وطن مختطف
لن أدخل في دوّامة سجال عقيمة حول حقيقة أبطال الملاعب الذين يلهثون خلف كرة من الدم بجِزَم عسكريّة وجوارب يفوح منها الكيماوي …
إنّ تمثيل المنتخب السوريّ لهتلر القرن الواحد والعشرين ودولة الدمار ونظام القتل هو أمر بدهي لكلّ من كان في دماغه بقايا خلايا تعمل …
بعد كلّ ما حصل ويحصل في سوريّا … بعد كلّ الدمار والقتل والتعذيب والإبادات الجماعيّة تجد الكثيرين ممّن يحسبون أنفسهم على الثورة يُشجّعون فريق المنتخب “الوطني” …
هي نفس الحلقة المفرغة إذًا تعود بنا إلى مطلع الستينيّات حين جاء حزب البعث وسرق البلاد باسم الوطن … ذبح الشباب باسم الوطن … اغتصب النساء باسم الوطن …احتقب كلّ المجازر والمشانع الإنسانيّة باسم الوطن ..
لم تتمكّن دماء الشهداء الغزيرة أو صرخات المعذّبين أو نواح الثكالى أو دوي المدافع أو حمم البراميل المتفجرة من استئصال ذلك الورم السرطانيّ الذي بُثّ فينا منذ الصغر … ما زال أفيون “الوطن” يسبح في دمائنا … ما زلنا طلابًا على مقاعد البعث نهتف للقائد الأعظم وللوطن معًا ….
ما زالت راية الوطن المقدّسة ثقبًا أسودًا تبتلع كلّ القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانيّة … وما زال الوطن لصيقًا بدُبر المستبدّ يُرافقه أينما ذهب … يستر به عورته ويحشد خلفه الذباب والعبيد والحمقى …
لم تقم الثورة لتحرير الإنسان فحسب بل لتحرير العقول والمفاهيم التي امتطاها المستبدّون والقتلة وأثقلوها بأوهام وشعارات تضمن لهم الخلود ….
الوطن هو ليس النظام السياسيّ الحاكم ..
الوطن هو ليس خرقة القماش التي ترفع في أروقة السياسة …
الوطن هو الإنسان … هو الحريّة … هو الكرامة …
وما الأرض إلّا جزء من تلك المنظومة الشاملة … متى انتفى أيّ من مكوّناتها استحال الوطن شيئًا آخر …
قد يجد العبيد في المنتخب “الوطنيّ” ملاذًا مريحّا يشبعون به غريزة الوطن البدائيّة التي ما انفكّوا منها.. هو شبح الوطن الزائف الذي أعمى أبصارهم وفشلت كلّ مجازر المستبدّ وفظائعه من أن تكشف حقيقته …
إنّ تشويه المفاهيم وتسلّق الشعارات هي الآلية المثلى التي خوّلت المستبدين من استعمار بلادنا وتحويل أبنائها إلى بيادق حمقى تتخندقُ في صفّه وتموت في سبيله …
وطننا مختطف منذ عقود طويلة …سوريا مختطفة بجميع مكوّناتها السياسيّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة
ومَثَلُ سوريا اليوم كمَثَلِ أمّ تمّ اغتصابها وتعريتها وتكمميها … رفعها القتلة شعارًا لهم … وصفّق أبناؤها طربًا لسماع اسمها ..
ونسوا أنّها مغتصبة!
وسوم: العدد 737