الشيخ الإمام القرضاوي حفظه الله تعالى يناجي ويبتهل..
الشيخ العلامة الإمام يوسف القرضاوي حفظه الله تعالى وامده بطول العمر
يا رب ها جسمي يشيخ و يمرض = والوهن وافاني سريعا يوفض
ولَّت سِنُو عمري كرؤيا نائم = ومضى شبابي مثل برق يومض
ودنا الرحيل ولم أهيئ زاده = وخيام أيامي تكاد تُقَوَّض
كل النفائس قد تعوض إن تضع = والعمر - إن ضَيعتَ - ليس يُعوّض
مابعد نضج الزرع غير حصاده = هي سنة لله ليست تنقض
وإذا أتى الأجل المقدر وقته = لم يغن عنك مطبب وممرض
مالي وقد فرطت في أمري سوى = رب إلى نفحاته أتعرض
ماكان من عذر لتقصيري سوى = نفس تقاد إلى الجنان فتُعرض
كسلَى عن الخير جد ثقيلة = وهي الجواد إلى البطالة يَركض
نامت و أهل الجد قوام ولم = تنفض غبار النوم فيما يُنْفض
يارب في الأولى سترت نقائصي = فأتمَّ سترك يوم عندك أعرض
مالي سواك إذا الخطوب تفاقمت = أمري إليك على الداوم مفوض
لو كان لي رب سواك رجوته = فلمن أمد يدي ومن أستقرض
رباه إن رضاك غاية مطلبي = ما ضرني سخط البرية أم رضوا
وارفع مكاني رب عندك بالتقى = من ترفع اللهم من ذا يخفض
وابسط عليّ عطاء رب باسط = بَرٍّ، فإن تبسط فمن ذا يقبض
آتيتني القرآن فانفعني به = وأقم به لي حجة لا تدحض
بيض به وجهي بيوم قادم = فيه الوجوه مسود ومبيض
ياخير من أعطى وأكرم من عفا = وإذا دعاه مذنب لا يعرض
رب اسمك الغفار فاعف تكرما = يدعوك مكسور الجناح مهيض
أنتَ الذي أكرمتني منذُ الصّبا = ورعيتني، والخير منكَ مقيَّضُ
وغرستني في الدّين منذ حداثتي = ووهبتني فضلاً يطولُ ويعرُضُ
ورزقتني حبَّ الأنامِ تفضُلاً = إنَّ المحبّةَ بالعصا لا تُفرضُ
وغمرتني بالفضل من قرني إلى = قدمي، يراه محدّقٌ أو مغمضُ
فأتمَّ بالغفران فضلكَ والرِّضا = من ذاق حلوَكَ لم يطُق ما يحمُضُ
واحشرني في ركب الحبيب المصطفى = ومع الذين لوجه دينكَ بيّضوا
وارزقني الإخلاصَ حتّى لا أرى = إلا وكلّي في رضاكَ ممحَّضُ
وامنن عليّ بنفحةٍ عُلويّةٍ = أشفى بها من كلِّ داءٍ يُمرضُ
لأظلَّ لاسمكَ ذاكراً ومسبّحاً = كي أُرتضى فيمن لديكَ قد ارتُضوا
وأعيشَ يا ربّي لدينِكَ داعياً = ما دام بي نفسٌ، وعرقٌ ينبضُ
* * *=* * *
يا من له تعنو الوجوه و تخشع = و لأمره كلّ الخلائق تخضع
أعنو إليك بجبهة لم أحنها = إلاّ لوجهك ساجدا أتضرّع
و إليك أبسط كفّ ذلّ لم تكن = يوما لغير سؤال فضلك ترفع
أنا من علمت المذنب العاصي الذي = عظمت خطاياه فجاءك يهرع
كم ساعة فرّطت فيها مسرفا = وأضعتها في زائل لا ينفع
كم بتّ ليلي كلّه متثاقلا = و ذوو التّقى حولي قيام ركّع
كم بال في أذنيّ شيطان الكرى = فإذا الصّباح على نؤوم يطلع
كم زيّنت لي النّفس سوء فعالها = فأطعتها ضعفا , و بئس الطيّع
كم وسوس الخنّاس في صدري فلم = يجد الذي يعلو قفا ويصفع
كم أقرأ الآيات لو نزلت على = شمّ الجبال رأيتها تتصدّع
مالي أردّد وعدها و وعيدها = ما رقّ قلبي أو جرى لي مدمع
كم من نفوس بالهدى ذكّرتها = فمضت كما يمضي الجواد المسرع
أيقظتها للحقّ حين تركتني = في غفلة الدّنيا أتيه وأرتع
يا حسرتا ! أعظ الأنام ,فليتني = نفسي وعظت , فوعظ نفسي أنفع
يا ربّ حكمتك اقتضتني مذنبا = لأجيء بابك أستجير و أضرع
فترى عبيدك تائبا مستغفرا = و أراك غفّارا لذنب يفظع
أنا إن عصيتك فذاك من نقصي , و من = غير الإله له الكمال الأرفع ؟
يا ربّ أنت خلقتني من طينة = و من الذي لأصوله لا ينزع ؟!
لولا هداك و نفخة علويّة = أودعتها روحي لكان المصرع
فبها أصول على التّراب ترفّعا = و بها أحلّق حين تصفو الأضلع
الطين يجذبني إليه بشدّة = و الروح تصعدني إليك و ترفع
فإذا ارتقيت إلى رضاك فغايتي = و إذا هبطت فدائما أتطلّع
هو الابتلاء , عليه قام وجودنا = و به نهيّأ للخلود و نصنع
النّار بالشّهوات حفّت فتنة = فليمرح الفجّار وليتمتّعوا
أمّا الجنان فإنّها محفوفة = بمكاره تدمي الفؤاد وتوجع
الزّاد قلّ و الدّيار بعيدة = الظهر يضو , و الرّفيق مضيّع
وهناك قطّاع الطّريق طوائفا = شتّى ,تضلّ عن المراد و تقطع
إبليس يغوي و الهوى شرك له = و العيش يغري , و الأماني تخدع
وهناك قطّاع عتاة أعلنوا = حربا تخيف السّائرين و تفزع
جرؤوا عليك و أنت تحلم عنهمو ! = و لكلّ شيء عند ربّي مرجع
هذي الطريق , و إنّها لمخوفة = ربّ اهدني و أعن عسى لا أقطع !
يا ربّ عبدك عند بابك واقف = يدعوك دعوة من يخاف و يطمع
فإذا خشيت فقد عصيتك جاهلا = و إذا رجوت فإنّ عفوك أوسع
يا ربّ إن أك في الحقوق مفرّطا = فلأنت أبصر بالقلوب و أسمع
بين الجوانح خافق يهوى التقى = و يضيق كرها بالذنوب ويجزع
و يحبّ ذكرك , و القلوب إذا خلت = من ذكر ربّي فهي بور بلقع
و لكم ذكرتك خاليا فوجدتني = و القلب في وجل , و عيني تدمع
هل لي رجاء إنّني ممّن دعوا = يوما إليك و قال : توبوا وارجعوا ؟!
وحملت مصباح الهداية مرشدا = أهناك كالقرآن نوريسطع
و مشيت في ركب الهداة , و إن أكن = أبطأت في طلب الكمال و أسرعوا !
حسبي أحبّهم و أقفو خطوهم = ولكم أرى حبّ الأكابر يشفع