للكورد حقهم في تقرير مصيرهم
الدّارس للتّاريخ في المئة سنة الماضية سيجد أنّ شعوب ما بات يعرف بالشّرق الأوسط، جميعها ضحايا للامبرياليّة العالميّة التي سيطرت بشكل كامل على المنطقة في أعقاب الحرب العالميّة الأولى، وتفكيك الدّولة العثمانيّة، ومن نتائج سيطرة الاستعمار الغربي على المنطقة هو تقسيم العالم العربي إلى دويلات، وتغذية الاقليميّة لمنع إقامة دولة عربيّة قوميّة، وكذلك لمنع الكورد من إقامة دولتهم القوميّة، فقسّموهم بين أربعة دول "تركيّا، العراق، سوريّا، ايران" تماما مثلما ألحقوا اقليم عربستان العربيّ بإيران، وألحقوا لواء الاسكندرونة العربيّ بتركيّا، وما صاحب ذلك من التّمهيد لإقامة دولة اسرائيل على فلسطين، لمنع تواصل الجزء الآسيويّ من الوطن العربيّ مع الجزء شمال الافريقيّ، ولتكون قاعدة متقدّمة لهم لقهر شعوب المنطقة.
ومع تضارب المصالح حينا وتلاقيها حينا آخر، وبغضّ النّظر عن المخطّطات والأهداف الامبرياليّة، فإنّه يجب عدم التّغاضي عن حقّ الشّعوب في تقرير مصيرها على ترابها الوطنيّ، لتعيش في سلام ووئام داخليّ وخارجيّ خصوصا مع جيرانها.
والكورد جزء أصيل من المنطقة، ومن حقّهم أن يقرّروا مصيرهم، وأن يقيموا دولتهم القوميّة على ترابهم الوطنيّ، فقد لاقوا ولا يزالون الويلات من الأنظمة التي كانت تحكمهم.
والدّول الامبرياليّة التي قسّمت الأراضي الكورديّة بين أربعة دول، هي نفسها التي دعمت الأكراد للثّورة ضدّ الدّول التي يتبعونها، وفي الوقت نفسه ساعدت الأنظمة الحاكمة في تلك الدّول على قمعهم؛ لتبقى المنطقة مشتعلة وغير مستقرّة، ففي ذلك تأمين لمصالح الدّول الامبرياليّة خصوصا بعد اكتشاف النفط. وفي ذلك تأمين لحليفتهم اسرائيل من خلال منع إقامة أيّ قوّة عربيّة أو اسلاميّة قد تهدّدها.
لذلك فإنّ اسرائيل دعمت كورد العراق منذ ستّينات القرن الماضي وحتّى الآن، لا حبّا بالكورد، وإنّما كراهية بالعراق. ولولا أنّ تركيّا التي تتواجد فيها الأغلبيّة الكورديّة عضو في حلف شمال الأطلسي، لتمّ دعم الكورد فيها من قبل الدّول الغربيّة وفي مقدمتها أمريكا تماما مثلما يجري في العراق وسوريّا.
وبالنّسبة للكورد في العراق، فهم مدعومون من أمريكا واسرائيل، حتّى قبل الاعلان عن المشروع الأمريكيّ"الشّرق الأوسط الجديد"، ومعروف أنّ المنطقة الكورديّة في شمال العراق شبه منفصلة عن العراق منذ حرب الخليج الأولى بداية العام 1991.
وما حرب أمريكا وحلفاؤها على العراق واحتلاله وتدميره وقتل وتشريد شعبه عام 2003، وما تبع ذلك من حكومات طائفيّة إلا مقدّمة لتنفيذ المشروع الأمريكي بإعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، خدمة لمصالحها وفي مقدّمتها الحفاظ على حليفتها اسرائيل.
ومع التّأكيد على حقّ الكورد في تقرير مصيرهم، وإقامة دولتهم القوميّة المستقلة، إلا أنّ الزعيم الكوردي مسعود البرزاني ما كان ليقدم على خطوته معروفة النّتائج سلفا، باجراء انتخابات حول استقلال الكورد في شمال العراق دون ضوء أخضر أمريكيّ، بعد تعبئة الشعب الكورديّ بأن لا حليف له في المنطقة غير اسرائيل، وما تمثّلة كقاعدة عسكريّة أمريكيّة متقدّمة في المنطقة. ومن هنا جاء شكر وامتنان قائد البشمركة الكوردية يوم الانتخابات لنتنياهو وحكومته على دعمه للأكراد.
فهل تدرك القيادة الكورديّة أنّ مصلحتها ومصلحة شعبها هي مع دول الجوار، وليس مع اسرائيل؟ وأنّ الرّوابط التي تربط الشعب الكوردي مع العرب والاتراك والايرانيّين هي روابط تاريخيّة لا يمكن القفز عنها، وأنّ تحالفهم مع اسرائيل كما تريدهم أمريكا سيخلق لهم ولغيرهم مشاكل هم في غنى عنها. وبالمقابل فإنّ على دول وشعوب المنطقة أن تتقبّل برضا تامّ حق الكورد في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلّة، وهذه قضيّة حتميّة، والقبول بها سيجنّب المنطقة صراعات وحروب هي في غنى عنها.
وسوم: العدد 739