تساؤلات بدون اجوبة

تتخذ الاحداث في الشرق الاوسط بصورة عامة مساراً درامياً غير واضحاً، حيث الغالب على السيناريوهات النهايات المفتوحة التي لاتعطي صورة واضحة للحدث، بل تترك المتابع يعيش في حالة من الدهشة، وكذلك تثير عنده الكثير من التساؤلات التي لا اجوبة لها، لكونها لاتحمل سمة الشفافية في الطرح من جهة، ولكونها لاتصدر عن وعي نابع الواقع الداخلي الملامس للشعب من جهة اخرى، فهي في الغالب تخرج من بين براثين التحالفات الخارجية الطائفية والدينية والقومية دون اية مراعات للمكونات الاساسية للمجتمع الشرق اوسطي، فلا السلطات تعمل على وعي تلك المكونات ومستحقاتها ولا الدول المتحالفة تعمل على خلق مسار ونسق داخلي لهذه المكونات، وبذلك اصبحت كل المقولات وكل القرارات وكل التحركات والتصريحات اشبه بالاجوبة للكثيرين، على الرغم من انها ليست الا تأويلات وقتية ربما تلتقي مع الحدث بصورة عارضة او بصورة مؤقتة دون ان تعطي الاجابة الحتمية التي يمكن للمتابع ان يستشهد بها على الصعيد الذاتي او الانتمائي القُطري.

ومن ضمن تلك الاحداث التي كانت ولم تزل تسيل لعاب الكثير من الوسائل الاعلامية من جهة والكثير من التيارات الحاقدة سواء العروبية او المذهبية الطائفية الدينية او حتى الفارسية والتركية، ما يتعلق بالكورد وكوردستان، لاسيما القرار الذي تم اتخاذه من رئاسة اقليم كوردستان باجراء الاستفتاء على استقلال كوردستان في 25-9-2017، الامر الذي احدث تغيراً في صيرورة الاحداث الشرق اوسطية من جهة، وفي صيرورة الاحداث القومية في المنطقة من جهة اخرى، فالشرق الاوسط وبحسب اغلب التأويلات والتحليلات الداخلية والخارجية مُقبل على تغيرات طوبوغرافية واثنية وجغرافية حتمية، لاسيما فيما يتعلق بالدول التي تشهد صراعاً داخلياً مريراً من قِبَل المكونات العرقية غير المتجانسة التي ضُمت الى تلك الدول بصورة قسرية وفق مخططات سبقية" معاهدات واتفاقيات" وضعتها اصحاب القوى المسيطرة على الموجود الكوني " المنظومة العالمية "، والتي لم تزل تمارس عملها بشكل واضح وليس بخفي على احد،تلك المنظومة تشكل الان اهم معلم سياسي اقتصادي عالمي، بحيث ان مصالحها تطغى على اية شعارات قومية او دينية او حتى انسانية.

هذه الدول ذات المكونات غير المتجانسة تضم بين حدودها الكثير من القوميات والمذاهب الدينية التي لايمكن ان تتجانس عبر الحوارات ولا عبر التدخلات العسكرية، بعبارة اخرى ان الانظمة الدكتاتورية التي توالت على المنطقة لربما استطاعت ان تكتم الافواه بالقوة والسجون والاعدامات والابادات الجماعية، الا انها لم تستطع ان توحد تلك المكونات ضمن اطار جغرافي يمكن ان يقال له دولة متجانسة، فكل من لبنان وفلسطين والعراق واليمن والمغرب والجزائر وتركيا وايران وسوريا والسودان كلها دول قد تظهر للعيان اعلاميا بانها دول يمكن ان تعيش وفق منطق التعايش السلمي بين المكونات التي تعيش فيها، ولكن في الغالب الامر شبه مستحيل، فكل مكون له تراثه وتقاليده القومية الخاصة به، وكل مكون له انتمائه العقائدي الذي لايمكن ان يتنازل عنه لاي طرف اخر.

وحين ننظر الى العراق من خلال الاطار المذهبي والقومي سنجد بانه لايوجد اي شيء يمكنه ان يوحد الافكار والتوجهات ولا حتى المساعي من اجل الابقاء على الداخل متجانساً مكملاً لبعضه البعض، فالعرب منقسمون مذهبياً الى سنة وشيعة، ومن يقول بانهما قد يجلسان على طاولة واحدة ويتنازل احدهما للاخر عن سيادته اعتقد بانه يعيش في عالم من الخيال، ومن جانب اخر من يقول ان الكورد والعرب قد يتقاسمون الوطن اي وطن كان امر مستحيل تاريخياً، ومن يقول بان المكونات الاخرى ستعيش وفق منطق محدد فهو الاخر لاينظر الى الواقع الا من خلال انتمائه العرقي المهمين عليه ولربما المثالية المتعالية، لان المكونات الاخرى لن تنظر الا الى مصلحتها وحسب التوجهيات التي تاتي اليها من الخارج اقصد من القوى الدولية التي تنتمي هي اليها.

وبالتالي هذا الانموذج الخرافي ينطبق على اغلب دول المنطقة، فلبنان لاتعيش بعيدة عن هذه النعرات غير المتجانسة، وكذلك فلسطين وسوريا واليمن والمغرب وحتى مصر، وبهذه الحالة تبقى كل المصوغات البلاغية الاعلامية الداعية الى الوحدة الوطنية هي ليست الا اشكاليات وهمية نابعة من تصورات قومية او مذهبية سلطوية حاكمة تريد الابقاء على مكتسباتها السلطوية التي تتحكم هي وحدها بمواردها وبكل مقتنياتها وحتى بتشريعاتها وبعبارة اخرى هي المستفيدة من تطبيقاتها، وليس بخافي على احد ان هذه الفيئات السلطوية القومية والمذهبية لاتملك لحد الان ادنى فكرة عن المعيات والتلازمات الدولية التي تجبر المنطقة على تقبل المتغيرات على جميع الاصعدة، وتلك الفيئات ايضا لاتملك اية اجوبة حول الماهيات التي تفرضها المنظومة الدولية على المنطقة لانها باختصار مشمولة بكل القرارات الصادرة من المنظومة، وعلى هذا النحو  الضبابي تسير المنطقة نحو ما هو مخطط لها مسبقاً، ونحو مستقبلها الذي غالباً ما يمهد له باراقة المزيد من الدماء سواء بظهور تيارات دينية ارهابية كالقاعدة وجند الاسلام والجيش الثوري الايراني وجبهة النصرة وحماس والتيارات الارهابية في الجزائر وكذلك داعش وبوكوحرام وغيرها من التيارات الدينية الارهابية، او من خلال الحروب القومية  والاهلية سواء داخل البلد الواحد او مع دول الجوار، كما سبق وان حدث ذلك في لبنان" المسيحيون بكل طوائفهم - المسلمون بكل طوائفهم-  الدروز " و"فلسطين التياري الفتحي والتيار الحماسي واسرائيل"، والعراق على المستويين "الاهلي بين الحكومات المتعاقبة والكورد -  والخارجي بينها وبين ايران – الحرب القومية المذهبية "، وفي "اليمن – الحرب الطائفية المذهبية "  والسودان التي انشق عنها جنوبها  وكذلك "سوريا- الكورد – العرب السنة – العرب العلوية "، و"تركيا – الحرب الطاحنة بين الحكومة والكورد – بين التيارات السياسية التركية ارودغان وكول – والصراع التركي الفارسي ، والصراع التركي الروسي.." وكذلك في " ايران – بين سلطة ولاية الفقيه والكورد – وبينها وبين العرب في الجنوب الايراني – وبينها وبين دول الجوار – وتدخلاتها في لبنان من خلال حزب الله – وتدخلاتها في سوريا من خلال العلوية – وتدخلاتها في العراق باعتبارها المرشدة والمهيمنة على تحركات الحكومة العراقية"  والى غير ذلك من الدول التي لن تتجانس وستبقى مهددة بالفتن الداخلية قبل الخارجية.

قد ينظر الاخرون الى مقالتي بعين غير مجردة، ويتهمونني باني اثير الفتنة بين الاطياف والقوميات " المكونات " داخل هذه المجتمعات التي اعلامياً يجمعها حدود او دين او حتى اصل وعرق، لكن الحقائق واضحة لمن يريد ان يخرج من داخل قوقعة الاعلام والشعارات والمثاليات الممغنطة باسم الوطنية والوحدة والقومية والدين الطائقي والمذهبي، الى الواقع العياني الذي لايحتاج الى تأويلات الفقهاء، وتحليلات الساسة، فما من قومية لديها الرغبة في التنازل عن حقوقها باسم الوحدة للاخرين، ومن مذهب او طائفة لديها الرغبة في التنازل عن اسبقيتها الدينية الفقهية للاخر، وما من مكون يريد التنازل عن الدعم الخارجي لها في سبيل الوحدوية الشعاراتية التي ينادي بها فقط اصحاب الكراسي السلطوية ليس من اجل بناء دولة قوية انما للحفاظ على سبقيتها السلطوية وتسلطها التشريعي.

ولهذه الاسباب لاشيء يمكنه ان يعيق التحركات والتحالفات على جميع الاصعدة بين هذه المكونات والقوى الداعمة لها خارجياً وداخلياً كي تستعيد حقوقها المهضومة من قبل السلطوية اللامستقلة، فالكورد مثلاً ليس لديهم ادنى شك بانه لن يحكم الخراب المسمى العراق الطائفي حزب او طائفة او قومية الا على حساب القوميات والمذاهب الاخرى، وبالتالي فان اي رضوخ لمنطق العراق الموحد ليس الا خيار الذين لديهم مصالح مادية اقتصادية داخلياً وتبعية خارجية، فالواقع يقول بانه لم تستطع اية حكومة عراقية ان تعطي اجوبة مقنعة للكورد الى وقتنا هذا، الا عبر وعود وهمية وتحركات داخلية وخارجية هدامة، تحاول من خلالها شق الصف الكوردي لابقائهم ضمن دائرة التبعية، فكل التحالفات التي تقوم بها الدولة" السلطوية"  لتحقيق هذا الغرض هي مقدسة، ولكن تحالفات الكورد للحصول على حقوقهم خيانة وعمالة، ووفق هذا المنطق ليس للكورد الا الخروج من دائرة ولاية الفقيه، ومن دائرة التبعية السنية، ومن دائرة الحكومات الطائفية ذات الطابع القومي تارة والطابع الطائفي المذهبي تارة اخرى، الى الحرية والتي لن تاتي الا من خلال الاستفتاء الحر الذي من المزمع اجرائه في "سبتمر" المقبل، وذلك لتحقيق المطلب الكوردي النضالي التحرري من جهة، وكذلك لوضع حد للوعود الوهمية التي لم تزل الالسنة ذات التبعية المذهبية والطائفية تطلقها بين فترة واخرى، فالكورد من خلال سعيهم الدوؤب للحصول على حقوقهم القومية والوطنية لم يحصلوا منذ عقود طويلة خلال مسيرتهم النضالية على اية اجوبة صريحة ومباشرة يمكنهم التشبث بها، لذلك لاامل للكورد الا الاستفتاء الذي من خلاله يقررون مصيرهم بايدهم، حتى ان فشلوا في اداء مهام الحكم فانهم بذلك يقررون مصيرهم بايدهم وليس بايدي الاخرين الذين لايسعون الى لبث الفتنة داخل المجتمع الكوردي لابقائه تابعاً لهم.

وسوم: العدد 727