ألقى الجَمَالُ بِنَاظري بُشرى= لمَّا الشَّآم ضياؤها أَسْرى
ولقد أتى والبُعْدُيخْذُلُني= وقد اقْتَرَبْتُ فَهَاجَتِ الذِّكرى
ولقد رأيتُ بحسِّها بَلَدي= تحكي دِمَشقَ عُيُونُها شِعرا
قَمَراً يُحاكي مثلَه بَشَراً= ألَقَاً تماهى يعْقِدُ السِّحرا
ويُجَدِّلُ الأوصافَ رائعةً= ويصوغُ فِتْنَتَها لنَا سِرَّا
تَلْقَى مُحَيَّاهَا بِصَبْوَتِهِ= ياحُسْنَهُ مُتجمِّلاً سِترا
والوجْهُ لألاءٌ لناظرهِ= يُهدي الغمامُ عُيونَها قَطرا
والغُوطةُ الفيحاءُ بُؤْبُؤُها= عُرْسُ الجِنَانِ تَعَانَقَتْ خُضرا
يابَهْجَةَ الإشْراقِ مُبْصِرَةً= والنُّور فيها يَغْزِلُ الفَجْرا
فكأنَّ ماتَحْويهِِ لُؤْلُؤَةً= أعماقُها تجلو لنا البحرا
أنغامُهُ تَسْري بِأَوْرِدَتي= والقلبُ يعزفُ لحنَهُ جَهرا
والنَّبْضُ فيها مَحْضُ أغنيةِ= لاتنتهي وَبِحِسِّها أُخرى
وتَهَادَتِ الأَنْسَامُ مُشْبَعَةً= فكأنَّها قد ضُمِّنت عِطرا
بحديثها المسكوبِ من دُرَرٍ= وبحُسْنِهَا الأطيابُ ذي تترا
من شامنا حيث الهَوَى غَرِدٌ= أصداؤه ببلابل البُشرى
كلُّ الورودِ تفتَّحت وبها= طِيبُ الشَّآمِ ونَفْحُها طُهرا
بتلاتُها حَاكَتْ مثيلتَها= والياسمينُ مُفَوِّحاً نثرا
والأحمرُ الجُوريُّ مُبتهجٌ= عِطْرٌ تناثرَ للِّقا أثرى
والزَّنبقُ الأخَّاذُ فاح شذىً= والأُقْحُوانُ بِثَغْرِها أدرى
وتُزيِّنُ الأخْلاقُ صُورَتَها= والدِّينُ يرفعُ للعُلا قدرا
ودمشقُ تحكيها أَصَالتُهَا= وجَمَالُها وعُيُونُها ذِكَراً
وعلى محيَّاها انْبَرَى كَِلمِي= فَجَرَى الحديثُ بخافقي نهرا
فيه العُذوبةُ مِثلُها بَرَدَى= يجلو البيانَ بسَكْبِِها دُرَّا
والليلُ حولي حالمٌ فَرِحٌ= فقد انجلتْ أنوارُها بدرا
فأنستُ في ليلي بومض سنا= و لُجَيْنُهُ للقلبِ قد أورى
شَمْسَانِ في يومي عجبتُ لها= سُبْحانَهُ قد أَشْرَقَ الصُّغرى
فتألَّقتْ دُنْيَايَ سَاطِعَةً= واسْتَبْشَرَتْ واسْتَمْطَرَتْ أمرا
ولقد كَتَبْتُ بِمُهْجَتي كَلِمِي= وبِمُهْجتي شِمْتُ الهَوَى حُرَّا
وسَكَبْتُ أَعْمَاقي لهُ نَغَمَاً= وَرَأَيْتُهُ بِالرُّوحِ قد أسرى
حيثُ الفُؤادُ يصُوغُ أُغنيةً= والقلبَ يُبْرِقُهُ لَهَا مَهْرا