ارحمونا من المناكفات
انتهت معركة الصّراع على الأقصى الأخيرة بانتصار الإرادة الفلسطينيّة في الدّفاع عن المقدّسات والعقيدة، ممّا أجبر حكومة نتنياهو على التّراجع أمام الطّوفان الشّعبيّ الذي أدّى صلواته على عتبات المسجد العظيم، وما صاحب ذلك من ضغوطات عربيّة وعالميّة لمنع تدهور الأوضاع وادخال المنطقة في حروب دينيّة.
ومع التّأكيد على أنّ المسجد الأقصى والقدس وبقيّة أراضي دولة فلسطين لا تزال ترزخ تحت احتلال بشع، إلا أنّ افشال مخطط الاستيلاء الكامل على المسجد الأقصى انتصار يستحق الدّراسة واستخلاص العبر منه، وهذا ما نتمنى أن يحصل، لكنّ الأمنيات قد تكون كالرّياح التي" تجري بما لا تشتهي السّفن".
ودعونا نتوقّف لحظة صدق مع الذّات، لنرى صورتنا بلا رتوش، فأحد قادة التنظيمات الاسلاميّة، صرّح لوسائل الاعلام بعد قرار التّراجع عن البوّابات الأكترونيّة، واستبدالها بالكاميرات الذّكيّة، "أنّ الحكومة الإسرائيليّة تراجعت أمام تهديدات الجناح العسكريّ لتنظيمه"! وتبعه لاحقا تصريح لزميل له يزعم فيه دون أن يرفّ له جفن" أنّ المقدسيّين يصلّون في شوارع القدس (للتّسوّل من رام الله والخليج)! وما أن تراجعت الحكومة الاسرائيليّة ولأكثر من سبب، عن جميع قراراتها الأخيرة بخصوص الأقصى، حتّى رأينا تعليقات ومناكفات على صفحات التّواصل الاجتماعيّ، أقلّ ما يمكن القول فيها أنّها ابتعدت عن المنطق بعد الأرض عن السّماء، وتركّزت في غالبيّتها على مهاجمة القيادة الفلسطينيّة، مع أنّها اتّخذت قرارات صائبة وجريئة بخصوص الأزمة، فالرّئيس محمود عبّاس قطع زيارته للصّين، وعاد ليترأس اجتماعات للقيادة تمخّضت عن قرار وقف الاتّصالات مع الجانب الاسرائيلي بما في ذلك وقف "التّنسيق الأمني" وتمّ الاتّصال بقادة الدّول العربيّة والاسلاميّة والصّديقة وحثّهم على التّدخل لوقف الجريمة الاسرائيليّة بحق المسجد الأقصى والقدس، وتمخّض ذلك عن دعوة مجلس الأمن الدّولي للانعقاد من قبل مصر، فرنسا والسويد، ولاحقا مجلس وزراء خارجيّة الدّول العربيّة في الجامعة العربيّة، وتخصيص مبلغ 25 مليون دولار لدعم القدس، فماذا تملك السلطة من قدرات أكثر ممّا فعلت، وبخلت بها حتّى تهاجم من مواطنيها؟
ثمّ انهالت الشّتائم على القادة العرب وعلى دورهم في الأزمة، مع أنّ بعضهم تحرّك دبلوماسيّا لإجبار اسرائيل على التّراجع عن قراراتها.
ومن المحزن لجوء البعض إلى الشّتائم والتّخوين والتّكفير لقيادات وتنظيمات واعلاميّين، دون تمييز بين النّقد البنّاء والشّتائم.
لكنّ اللافت في هذه "المعمعة" أنّ الشّتّامين واللاعنين قد تركوا الجهات المعادية التي تحيك المؤامرات على الأقصى والقدس وغيرهما بعيدا عن أقلامهم! فهل نحن أمام ظاهرة تغييب العقل والمنطق، أم أنّ الضّحيّة تحبّ جلد ذاتها؟
وسوم: العدد 731