وفي 18/9/1985 يوم الأربعاء وبينما كان الأخ الشهيد حمدو خبازية رحمه الله تعالى ينظم الدخول إلى الحمام، نودي على اسمه للإعدام فوقف وألقى فينا كلمة، وكأنه دكتور يحاضر في إحدى الجامعات ومما قال (نحن المسؤولون عن العالم، وكان أخو مصباح معنا في العنبر فعزيته بهذه القصيدة:
بت الدعارة والمجون ومنزل الشهوات والتديث والأوطار
اسمع بهلفٍ آخر الأخبار=واغضب لصبحك غضبة الإعصار
واذرف على هذا الذي ودعته=دمعاً من العينين كالأمطار
هذا الذي ضج السلاح بوجهه=في حومة الحرب الضروس الضار
يوم الكريهة إذ حماة تحولت=لله تغضب جبهةً من نار
صبراً حماة فللزمان دوارة=وأراك يوماً بهجة الأمصار
كم ذا دفعت من الشباب مواكباً=يربوا فحياهم على الأزهار
مروان قائدهم وزين دعاتنا=وحسين خلوفٍ أبو كدار
قد كان يخرج كل يومٍ مثقلاً=بسلاحه لمواقع الثوار
ليصد جثياً غازياً ومهاجماً=لعروسة الأمجاد والآثار
ويودع ابنته الوحيدة ماضياً=للحرب في عزٍ وفي إكبار
حمدو وداعاً يابن خبازية=جاورت هذا اليوم خير جوار
ومضيت للباري بقلبٍ طاهرٍ=فإلى جان الخلد والأنهار
وهناك جبريل الأمين براحه=يسقيكم من سلسبيلٍ جار
وحياتنا من بعدكم كحياتكم=وغداً ستطوى طية الأسفار
ينبوع شعري قد خشيت جفافه=من زحمة الأهوال والأخطار
من طول ما ودعت من صحبٍ لنا=من إخوة الإيمان والأنصار
رباه أخرجنا لأخذٍ عاجلٍ=من خصمنا لرفاقنا بالثار
نلوي رقابهم ونضرب هامهم=بمهندٍ وب.... تبار
ومدافع الميدان خير مفرجٍ=لقلوبنا وممتع الأنظار
أبدأ تدك جبالهم بضراوةٍ=وتحيل شامخة البنا الدمار
وقراهم قد أصبحت طبريةً=من بعد يأجوج فهل من سار
قد كان في هذا المكان منازلٌ=مع بعض غدران المياه جوار
زنديق هذا العصر أصبح حاكماً=وتؤول سوريا الحكم حمار
سراً يخرج حاكماً لبلادنا=ويسير فيها سيرة الجزار
ولمن سأرفع قصتي وشكايتي=وأنا وراء الحجب والأسوار
لله أرفعها وأدعو ضارعاً=باللطف والتخفيف في الأقدار
جاورت ربك يا شهيد بدارة=من بعد أعوام مضت بجوار
وسعدت فيها حيث رحت موجهاً=برقية للأخوة الأخيار
لباك ناصر مسرعاً من سجنه=وأجاب دعوتكم بكل فخار
سافرت في أيلول يا حمدو ضحى=وأخوك ناصر سار في آذار
وقضى أخوكم نحبه من قبلكم=وتركمتوا مصباح رهن إسار
والدار باكيةٌ تناجي ربها=تبكي على الأحباب والشمار
لم يبق فيها ساكن من بعدكم=غير النساء ينجن في الأطمار
ساد السكون بها وأظلم ليلها=بعد النجوم الزهر والأقمار
مصباح معذرة فشعري قاصرٍ=من أن يفي بحقوق أهل الدار
والشعر أحجم والبلاغة أعلنت=إفلاسها في ذلك المضمار