بيان منتدى الفكر والدراسات الإستراتيجية بخصوص نتائج الحملة العسكرية الهمجية ضد مدينة الموصل
تتعرّض مدينة الموصل في العراق، منذ تشرين الأول/أكتوبر 2016، الى حملة عسكرّية، جوّية وبرّية، واسعة النطاق تحت ذريعة تحرير المدينة من تنظيم (داعش) الإرهابي المجرم. ويأسف منتدى الفكر والدراسات الإستراتيجية ان تتحول هذه الحملة الى عمليّة تدمير هائلة لهذه المدينة التي تتوافر على تأريخ حضاري ضارب في القدم فضلاً عن التطور الكبير في مختلف مناحي الحياة في العصور الحديثة والذي تمثّل في جامعات ومؤسسات تعليمية، مستشفيات ومراكز صحيّة، دور عبادة ومؤسّسات دينية وطرق وجسور وشبكة مواصلات حديثة فضلاً عن معامل ومصانع لمختلف الصناعات المدنية. لقد جرى تدمير كل هذه المعالم في حملة هوجاء، استُخدم فيها الطيران والمدفعيّة الثقيلة وراجمات الصواريخ، من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدّة والقوات التابعة للسلطات العراقيّة، إستخداماً همجياً عشوائياً لا يتناسب مع طبيعة الطرف الذي تتم مقاتلته، وهو ما ادّى الى مقتل عشرات الالاف من أبناء المدينة وفرار الملايين منها حيث اضطّر معظمهم البقاء في العراء فترات طويلة دون اية حماية او رعاية لا من الحكومة ولا من المؤسسات الإنسانية الدوليّة. وبعد ان عانى مواطنو الموصل سوء المعاملة من داعش، وكانوا عرضةً لجرائمها البشعة، كان عليهم مواجهة بطش الميليشيات وبعض الوحدات العسكرية وقوات البيشمركة الكرديّة هي الآخرى.
كما ادّت هذه الحملة العسكرية الظالمة الى إنهيار كامل في البنية التحتية الأساسية للمدينة، وإنهيار تام للمنظومة العلمية التي تتمثّل في جامعة الموصل التي تضم أرقى الكليات العلمية والأدبية في العراق، ولم تسلم المدارس الابتدائية والثانوية من التدمير من خلال القصف وبواسطة التنظيم الإرهابي، ومحو معظم معالم وهوية الموصل، المدينة العربية الإسلامية العريقة بما تظمّ من آثار ومراقد الانبياء وجوامع ومآذن تاريخية وهو ما يوضّح جلياً مدى الحقد الدفين الذي يحمله أعدائها.
ومع اعلان الحكومة العراقيّة عن بقاء جيوب صغيرة لداعش في المدينة فأن ما يبعث على القلق ان معالم الفوضى باتت تسود في المدينة المدمّرة، ودعوات الإنتقام باتت تطغى على دعوات اعمال سيادة القانون وتفعيل مؤسسات الدولة. وها هي اليوم الأحزاب الطائفيّة تستثمر أجواء الفوضى هذه لتواصل العبث بما تبقى من بيوت أبناء الموصل بالسلب والتدمير وإقامة المقرّات لأحزابٍ طائفيّة لا صلة لها بالمدينة وأهلها.
ولما تقدّم:
1. ندعو المجتمع الدولي وفي مقدّمته الدول العربيّة والأمم المتحدّة لاخذ زمام المبادرة والضغط على السلطات العراقيّة لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة لضمان عودة أبناء مدينة الموصل الى ديارهم ولن يتم ذلك الاّ بالبدء بحملة إعمار شاملة وحقيقيّة وحفظ الأمن في المدينة بواسطة أدوات حفظ القانون الرسميّة وابعاد كل الميليشيات والأحزاب الطائفيّة عن المدينة.
2. ندعو المجتمع الدولي لتحمل مسؤوليته تجاه مدينة الموصل في الحفاظ على ما تبقى من الشخصية التاريخية والثقافية لها ونحذّر من عملية التجريف الذي يتعرّض له الارث الإنساني فيها ومكتسبات البشرية التي تراكمت فيها على مدى مئات السنين، ونطالب هنا بتشكيل لجنة دوليّة تشرف على الأماكن التاريخية وتوقف عملية نهبها وتتخذ كل الإجراءات للمحافظة عليها
3. ندعو كل أجهزة الأمم المتحدّة المعنيّة، والدول الأعضاء، ومنظمّات المجتمع المدني العمل من اجل الحفاظ على الانسان في الموصل وحماية حقوقه المهدورة والسعي لتعويضه عن خسائره المادّية والصحيّة وفق القوانين والاعراف الدوليّة الواجبة التطبيق في النزاعات المسلّحة وفي مرحلة ما بعد النزاعات ومحاسبة كل الجهات التي ارتكبت جرائم إبادة او جرائم التطهير العرقي، وكل اشكال جرائم الحرب الأخرى.
4. الرفض المطلق لمحاولات التغيير الديموغرافي والدعوة الى ابعاد كل المليشيات والأحزاب التي وفدت الى الموصل مستغلّةً الغطاء السياسي الذي قدّمته الأطراف التي هي اصلاً متورطة في الجرائم المُرتكبة وفي عمليّات تغيير التركيبة السكّانيّة.
5. ندين كل الجرائم التي ارتكبتها داعش ويجب محاكمة قيادة هذا التنظيم الإجرامي في محكمة دولية مستقلّة عن الدول المتورطة في الملابسات التي رافقت ميلاده او استفادت من وجوده ونشاطه.
6. يتوجب دراسة الجذور الحقيقيّة للإرهاب ووضع الخطط الدوليّة اللازمة لمعالجة هذه الظاهرة المستفحلة بطريقة شفافة وموضوعيّة.
وسوم: العدد 728