هل فكّر حقا وزير التربية الوطنية بجد في استقلالية جهاز المراقبة ؟
نشرت صحيفة ورقية خبرا مفاده أن وزير التربية الوطنية الجديد قد فكر في ربط جهاز المراقبة التابعة للوزارة بكل تخصصاته مباشرة بالمفتشية العامة، الشيء الذي فسّر على أنه توجه لتحقيق مطلب استقلالية جهاز التفتيش الذي ظل المفتشون يطالبون به ، ويجعلونه على رأس مطالبهم ، ومن أجله فكرّوا في إحداث نقابة لهم أجهزت عليها الوزارة من خلال استخدام وتوظيف العناصر الانتهازية . ومعلوم أنه يوجد بالمصالح المركزية للوزارة " لوبي " يرفض استقلالية جهاز المراقبة بل يرفض وجود هذا الجهاز جملة وتفصيلا ، وقد عمل خلال السنوات الأخيرة على ترويج فكرة توجه الوزارة نحو الاستغناء عن هذا الجهاز، الشيء الذي أطرب كل الجهات التي ترفض الخضوع للمراقبة والمحاسبة . ولقد دأب اللوبي الرافض لجهاز المراقبة على استصدار مذكرات تصر على ضرب استقلالية جهاز المراقبة مع الحرص على جعله خاضعا للمسؤولين في الأقاليم والجهات ،علما بأن هؤلاء يكونون خصوما وحكاما في نفس الوقت ، ولا يصلح الخصم حكما ، ذلك أن اختلال المنظومة التربوية قد تعود مسؤوليته إلى هؤلاء بشكل أو بآخر، ولكن مع وجود جهاز مراقبة تابع لهم أو يعمل تحت سلطتهم وإشرافهم كما قرر ذلك لوبي الوزارة، ومجرد من استقلاليته لا يمكن الكشف عن هذا الاختلال، الشيء الذي أدى بهذه المنظومة إلى ما هي عليه اليوم من شبه انهيار وإفلاس تام لن تجدي معه مسلسلات الإصلاح الوهمية التي ثبت عدم جدواها ما دامت المراقبة الحقيقية مغيبة عمدا وعن سبق إصرار . ولعل الوزير الجديد وقد عاش تجربة تدبير شأن وزارة الداخلية يريد نقل تلك التجربة إلى وزارة التربية الوطنية خصوصا التدبير الصارم، ففكر في تفعيل المراقبة والمحاسبة لتحديد مسؤوليات انهيارهذه المنظومة التربوية ، الشيء الذي هداه إلى التفكير في ربط جهاز التفتيش مباشرة بوزارته عبر المفتشية العامة إذا ما صح الخبر وصدق الرواة ، وهو ما سيحقق بالفعل استقلالية هذا الجهاز على غرار استقلالية جهاز القضاء، علما بأن كل شكل من أشكال المراقبة لا يمكن أن يكون فعالا بالتبعية ودون استقلالية . ولا يمكن أن تتحقق استقلالية جهاز التفتيش دون تخلّص الوزير الجديد من اللوبي المتجذر في الوزارة والذي دأب على إبعاد كل من له صلة بالتربية مقابل تقريب الأطر الغريبة عن القطاع من مهندسين معماريين وغير معماريين ، ومن أطر مصالح الضرائب لأن هذا اللوبي يختزل تدبير وتسيير قطاع التربية في الجانب المادي والمالي ، ولا يعني الجانب التربوي والبيداغوجي شيئا بالنسبة إليه بل أكثر من ذلك ينظر بازدراء إلى كل ما هو تربوي وإلى التربويين ، ويجعل شغله الشاغل هو ومن ينصبهم في الأقاليم والجهات الاقتصار على التدبير المادي والمالي والصفقات والنفقات لحاجة في نفوس اليعاقيب ،أما ما يحدث خلف جدران المؤسسات التربوية فلا يعنيهم في شيء ، وينتهي أمره بانتهاء تقارير التفتيش إلى سلال المهملات . ويعتبر رجال المراقبة بالنسبة لهذا اللوبي وبطانته في الجهات والأقاليم عناصر تثير قلقهم وتنغص عليهم خوضهم فيما يعتقدونه الأهم بل يتلقون تقاريرهم باستخفاف وسخرية واستهزاء ، ويتندرون بها عندما يختلون إلى بعضهم البعض . وإذا كان الوزير الجديد حقا يريد خيرا بالمنظومة التربوية فعليه أن يجتمع برجال المراقبة على اختلاف فئاتهم خارج إطار نقابة مخترقة ليعرف حقيقة اختلال المنظومة التربوية ، وليكتشف حقيقة اللوبي الذي يحيط به والذي يظهر له الجدية المصطنعة ، ويتهافت على إظهار الولاء له كما يفعل كلما نصب وزير جديد. ونأمل ألا تخطىء فراسة وزير تمرس بوزارة الداخلية على النظرة البوليسية التي لا تضللها المظاهر أو التظاهر . وعلى الوزير الجديد أن يطوف بربوع المملكة ولا تفوته زيارة مؤسسة تربوية في كل شبر بهذا الوطن ، وأن يجمع بنفسه المعطيات الحقيقية عوض اعتماد تقارير اللوبي المحيط به الكاذبة والمضللة . وعليه أن يصحب معه رجال المراقبة في جولاته لأنهم أدرى بالشعاب التي لا يعرفها اللوبي المتحصن بالمصالح المركزية ، وألا يثق في الذين يحرصون على إظهار وجه غير حقيقي لحال المنظومة التربوية المفلسة لأنهم حين يفعلون ذلك يكون قصدهم التعبير عن رغبتهم الملحة في المحافظة على مناصبهم وما تدره عليهم من امتيازات . ويجب على الوزير ألا يثق إلا فيمن يخبره بحقيقة انهيار وإفلاس المنظومة والأسباب التي أوصلتها إلى ذلك . وعلى الوزير أن ينبش ويفتح التحقيق الجاد والصارم في ملفات الفساد المادي والمالي التي يخشى اللوبي وبطانته في الجهات والأقاليم الكشف عنها ويعتبرونها ملفات مغلقة و قد تقادمت ،علما بأن الجرائم والاختلاسات لا تتقادم . وعلى الوزير أن يبحث في ممتلكات اللوبي وبطانته وتحيين قانون من أين لك هذا ؟ وعلى الوزير أن يفتح ملف الأشباح أيضا بكل أصنافهم وطرق تحايلهم . وعلى الوزير فتح ملف الاستهلاكات المختلفة من وقود وماء وكهرباء .... وعلى الوزير فتح ملف الداخليات ونفقاتها . وعلى الوزير أمور كثيرة تنتظره ، وقد تدله على النبش فيها خبرته التي اكتسبها في وزارة الداخلية المعروفة بالتحقيقات الكاشفة عن كل أنواع الجرائم . ونأمل ألا يكون هذا الوزير مجرد مرهم لا يصل إلى عمق جروح المنظومة التربوية كسابقيه ، وألا تظل حال وزارة التربية كحال دار لقمان . ولئن فشل وزير داخلية سابق في الكشف عن أسباب إفلاس منظومتنا التربوية فلن يستطيع غيره ذلك ممن لا يجيد البحث والنبش . وسلام على المنظومة إذا كان الأمر لا يتعدو مجرد ذر للرماد في العيون كما عودنا الوزراء المتعاقبون على وزارة التربية تعاقب الأزواج الطامعون في أرملة موسرة يصيبونها ويصيبون ما بيدها ثم ينصرفون عنها وقد نالوا منها .
وسوم: العدد 720