طيفًا يزورُكَ ما لهُ إبطاءُ = وبنبضِ قلبِكَ يستحمُّ رجاءُ
مُذ غادرت أعشاشَها انتفضَ الدّجى= واستيقظتْ مِن وِردِها الأسماءُ
و تناثرَتْ فوقَ السّطورِ مدامِعٌ = و حروفُها مستنقَعٌ و شتاءُ
تتلو صحائفَ شوقِها روحًا سَمتْ = و استوحشتْ جسدَ الفناءِ سماءُ
و تراكمَتْ أوصالُ أزمنةٍ بهِ = مُذ أنكرَتْ أسماءَها الأشياءُ
يحنو إلى سفَرٍ هروبُ مُتيَّمٍ = فرجوعُهُ مثلَ الذّهابِ سواءُ
يطوي مسافةَ غُربَةٍ لا تنتهي = و يظنُّ أنَّ مع الرحيلِ شفاءُ
و طوَتْ مسافاتٍ خُطًى برويَّةٍ = سَفرُ الشجونِ إلى الشُّجونِ فناءُ
لكنّهُ سَقَمٌ يطالُ حياتَهُ = إنَّ الحياةَ تشرُّدٌ و عناءُ
أحلامُهُ كانت سماءَ مَجرَّةٍ = فالأرضُ مِن هِممِ النفوسِ رخاءُ
بُحَّ الصّدى مِن طولِ أنّةِ عاشِقٍ = و لهُ القلوبُ صوامِتٌ تستاءُ
و بكى المدى فالدّمعُ بُعدٌ قاهِرٌ = يُخفي المشاعِرَ و هْيَ منهُ وضاءُ
يا أيُّها الوطنُ المُعذِّبُ أهلَهُ = لكَ في القلوبِ محبَّةٌ و ثناءُ
نحنُ السّماءُ و أنتَ صمتُ سماءِنا = و الناسِكونَ تغرَّبوا و أساءوا
و الرّاحلونَ إلى العلاءِ مصيرُهُم = ليلٌ طويلٌ مظلِمٌ و شقاءُ
و المُرجِفونَ تملَّكوا أوطانَنا = و يُباعُ مِن رُخصِ الضميرِ وفاءُ
تاريخُنا زهوٌ بذلَّةِ حاضِرٍ = و تفاخُرٌ قد أنكرَتهُ إماءُ
و غفَتْ حضارةُ أمَّةٍ و تمزَّقَتْ = أوصالَها و طغى المُروءَةَ ماءُُُ
وطنُ الأصالةِ و الرّجولةِ و النُّهى = سيفًا أضاعوهُ فهُم جُبناءُ
شعبُ تُشرِّدُهُ الفجيعةُ مثلَما = أُممٌ تفرَّقَ بأسُها مُذ ساءوا
عدنانُ أهلُكَ في العراءِ تشتَّتوا = و استنطِقِ الأمواتَ هُمْ أحياءُ
لكنَّهم دفنوا بقوّةِ بَأسِهم = يأسًا كدُهمِ الّليلِ حينَ أضاءوا
الموتُ يُشهِرُ سيفّهُ بتواضِعٍ = قتلاكَ يا وطني هُمُ الشُّهداءُ
أمّا الّذينَ مع الهُروبِ تصالحوا = تركوا الدّيارَ و هُم لنا غرماءُ
ليت الرجولةُ تستعيدُ كرامةً = إنَّ الكرامةَ للنفوسِ هواءُ
يا غيرة اللهِ اركبي فالناسُ ما = صَحَتِ الضمائرُ تُستبى الأهواءُ
والناسُ إن صَدقَ الولاةُ بِأمرهم = ترضى قليلَ العيشِ فهْوَ فداءُ
يُرضي الرّضيعَ تقرُّبٌ و تودُّدٌ = و الجوعُ يهزمُ فالبكاءُ غناءُ