلل بحاجة الى علاج من قبل المؤسسة التربوية. حيث ان المؤسسة التربوية لم تعمل على تشجيع الطلبة ومنحهم ما يكفي من الثقة بالنفس للتعبير عن انفسهم وعن ارادتهم وعن حقوقهم لكي يصبحوا اكثر شجاعة ولا يخجلوا من السؤال والاستفسار. ان اغلب الطلبة يفضل الصمت وعدم السؤال والاستفسار لكي لا يحصلوا على توبيخ او احراج امام زملائهم. كما ان اغلب الاستفسارات عن اي سؤال تكون باعادة قراءة نص السؤال باللغة الانكليزية فقط دون تفسيره. احيانا كلمة واحدة في سؤال لا يفهمها  الطالب قد تضيع عليه فهم السؤال كله. كما لاحظت في بعض نماذج الاسئلة وجود اسئلة صعبة جدا وليست بمستوى طالب صف اول متوسط، ونتعجب من الوزارة اعتمدة هكذا منهج باللغة الانكليزية بالرغم من ان اغلب الاستاذة غير متمكنين من اللغة الانكليزية بشكل كبير واغلبهم يستخدم القاموس عند وضع الاسئلة والتصحيح. عندما ذهابي للمدرسة مؤخرا لاستفسر عن مستوى ابني واسباب تدني بعض درجاته حملني احد الاساتذة المسؤولية وطلب مني ان اصرف وقتا وجهدا اكثر في تدريس ابني تبسمت بوجهه واخفيت عنه رايي فهو شرقي وليس من السهولة ان يتقبل الانتقاد، فان هذا المدرس لن يتقبل رايي ان قلت له ان واجبكم تدريس ابني وليس واجبي، ان واجبي يحتم عليه ان اوفر له الجو الدراسي المناسب واتابع سير دراسته. هنا اذن تبرز نقطة مهمة وهي اما ان ادرس ابني او اوفر له تدريس خصوصي. لذا على الوزارة ان تنتبه لنقاط جوهرية في حماية القيم التربوية وحفظ هيبة مؤسستها التربوية وترصينها وحفظ كرامة الطلبة لكي نحصل على اجيال من الصالحين الذين يعتزون بقيمهم ووطنهم ومؤسستهم التربوية التي تخرجوا منها. كما يجب على المؤسسة التربوية ان تنظر بتقييم مستوى التدريسيين ليس فقط العلمي وانما الاخلاقي والتربوي والانساني والنفسي لكي لا تقع المؤسسة التربوية في اخطاء يصعب اصلاحها. رغم كل ما ذكرته من سلبيات لاحظت ايضا وجود اساتذة تربويين افاضل في العديد من المدارس لديهم خبرة كبيرة في التعامل مع المناهج والطلبة.  رغم اننا لا نتفق مع تغيير لغة المنهج للانكليزية لكننا نتعامل مع الامر الواقع ونورد النقاط التالية كمقترحات للمعالجة والتصحيح  لتجنب حدوث الكثير من الاخطاء:

لغرض معالجة اي خلل قد يحصل نقترح ان تقوم وزارة التربية باصدار تعليمات خاصة توضح فيها الية وضع الاسئلة الامتحانية للدروس التي تدرس باللغة الانكليزية وتفرض وضع نسبة 70% من الاسئلة اختيارات (صح وخطا او اختر الجواب الصحيح).  ونسبة 30% من الاسئلة شرح او مسائل او مبرهنات واشتقاقات باللغة الانكليزية ولا يمنع قبول الاجابة الاضطرارية باللغة العربية في التفسير والشرح لكي لا يضيع السؤال على الطالب. حيث ان المطلوب هو الفهم العلمي للدرس وليس الهدف اللغة فقط. كما نقترح السماح للطالب بادخال القاموس معه عند ادائه امتحان المواد الدراسية العلمية. لغرض التخلص من الكثير من المشاكل التي قد تتعلق بقضايا نفسية او شخصية نقترح ان تعمل الوزارة على استصدار تعليمات لكل مديريات التربية لتوجيه ادارات المدارس بتشكيل لجان من تدريسيي المدرسة المتخصصين لوضع الاسئلة الامتحانية وتصحيح اجوبة الطلبة ولجميع الامتحانات خلال العام الدراسي الواحد، ويكون الحد الادنى لاعضاء اي اللجنة (2) لكل مادة دراسية. وان يكون تحديد درجة الطالب في السعي من قبل هذه اللجنة وليس من قبل استاذ واحد لكي نتخلص من الكثير من الشكوك والاشكاليات. نقترح الغاء درس اللغة الفرنسية الشكلي والتخفيف عن الطلبة واستغلال ساعاته في تدريس الاساسيات التي يحتاجها الطالب. نقترح استصدار تعليمات لغرض تشكيل لجنة تربوية علمية في كل مدرسة تتالف من عدد من التدريسيين التربوين ذوي الخبرة الطويلة وبرئاسة مدير المدرس لمتابعة سيرة العملية التربية في المدرسة ومعالجة الاشكاليات وشرح وتفسير التوجيهات والتعليمات الوزارية النافذة لباقي التدريسيين في المدرسة. نقترح استصدار تعليمات في تشكيل لجنة اشراف تربوي تتالف من عدد من اولياء امور الطلبة في اجتماع يجرى معهم  في بداية العام الدراسي ويكون لهم دور فعلي في طرح وجهات النظر حول المناهج والاشكاليات ومناقشتها في المدرسة وفي مديرية التربية وان يكون لهم حضور فعال في التدخل في مواجهة اي مشاكل تخص الطلبة خلال العام الدراسي.وان لا يتاخذ اي قرار بخصوص مشاكل الطلبة دون اشراك هذه اللجنة.وان اي زيارة للمدرسة من قبل المشرفيين التربويين يتم فيها او بعدها مباشرة اجراء لقاء المشرفين التربويين مع هذه اللجنة. نقترح استصدار كتيب توجيهي مختصر لكل منتسبي المؤسسة التربوية يتضمن فصله الاول: الرؤية والرسالة والهدف للمنهج التربوي المعتمد، كما يتضمن الية واسلوب التعامل مع الهيئة التدريسية والطلبة ، وتوضح فيه كل توجيهات وتعليمات المؤسسة التربوية، وان يوضح فيه بدقة ما هي حقوق وواجبات التدريسي، وفصله الثاني يتضمن: الية وضع الاسئلة الامتحانية وتوزيع الدرجات، اما فصله الثالث فيتضمن:التعليمات الامتحانية والية المراقبات الامتحانية واسلوب التعامل التربوي السليم لتفادي اي اشكاليات اثناء سير الامتحانات.

   يجب ان نعرف ان النهوض بالواقع التربوي في بلدنا ليس واجب فقط وزارة التربية وانما واجب تشمل فيه كل المؤسسات الفكرية والثقافية والدينية والاعلامية والاجتماعية المحلية والتي يجب ان تنهض بفكر المجتمع لينسجم مع الرؤية التربوية الصحيحة وتحديد ما يبرز من سلبيات واشكاليات ومناقشتها بواقعية وطرح الرؤى والحلول بايجابية للنهوض بالمؤسسة التربوية في بلدنا العزيز.

 وفق رؤيتنا المتواضعة حددنا نقاط وانتقدنا وطرحنا حلولا ومقترحات نتمنى ان تنظر بها وزارة التربية وتتخذ القرارت المناسبة لذلك.  

وسوم: العدد 718