هوامش :
( 1 ) ظنين : متهم .
(2) السُّها : كوكب في بنات نعش الكبرى يُضرب به المثل للسمو والرفعة .
(3) الوزين : حب الحنظل .
(4) القطين : الخدم .
(5) بعد الأربعين : بعد سِن الرُّشد .
(6) الحزون :الأرض غير السهلة . والسعي عليها فيه مشقة .
(7) هرطقات :مصدر هَرْطَقَ, الهَرْطَقَة : الإِتْيَانُ بِالْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لأُصُولِ الدِّينِ .
(8)حانقين : الحانقٌ على الحياة : هو الحاقد المتبرّم والمتشائم .
(9) الوكون : أعشاش الطيور .
(10) قمين : جدير .
(11) الضَّئين : الغنم .
(12) القيون : صانعو الحديد : ( مايسمَّى بالدول العظمى ) .
(13) المجتري : الُمْجَتِرئ .
لا رأى الفاجعُ حالَ المُعْرِقينْ = والطَّريدَ الحُــرَّ مَن يحمي العرينْ
أو درَى فِعلَ الليالي إذْ طَوَتْ = في مغانيهم بساطَ السَّامرينْ
ليس في الأرضِ كما في أرضِهِم = من كآباتِ وجوهِ السَّاكنينْ
سَلَبَ الظُّلْمُ سُوَيْعَاتِ الهنا = إنَّ مفتي الظُّلمِ في الدنيا ظنينْ (1)
فالطَّريدُ الفذُّ من أجل الهدى =باتَ في أُفْقِ السُّها لايستكينْ (2)
يتثنَّى وفـمُ المجدِ لـه = يتغنَّى اليومَ بالحرفِ الرَّصينْ
وكنورِ الصُّبحِ في وجـهِ العلى = مانأى الملهوفُ عن أحلى سفينْ
تنطوي الُّلجةُ في إقدامِه = لايبالي بالرزايا والمنونْ
يمنحُ العاني إباءً صارخًـا = صرخةَ الثأرِ بأعماقِ السِّنينْ
والبطولاتُ حديثٌ يُجْتَنَى = من رفبفِ النَّقعِ ، شذوِ الظَّافرينْ
هكذا كان أخو نجدتِنا = يُرخِصُ العمرَ ، يُضحِّي بالوتينْ
يزرعُ الحقلَ ببذراتِ المنى = في سبيلِ اللهِ ذا الظلُّ الأمينْ
يومَ ألقى لهفةَ الشَّوقِ إلى = جنَّـةِ الخُلدِ ففاضت بالحنينْ
وبشوقٍ لم تزلْ رِقَّتُه = تملأُالصَّدرَ بطيبِ المُنْجِببِنْ
فالطَّريدُ اليومَ رمزٌ للفدا = للوفاءِ الحُلْوِ رغـمَ المفسدينْ
لايغالي بالحكاياتِ التي = جعلتْ سِفرَ الأماني في ظنونْ !
تخدعُ الأُمَّةَ أوهامُ الذي = يمزجُ الشَّهدَ بمسحوقِ الوزينْ (3)
لاتُغادِرْها ففيها المجتَنَى = زادُكَ الميمونُ يابنَ الصَّالحينْ
ليسَ تُجدي في الورى أُمَّتَنا = رنَّـةُ العودِ وموسيقا المجونْ
أو ستُحييها طبولٌ دّوَّخَتْ = جيلَنا المكدودَ يحيا مستكينْ !
أو رؤى الأحزابِ باءتْ بالأسى = أو جناياتُ رعيلٍ مفلسينْ
يالها من حسرةٍ قد أضرمَتْ = جمرَها المسعارَ في القلبِ الحزينْ
هذه أُمَّتُنا في بؤسِها = في شجاها ، أَوَتَرْضَاها بدونْ !
كيفَ ترضَى وهنَها مُقْعَدَةً = بعدَ بأسٍ وجهادٍ لايلينْ
نصرَ اللهُ بها أجنادَه = في الميادين وما كانت تهونْ
وأُقيمَ العدلُ في أرجائِها = وأصابَ المعتدي حتفَ المنونْ
لـم تعشْ في كبرياءٍ سَفَهًـا = فجناحُ الرحمةِ المُثلَى يلينْ
فَشُعُوبٌ أسلمتْ لمَّـا رأتْ = رحمةَ الإسلامِ حتى بالقطينْ (4)
ونأتْ عن صانعي أنظمةٍ = مالها في أرضِهم من مٌعْجَبِينْ
وأتى أبناؤُها شوقًـا إلى = كَنَفِ الإسلامِ طوعًـا مدلجينْ
قد تَجَلَّتْ شمسُهم فانحسَرَتْ = ظلمةُ الغفلةِ عند التائبينْ
وتنادوا لاصطفافٍ خلفَ مَنْ = جاءَ بالوحيِ إمامُ المرسلينْ
قد كفاهم أن يعيشوا هَمَلا = وَهُـمُ الخيرةُ بين العالمينْ
مجدُهُم لم تَتَبَوَّءْهُ على = حقبِ الدهرِ فلولُ المشركينْ
تنجلي سيرتُهُم عن قيمٍ = أتقنوا جودَتَها للمُقْتَفِينْ
وحِسانُ المُؤثَراتِ ازدهرتْ = وَغَدَتْ نبراسَ أصحابِ اليمينْ
هؤلاءِ القومِ : فخري في المدى = رضيَ الرحمنُ عنهم مخلصينْ
أَرِنِي أمثالَهم في عالَمٍ = باتَ بالزُّورِ يُحَيِّي المفترينْ !
فَانْظُرَنْهُمْ هم مصابيحُ الدُّجى = في الملمَّـاتِ أيادٍ و عيونْ
وعطاءاتُ قلوبٍ غمَرَتْ = بيئةَ المحتاجِ بالنَّفحِ الهتونْ
أينَ منهم مَن تمادى في الهوى = هملا ، واستأنسُوا بالمارقينْ !
وانضووا تحت شِعاراتٍ هَوَتْ = بالخساراتِ ، أفيهم مَن يعوونْ ؟؟
إنَّهم ضاعوا وضاعتْ فُرَصٌ = مارعوا فيمَتَها كالعارفينْ
قد أناخُوا لو ترى حالَتَهم = بعدَ ضَنْكِ السَّعيِ بعدَ الأربعينْ (5)
يَتَمَنَّوْنَ وقد داهمَهم = حظُّهُم هذا غياباتِ المنونْ
إنَّما الكربُ ابتلاءٌ لم يجدْ = غيرَ صبرِ المتقين المؤمنينْ
وهو الهـمُّ الذي تحملُه = في سبيلِ اللهِ نفسُ الصَّالحينْ
فالرَّزيَّاتُ تُوَلِّي والأذى = يتوارى في حنايا الثَّابتينْ
والطَّريدُ الفذُّ آلى أن يرى = مطلعَ الفتحِ بأهدابِ اليقينْ
مشرقًـا حُلْوًا كموجاتِ السَّنا = إن تجلَّتْ في مُحَيَّاهُ السنونْ
لاتَهنْ من ظلمِهم لاتبتئسْ = أنتَ من جندِ نبيِّ العالمينْ
عاشَها الصَّحبُ على شدَّتِها = فاضمَحَلَّتْ بصُمودِ المكتوينْ
كلما ازدادَ الظلامُ انفرجَتْ = فاسألِ الشَّعبَ الذي لايستكينْ
كيفَ بالظلمِ وقد حان الجــزا = وتهاوى صنمُ الكفرِ اللعينْ
وبدا فيها أبو جهلٍ على = مُديةِ الموتِ يعانيها حزينْ !
قد أذَلَّ اللهُ مَن عادى الهدى = ومَن استحلى عذابَ المسلمينْ
هم تعاووا سبعة مع حشدِهم = وبقايا المرجفين الغافلينْ
فَتَغَشَّاهُم عذابٌ ماحقٌ = فانقضَتْ حِقبةُ كِبرِ المجرمينْ
إنَّـه اللهُ فلا تحزَنْ إذا = عِشْتَ للهِ بأخلاقٍ و دينْ
إنَّـه اللهُ فلا تحزَنْ إذا = وجهُك اليومَ لظُلمٍ لايبينْ !
إنَّك الأعلى ، وأمَّـا المعتدي = فعلى المستنقعِ الأحوى يهونْ
إنَّها العُقْبَى لِمَن عاشِ لها = في البريَّاتِ طريدًا في الحزونْ (6)
هكذا ينصُرُهُ ربُّ الورى = رغمَ ما يُحشَدُ للدِّينِ المكينْ
لم يزلْ إسلامُنا منتصرًا = فهوَ الكنزُ ومرماهُ ثمينْْ
رحمةٌ فيه وفيه عزَّةٌ = ولديه قوَّةٌ تسمو و لينْ
ومثانيه لأربابِ النُّهى = فِكَرٌ تسمو و علمٌ وشؤونْ
ونجَاوَى عابقاتٌ بالرضــا = تُشْتَرَى نفحتُها في كلِّ حينْ
فبهَدْيَ المصطفى منهجُها = يُفتَدَى بالمالِ عهدًا و الوتينْ
سُنَّةٌ لمَّـا تزلْ باقيةً = مثلَ نورِ الصبحِ إذْ يَغشَى الجفونْ
عاشَها من أجلِنا أحمدُنا = فرؤوفٌ ورحيمٌ وحنونْ
وعليه اللهُ صلَّى إنَّـه = أكرمُ الخَلْقِ أتى في المنقذينْ
تشهدُ الدنيا على رِفعتِه = وكفاهُ اللهُ خيرُ الشَّاهدينْ
هو مـا للهِ من جودٍ على = خلقِه أجمعِهِم دنيا و دينْ
فبه الدنيا استنارتْ ، والورى = بِمُحَيَّاهُ اطمأنُّوا آمنينْ
مالوى عنه شقيٌّ جيدَه = ذو هوى إلا ويصلاها مهينْ
نَكَّلَ المولى بِمَنْ قد كفروا = بعذابٍ أو أساءَ المعتدونْ
وبنو أُمَّتِه منهم بغى = وتولَّى فاسقًا في الهالكينْ
أو تعامى حاقدًا أو عابثًـا = فله وهجُ اللظى في الآبدينْ
أو أتى حكمًا بلا شِرعتِه = فجفاها بئسَ فعلُ الكافرينْ
غَـرَّ أهلَ اللهوِ مـا زيَّنَهُ = مكرُ إبليس فنادى المسرفينْ
فاستجابوا لهوى شيطانِهم = لفجورٍ وسفورٍ مُفْسِدِينْ
دولةُ الباطلِ لاتبقى وإنْ = بالمُعِدَّاتِ تراها في حصونْ
تنحني قوَّتُهـا إن جاءَها = قَدَرُ اللهِ بما لايعلمونْ
والخلودُ ـ الدَّهرَ ـ للحقِّ الذي = جاءَ بالوحيِ وأغناها مُتونْ
ظَمِئَتْ أُمَّـةُ قرآنِ الهدى = لِليالٍ مقمراتٍ في السنينْ
فبها الجرحُ المُدَمَّى لم يزلْ = بدمٍ يجري زكيًّـا و سخينْ
رافقَتْها في المآسي قوَّةٌ = حفظتْها مفرداتٍ ومُتونْ
نسيَتْ ـ وابؤسَها ـ بارئها = فَتَوَلَّتْها رزِيَّاتُ السنينْ
وشكتْ تنشدُ مَن ينصُرُها = فعراها الضَّيْمُ من حقدٍ دفينْ
لـم تجدْ إلا عدوًّا ماكرًا = أو صديقًا ذا احتيالٍ وفنونْ
إذْ شَكَتْ ما أنصفَتْ موقعَها = فَهْيَ أختُ الصَّابرين القادمينْ
وأحاطتْ بمغانيها يــدٌ = خَبُثَتْ فعلا ، بِلُؤمِ الخادعينْ
ورمَتْها بالأذى يمضغُـه = شِدْقُها الواني أمامَ الغاصبينْ
هذه أُمَّتُنـا في مرجلٍ = من مآسيها فهلْ قومي يَعُونْ !؟
لاتُغادِرْهـا فأنتَ اليومَ مَنْ = ذاقَ مِنْ كأسِ أساها كلَّ حينْ
كم سَقَتْ قلبَكَ في غُدواتِه = ومع الرَّوحاتِ من كأسِ المنونْ !
يا أخا الأبرارِ في سوقِ الفِدا = تهبُ الثَّوبَ الموشَّى باليقينْ
لأُولي الهِمَّـةِ أبناءِ الأُلى = قد تعافوا من جراحٍ وشجونْ
ورموا زينةَ دنياهم لِمَنْ = غـرَّهُ الجاهُ ، وزهوُ المترفينْ
وهو العيشُ كما عايَنْتَه = لم تكنْ نعماهُ للمُسْتَضْعَفِينْ
كأسُه العذبةُ تشكو من أذى = يــدِ ذاكَ الوحشِ صنوِ المفترينْ
والفتى الجوَّابُ في مغنى الرضــا = أُبعِدَتْ عنه وغابتْ لاتبينْ
ومرامي الخيرِ لو أنطقَها = ربُّهــا الأعلى عن السِّرِّ الدفينْ
لااستقلَّت بمعاني فضلِها = وَهَفَتْ أوصافُها للمتقينْ
نعمتِ الدنيا التي آلَمَهَــا = وَجَعُ القلبِ الذي يأبى المَهينْ
لُعِنَتْ دنيا بها الشَّرُّ بغى = ومع الظلمِ تآخى والمجونْ
فالمِساحاتُ التي يمقُتُهـا = وحيُ ربِّ العرشِ في دنيا الفتونْ
يتلاشى مابهــا من سَفَهٍ = بهوان الأنذلين الواهمينْ
والملاهي أطربَتْ شيطانَهم = فَهْوَ يرعى هرطقاتِالمحتفينْ(8)
إنَّها النُّذْرُ تناديهم إلى = خربةِ الشيطانِ لولا يستحونْ
عاجَلَتْهم نقمةُ اللهِ فلم = تَــرَ فيهم غيرَ ذئبٍ مستكينْ
حِقبٌ تمضي وأُخرى أهلُها = في تبارِ الإثمِ أمسوا هامدينْ
ماتَخَطَّتْهُم رحى غفلتِهـم = إذ أتى الفاجعُ يُنبي الغافلينْ
فتلا آياتِ ربِّ الكونِ في = أُذُنِ الناسِ عساهم يسمعونْ
ويلَ مَن بارزَ بالإثمِ الذي = برأَ الخَلْقَ ، وفازَ المدلجونْ
هم بمحرابِ الليالي رُكَّعٌ = سُجَّدٌ للهِ ربِّ الأولينْ
مَن رأى ذاك الطريقَ المجتنَى = ليس يرضى بطريقِ الآخَرينْ
وارتضى العُسرَ إذا جنَّدَه = لينالَ العفوَ مثل النابهينْ
بذلَ النَّفسَ وما في يدِه = في سبيلِ الحقِّ والشرعِ المبينْ
قد يعاني من أذيَّاتٍ وقد =يُحْرَمُ الراحة في الدنيا سنينْ
إنَّـه الملاَّحُ في لجَّتِها = وله المجدافُ يجري بالسَّفينْ
أيُّها الملاَّحُ لاتخشَ اللقــا = إنَّـه الطوفانُ يطوي المُحنقينْ (8)
أنتَ من روحِ عهودِ المصطفى = والأعادي قد طغوا مستنسرينْ
وبأُلاتِ الخِباءِ ابتهجتْ = هذه الأرضُ هوىً بالمنجبينْ
إنَّـه جيلُ المثاني مــا ونـى = أو توارى مثلهم في الآفلينْ
يرفلُ المجدُ ويبني صرحَه = من جديدٍ ما هُــمُ بالحائرينْ
بارك الله مساعيهم على = مدرجِ العلياءِ هاهم مقبلونْ
رغمَ حَــرِّ الكربِ في بيئتهم = رغمَ إيذاءِ الطغاةِ الآيسينْ
رغمَ قيظِ العصرِ أولى قلبَه = مايردُّ الشَّرَّ شرَّ المزدرينْ
وهي الرايةُ عادتْ بالهدى = وعلى التوحيدِ رفَّتْ لاتهونْ
لم تَصُنْها غيرُ أيدٍ عاهدتْ = ربَّهـا القاصمَ ظهرَ الخائنينْ
مللُ الباطلِ ضَلَّتْ دربَها = وتصدَّت لزحوفِ الماكرينْ
واشرأبَّتْ هكذا في كِبرِها = تُهلكُ الحرثَ وتجتثُ الوكونْ (9)
وإذِ الحادي ينادي أُمَّةً = أين أبناؤُكِ ؟ أين المحتذونْ
تلك آثارُ خطى أجدادِهم = ليس تبلى أو مغانيها نُسِيْنْ
يومها كلُّ الحشودِ اندحرتْ = وبقايا المرجفين الشَّانئينْ
لـم تنمْ آماقُ فرسانِ الهدى = فَهُمُ الأحفادُ جمعُ الناشئينْ
يتراءى فيهُمُ وجهُ الضُّحى = فَسَنى الفتحِ على كلِّ جبينْ
بهُدَى الرحمنِ عاشوا قيمًــا = ومعانيها حِسانٌ ما سُبِينْ
وبفتحٍ لخُطاهــم يُرْتَجَى = رغمَ أوغادِ البرايا يحشدونْ
يرثُ الأرضَ عبادٌ هَمُّهُم = في اتِّباع المرسلين المنقذينْ
فَهُمُ النَّفــحُ لدنياهم وإن = نسيَتْهُم صفحاتُ الآثمينْ
تعلمُ الدنيا محيَّاهم إذا = فاضَ بالنُّورِ طريقُ السَّالكينْ
وعليهم لم تزلْ تبكي الدُّنى = يوم غابوا عن قضايا القاطنينْ
ليس فيهم مترفٌ أخَّـره = عن نداءاتِ المعالي أيُّ دونْ
تهنأُ الأقطارُ إن حلُّوا بها = فَهُمُ الخيرُ يُواسي البائسينْ
كالأزاهيرِ التي قد فوَّحَتْ =في البساتين جناها المحتفونْ
باقُ الأفراحِ في أيديهُمُُ = والهدايا لكئبٍ و حزينْ
أنصفوا النَّاسَ فما في حيِّهم = غيرُ مسرور تعافى من شجونْ
وعلى الوُدِّ تصافى جمعُهم = بينَ أفذاذِ الرجالِ المصلحينْ
قتلوا الحقدَ وق فرَّقَهم = وأشاعوا الحبَّ فاسْتُبْقي مصونْ
لم تجدْ فيهم فتىً يغضي على = حسرةٍ تُدمي فما فيهم حَرونْ
فَهُمُ الأحبابُ في دينٍ سما = بالإخاءِ الحُلوِ والعهدِ المكينْ
وخصالُ السُّوءِ لم تنبتْ على = تربةِ الإيمانِ بين المصْطَفَيْنْ
نَبَذَتْها أُمَّــةٌ مختارةٌ = عن بناتٍ قانتاتٍ وبنينْ
يُنْبِئُ الحالُ الذي أكرمَهُم = بمآتيهِ إلهُ العالمينْ
إنَّ ما تلقاهُ في مجتمعٍ = صاغَه الإسلامُ لايعروه هونْ
فالسَّجايا فاضلاتٌ ، والنُّهى = بَرَّأَتْ بالحقِّ أفعالَ الظنينْ
هُنَّ يومِئْنَ بطُهرٍ إنْ عــرا = دنسُ اللؤمِ لإنسانٍ مَهينْ
فَشَقِيٌّ أو خبيثٌ عابثٌ = مَنْ رمى إخوتَه للقائلينْ
وتمارى ماكرًا حرَّضَه = قلبُه المأروضُ مذ كان جنينْ
فجلسٌ صالحٌ عِشْ معه = وابتعدْ عَمَّنْ لإفسادٍ يُعينْ
فأخو الفضلِ كدوحٍ مزهرٍ = وأخو السُّوءِ كشوكٍ في حزونْ
فاقطفِ الزهرةَ من أفنانِها = ودعِ العوسجَ للصحرا خدينْ
يتعالى الزَّهوُ عن ذي سَفَهٍ = فبه الأخلاط من شؤمٍ وطينْ
ذلك المعوجُّ ما أرضعه = ثدْيُ أمِّ الأصلِ أُختُ النَّابغينْ
هو لم ينضُ عن العينِ القذى = مدَّةَ العمرِ ولم يَجلُ المَهينْ
يُصعَدُ السلَّمُ لكنْ لم يزلْ = ذلك المُعوجُّ بالأدنى قمينْ (10)
فَتَرَفَّقْ أيُّها المهذارُ لا = ترمِ بالنَّفسِ لأوساخِ السنينْ
لستَ أهلا للمعالي إنَّها = لذوي الألبابِ قومٍ عارفينْ
لـم يُوَشِّحْنَ فتىً ذا سفهٍ = بثناءِ المتَّقين المخبتينْ
هكذا الأمَّةُ يأتي بؤسُها = من فِعالِ الأسفلين الجاحدينْ
لم يجدْ من قبلُ مَن يزجرُه = فتمادى ذلك الوغدُ ظنينْ
باءَ بالسُّوءِ فلنْ يرفعَه = فِعْلُ سوءٍ خِلُّـه لا يستبينْ
سيرةٌ عنه مداها يُزدرى = لُوِّثتْ بالإثمِ والذَّنبِ المشينْ
أَهُـوَ الصُّورةُ في مجتمعٍ = تُرتَجَى !؟ بئسَ نسيجُ المفترينْ
جُمِعَتْ فيه خصالٌ قد نهى = عن مَسَاويها نبيُّ المسلمينْ
لاتُغادِرْهـا فأرضُ الشَّامِ في = عُهدةِ الرحمنِ ربَّ العالمينْ
لـم يُضَيِّعْها إلهي إنَّها = جنَّــةُ الأبرارِ ، حِصْنُ الدَّارعينْ !
نحنُ أهلوها وإن عــجَّ الأسى = نحنُ أُسدُ الشَّامِ لسنا بالضَّئينْ (11)
لــم نَلُذْ يومًـا بطاغوتٍ بغى = ثمَّ لا ، لم نكنْ باللائذينْ
نحنُ ندري بالنَّوايا خَبَّأتْ = لبلادِ الشَّامِ أحقادَ القيون (12)
لا نُواليهم وإن طالَ المدى = نحن ماكُنَّــا بهم منخدعين
لايَظُنَنَّ العدوُّ المجُتْرَي = أنَّنــا نِمْنَا فإنَّا مسلمون (13)
وبأطباقِ المآسي كلُّنــا = ماتَرَنَحْنا ، وإنَّــا قادمونْ
بقلوبٍ مؤمناتٍ صَدَقَتْ = وبنوها هاهُــمُ مُسْتَنْفِرونْ
نملأ الدنيا سلامًا وهُدَىً = بعدَ هذا الهولِ والبغيِ المُشينْ
عِلْمُنَا بالحالِ يكفي خَسِئوا = ماقعدْنا في صفوفِ الخانعينْ