سوريا.. مخاطر المناطق الآمنة
الاتحاد:
على الرغم من وقف إطلاق النار المفترض في سوريا، تستمر حصيلة الخسائر البشرية اليومية في الصعود، ولا تزال أيادي المجتمع الدولي مرتعشة بشأن حماية المدنيين السوريين. وفي ضوء ذلك، تتجدد باستمرار فكرة إقامة المناطق الآمنة، وقد خفتت منذ عام 2012، عندما دعت تركيا إلى إقامة منطقة آمنة عند حدودها الجنوبية في شمال غرب سوريا. وتباينت دعوات تأييد المناطق الآمنة أو مناطق حظر الطيران بين الصعود والأفول منذ ذلك الحين. الآن تقترح إدارة ترامب سياسة مماثلة، وأعلن وزير الخارجية الأميركي «ريكس تيليرسون» في مارس الماضي أن الولايات المتحدة ستعمل على إنشاء «مناطق استقرار انتقالية». وجاء ذلك عقب وعد ترامب أثناء حملته الانتخابية بإقامة «منطقة آمنة جميلة وكبيرة» في سوريا.
ولا تزال الجوانب التقنية لسياسة «تيلرسون» في «مرحلة الأفكار»، بيد أن تعليقاته تشي بأن الولايات المتحدة تتجه إلى إقامة «مناطق آمنة» تهدف إلى تسهيل عودة اللاجئين. وللوهلة الأولى، تبدو المناطق الآمنة فكرة جيدة، ولكن الواقع أكثر تعقيداً، مثلما تشهد أحداث التاريخ المتنوعة. وعلى رغم من حالات نجاح جديرة بالاهتمام، مثل منطقة حظر الطيران شمال العراق في تسعينيات القرن الماضي، توجد حالات فشل ذريع مثل «سربرينتشا» ورواندا. وما تسمى بـ«المناطق الآمنة» تمثل منطقة جاذبة للأسر التي تجازف بالوصول إلى ما يعتقدون أنه «ملاذ»، قبل أن يجدوا في كثير من الآحيان أنه سراب خطير.
وبالطبع، سيتطلب إقامة «منطقة آمنة» في ظل صراع قائم تدخلاً عسكرياً لتطبيقه، وحماية النازحين المتجمعين بداخلها. ويثير ذلك تساؤلات حول من يمكن الثقة فيهم لحماية المدنيين في صراع معقد مثل الحرب السورية، حيث بدا من الواضح أنه قلما كانت حماية المدنيين تمثل أولوية للقوى الفاعلة في الصراع المسلح. ويبدو كذلك أن «مناطق الاستقرار الانتقالية»، التي يقترحها «تيلرسون» بهدف أساسي وهو أن تكون ملاذاً لعودة اللاجئين، تثير مخاوف من أنه يمكن استخدام هذه المناطق كوسيلة لمنع طالبي اللجوء من تقديم طلباتهم من الأساس، وإعادة الناس بطريقة غير قانونية، كما أنها تمثل إشارة إلى تحول جذري في طريقة تعامل الولايات المتحدة مع قضايا اللاجئين.
وقد أغلقت دول جوار سوريا حدودها، بفعل الإنهاك الناجم عن استضافة أكثر من خمسة ملايين لاجئ، وباتت حريصة على تشجيع اللاجئين على العودة إلى وطنهم بمجرد أن يصبح ذلك ممكناً، ولكن من المؤكد على نحو مؤلم أن سوريا ليست مكاناً آمناً للعودة.
وإعلان أية «منطقة آمنة» يمكن أيضاً أن ينطوي على خطر اعتبار المناطق الأخرى أهدافا مشروعة، وهو ما يقوض مبدأ ضرورة حماية المدنيين كافة. وقد أظهرت التجارب السابقة بشأن الممرات الإنسانية في سوريا أن مبادرات الانتقال والنزوح يمكن استغلالها تماماً في إحراز تقدم عسكري بدلاً من تحقيق هدف إنساني، ويمكن أن تصبح ذريعة لتبرير عمليات القصف المتواصلة والمتزايدة للمناطق التي تسيطر عليها جماعات المعارضة المسلحة.
وفي بداية العام، حذر تقرير، تم تسريبه من وزارة الخارجية الأميركية من أن مليوني مدني وعضو في المعارضة أصبحوا محاصرين في إدلب، بعد السماح لكثيرين منهم بالنزوح إلى هناك.
وعلى رغم من كل ذلك، لا ينبغي أن نستبعد فكرة إقامة مناطق آمنة بشكل كامل. فإذا توافر عدد من المعايير، فهناك احتمال أن تصبح مناطق مشروعة وإنسانية. وهذه المعايير تشمل الشرط الأساسي الذي يجب توافره في أية منطقة آمنة وهو حماية المدنيين من الأعمال العدائية، ووصول المساعدات الإنسانية.
*مدير السياسات الإنسانية في منظمة «أنقذوا الأطفال»
وسوم: العدد 720