النَّفسُ بالدِّينِ مثلُ الأرضِ بالدِّيَمِ = تحيا به قيمٌ كالنَّفحِ في العَنَمِ
يسقي هُداهُ خُطَى أيَّامِها رَشَدًا = فَيُجْتَلَى السَّعيُ بينَ الخيرِ والشِّيَمِ
والدِّينُ سلسالُه عَذْبٌ وأكؤُسُه = تروي به ظمأَ الإنسانَ من سَقَمِ
إذْ عاهدَتْ ربَّها ألاَّ يكونَ لها = غيرَ الإنابةِ في أيَّامِها الدُّهُمِ
يانفسُ عودي إلى نورٍ أتى فَهَدَى = بسابقِ العفوِ وافى غيرَ مُنْكَتِمِ
مرَّت عليكِ الرزايا غيرَ عابئةٍ = بقسوةِ الهجرِ فالَّلذَّاتُ لم تَدُمِ
حتى أتاكِ انسيابُ الأُنسِ رَيِّقُه = يَنفي الضياعَ ويَجلو عابثَ التُّهَمِ
فأقبِلي والحقي الأبرارَ إنَّهُمُ = بالشَّوقِ جازوا وبالرضوانِ في القَسَمِ
قد أنبؤونا بما نالوا فلا رَجَعَتْ = أهواءُ أهلِ التي أغوتْ ذوي الهممِ !
قد أرخصوها بلذَّاتٍ مُذَمَّمَةٍ = وأوهَنُوها بزيفِ الإثـمِ والَّلممِ
يانفسُ قد هتفَ الدَّاعي فَهَبَّ إلى = طيبِ الإجابةِ مَن لم يَعْشُ في الظُّلَمِ
فقد زَهَتْ بالرضا آفاقُها وَجَنَتْ = ثمارَ لهفَتِها من دفقِه الشَّبِمِ
لمَّـا هَفَتْ والليالي بعدُ مقمرةٌ = بسابقِ الفضلِ من ذي البِرِّ والكرمِ
فَسَعيُها الحُلْوُ ماخابت فرائدُه = وللغدِ المُرتَجَى الإثمارُ في سَنَمِ
فّعّذْبُ مُزْنَتِه لم يَنْ ءَ عن فَطِنٍ = فقد سقاها حنايا تَّائبِ و ظَّمِي
فسيرةٌ عَذْبَةٌ في سِفرِ فطرتِه = إلى اجتناءِ الهدى والفَهمِ والقيمِ
وهذه الأنفُسُ الإسلامُ هذَّبَها = فأينعتْ بالضَّميرِ الحيِّ لم تُضَمِ
وأهلُها اليومَ مجهولونَ في زمنٍ = عاثَ الرَّعاعُ به بالإثمِ والوخمِ
لايفرحون لأمرٍ غيرِ ذي شيمٍ = ولا يُلبُّونَ إلا صادقَ الكَلِمِ
بوعيِ طيبِ الحديثِ العَذْبِ لفظتُهم = على شِفاهِ العلى تُروى لِمُغتَنِمِ
ركابُهم في ظهورِ الشَّوقِ مابرحتْ = ترومُ بالسَّيرِ قهرَ الغيِّ في القُحُمِ
فأدلجوا والليالي البيضُ شاهدةٌ = يوفونَ إذ عاهدوا الرحمنَ بالقسَمِ
يُعِدُّهُم منهجُ القرآنِ أكرمه = ربُّ السَّماءِ برحْماتٍ لذي فَهِمِ
ويسألون بها الرحمنَ حيثُ لهم = منه المواهبُ خيرًا غيرَ منصرمِ
فنورُ آياتِه تُغني روايتَهم = إنْ ساءَلَ الناسُ عنها كلَّ ذي قِيَمِ
هيهاتَ قد عَجَزَتْ أقلامُ شانئِها = عن أن تُنيرَ دروبَ الخلْقِ في الظُّلًَمِ
لمَّـا أتى عانَقَتْهُ الأرضُ وابتسمتْ = بالباسقاتِ مغاني المجدِ والرَّسمِ
هي الرسالةُ والوحيُ الجليُّ وما = أوحى به اللهُ من علمٍ ومن حِكَمِ
مَنْ يغْشَ أفياءَها يُدركْ مآثرَها = ما امتدَّ عُمْرُ أماسيهِ ويستقمِ
ويُدْرِكَنْ جوهرَ التقوى فتصلحه = فليس يدركُه ما كان من وصَمِ
هي الشَّريعةُ إسلاميةٌ سَلِمَتْ = من كلِّ زيغٍ ومن بغيٍ ومن تُهمِ
ومهَّدَتْ سُبلَ العلياءِ إذْ فرشتْ = دربَ الأفاضلِ بالأسمى من السِّيمِ
ويشهدُ الناسُ في الآفاقِ رفعَتَها = فقد أضاءتْ مغانيهم بلا ضَرَمِ
فبوركتْ أُمَّـةٌ ترعى أحبَّتَها = وليس تهجُرُ من ناءٍ ومن رَحِمِ
جمالُ سيرتِها لم يبلَ من حِقَبٍ = مرَّتْ عليها عِجافٍ في دجى القُحُمِ
فَلْيُقْبلِ اليومَ أفواجُ الشبابِ على = محامدِ الذِّكرِ يرقَوا أكرمَ القِممِ
وَلْيعلموا أنَّ دينَ اللهِ حُجَّتُهم = بينَ الورى فَهُدَاهُم غيرُ منكتمِ
مَن جـدَّ في السَّعيِ فيها نال رفعَتَها = وعن مناهِجِها الغرَّاءِ لـم يَجِمِ
فنحنُ من أُمَّـةٍ عزَّتْ بشرعتِها = ولم يصبْها هوىً يُودي إلى السَّأمِ
ويزدهي القلبُ مشتاقًـا لسلسلها = يسقيهِ من دِيَمٍ تحلو ومن شيمِ
ألم يكنْ شأنُها يعلو ورايتُها = في الخافقينِ لغيرِ الخيرِ لم تَحُمِ
ألم تَرَ الأمنَ في أرجاءِ دولتِها = يحبو بنور الهدى الأرجاءَ في الأممِ
قد طابَ تاريخُها عطفًا ومرحمةً = فلم تدعْ فوقَ وجهِ الأرضِ من ألمِ
هيهاتَ يدركُ مَن غامتْ حضارتُه = بالموبقاتِ سُمُوَّ الأخذِ بالذِّممِ
هي الحضارةُ مادانتْ لمَن فسقوا = وليس تحلو لِمَن يمشي بلا دَعَمِ
قد أغرقتْ أُمنياتِ الناسِ خسَّتُهم = بالجَورِ والظلمِ والإفسادِ والنقمِ
فما لسيرتِهم في جَفنِ أُمَّتِنا = بصيصُ ضوءٍ وَشَى من ثغرِ مبتسِمِ
وجوهُ أعدائنا باللؤمِ كالحةٌ = ومن تَلَهُبِ جمرِ الحقدِ والفَحَمِ
تكالبوا حِقَبًـا في محقِ عزَّتنا = ورميِ فرسانَنا بالصَّابِ والوصمِ
أيامُهم مظلماتٌ في مرابِعِنا = قد أسلموها لأهلِ اللهوِ والوخَمِ
وصنَّفوها كما شاءت مثالبُهم = تَخَلُّفًـا في يَدَيْ رجعيةِ النُّظُمِ !
فباتَ عنوانُنا الأسمى بلا وزرٍ = ولا نصيرٍ وأخوتْ بهجةُ القيمِ
عزاؤُنا أننا عشنا بلا سفهٍ = وأنَّ خِسَّتَهم في العيشِ لم تُرَمِ
ومَن تباعدَ عن إسلامِه هبطتْ = في الخَلقِ أسهُمُه في الرأيِ والفَهَمِ
لكننا وليالي الدهرِ مفعمةٌ = يُرجَى لَهُنَّ هدى الرحمنِ ذي العِظَمِ
يُحيي مواتَ قلوبٍ شانَها خَطَلٌ = ويبعثُ العزَّةَ القعساءَ في البُهَمِ
ميدانُ قوتنا لم يَخْلُ من نَفَرٍ = لله قد هُرعوا في كلِّ مصطدمِ
وعاجلوا اليومَ أعداءَ الهُدى بِيَدٍ = يشدُّها الحقُّ لم تغدرْ ولم تجمِ
قد أورقَ الحقلُ أمجادًا بها سِيَرٌ = ياحُسْنَ مبتدأ فيها ومُختَتَمِ
يبقى الخلودُ لدينٍ غيرِ منحسِرٍ = فذا بناءُ عُلاهُ غيرُ منهدمِ
وما الفخارُ بتصنيعِ الحديدِ ولا = قذف القنابلِ والغازاتِ والحممِ
لكنَّه ويحهم في ظلِّ شِرعَتِنا = وفي مثاني كتابٍ جِدِّ محترمِ
أليس منا رسولُ اللهِ مَن شهدتْ = له السماواتُ والأرضون بالعِصَمِ
بلى ، وفي غَدِنا الوضَّاءِ نبصرُه = فجرًا لفتحٍ مبينٍ غيرِ منبهمِ
فَلْنَدْنُ من مرفأ التقوى فإنَّ لنا = عهدًا من اللهِ لم يُهتَكْ وينفصِمِ
وما تثاقَلَ قلبٌ يومَ نفرتِه = للهِ بالتَّوْبِ والتغييرِ للهممِ
إلا دعتْهُ دواعي لذَّةٍ ملكتْ = عليه رفعتَه فانحازَ للتُّهَمِ
فسارِعَنْ يا أخا الإسلامِ وَأْتِ إلى = مكانةِ العزِّ بالرحمنِ واعتصمِ
نفيرُ نفسِكَ تجديهِ مسارعةٌ = إلى اجتثاثِ مساويها فلا تنمِ
فعشْ لها مؤمنًـا مستيقظًا فَطِنًـا = ففي المسارعةِ الجدوى لكلَِّ ظمي
فالنفسُ تسمو بحفظِ الذَّاتِ من فِتَنٍ = ومن أذى الصَّائلِ المذمومِ والخَصمِ
وحاذرَنْ من مهاوي غفلةٍ عصفَتْ = بها اللذائذُ من فُحشٍ ومن لمَمَِ
فإن نجوتَ فحبلُ اللهِ يُدركُه = مَن اتقى شبهاتٍ جِئْنَ بالسَّقَمِ
صلاحُ نفسِ الفتى فخرٌ لأُمَّتِه = وقوَّةٌ تُجْتَنَى في ساعةِ الغُمُمِ
فيها التَّراحمُ يُلفَى والتواصُلُ في = دفعِ النوائبِ إنْ هاجَتْ بِمُلْتَطَمِ
إذا دعا القومَ داعيهم لنازلةٍ = رأيتَهُم في اللقا يوفونَ بالذِّممِ
فاقتْ شمائلُهم مَن كانَ معتقدًا = بها تَفَوُّقَه في أجودِ القِسَمِ
لايعتلي سِدَّةَ الأمجادِ ذو رِيَبٍ = ولا ينامُ خليًّـا خائنُ الذِّممِ
لنفسِكَ استشرفِ العليا وإنْ عَزَفَتْ = فاستَفْتِها ولها بالعارِ فاتَّهِمِ
لعزَّةِ النفسِ بالإسلامِ مركبُها = فليس تغرقُ في يـمٍّ ولا غُمُمِ
الدِّينُ ميَّزها فاستبعدتْ جُرُمًا = وتهلكُ النفسُ إن عاشتْ على الجُرُمِ
تبقى مقيَّدَةً في عجزِ همَّتِها = وتُستَنامُ إذا عاشتْ بلا هِممِ
وبالهُدى يصطفيها دون همَّتِها = ففضلُها في المعالي غيرُ منصرمِ
إنَّ المآثرَ تُغني شأنَ صاحبِها = فالعيشُ بالقيمِ العليا فَخَارُ كمي
فَجَنَّةُ الطُّهرِ ربَّانيَّةٌ عبقتْ = فيها رياحينُها بالفائحِ العنَمِ
تغدو بها النفسُ حثَّ الشَّوقُ لهفَتَها = للأُنسِ باللهِ لا بالشَّائنِ الوَخمِ
تعيشُ أنفُسُ بعضُ الناسِ في عبثٍ = لاترعوي إن طغتْ كالعاصفِ العَرِمِ
فتستبيحُ هوىً قد كانَ حرَّمه = ربُّ السماءِ وشرًّا غيرَ منحسِمِ
فضيَّعتْ فضلَها في تيهِ حسرتها = بالموبقاتِ بليلِ الأشهُرِ الدُّهُمِ
تَبًّـا لمَن عانقَ الأوزارَ فارتحلتْ = به المخازي جفتْها زينةُ الحِكَمِ
وقرَّبَتْهُ إلى كفِّ البوارِ وفي = غدٍ ستصفعُه بالبؤسِ والنَّدمِ
فحاذرَن يا أخا الإسلامِ مسلَكَها = في الجَورِ والظلمِ مثل الهائجِ الغَلِمِ
شريعةُ الله مفتاحٌ لرفعتِنا = وبابُهـا لم يزلْ للخيرِ والعِصَمِ
أذلَّ ربُّ الورى في العيشِ شانئها = فما له موئلٌ في العزِّ والشِّيمِ
تهيمُ نفسُ الشَّقيِّ الفاسقِ ارتطمتْ = بفِسقِه فإلى أهلِ الفجورِ نُمـي
وليس يسعفُه أخدانُه خذلوا = إذْ جانبوهُ بتيهِ الرَّغمِ في الأَيُمِ
فعاشَ عبئا على أطرافِ أرصفةٍ = حولَ الملاهي خدينَ الكأسِ والنَّغمِ
لايُرتَجى منه خيرٌ كانَ يُنكرُه = وعاشَ يقطعُ حبلَ الوُدِّ والرَّحِمِ
وباعَ فطرتَه للشَّرِّ فانتكستْ = به حياةٌ سمتْ بالطُّهرِ لم تَدُمِ
يابائعَ الخيرِ بالشَّرِّ القبيحِ أَفِقْ = من قبلِ خسرانِكَ الأيَّامَ واعتزمِ
ولا تَغُرَّنَّكَ الدنيا وبهجتُها = فظلُّها زائلٌ فاحذرْ ولا تَحُــمِ
كم صائلٍ بالمخازي عاشها بطلا = وأبطَلَ القدرُ المحتومُ فعلَ كمي !