عام 1986 كان صيفاً جافاً جوع وحرمان حيث كان البيضة الواحدة حصة أربعة أشخاص، والغارات على العنابر لا تنقطع بقيادة المساعد نزيه، وانتشرت الأمراض،ـ السل واليرقان والربو والقلاع ولقد صدر عنبر 34 ما لا يقل عن 135 شخصاً إلى عنابر السل وعن سوء التغذية حدث ولا حرج فكتبت هذه القصيدة:
أشكو إلى الله عضال الداء=في السجن والأمراض دون دواء
تسري بأجسامٍ غدت صوريةً=من حر تموز وبرد شتاء
من جوع أيلول ومن ظمأ عتى=في شهر آب مت في الأعضاء
والجوع قانون بتدمر ثابتٌ=متفاقمٌ صعداً وسوء غذاء
لا تقبل التعديل قط مواده=ورجوت لكن لم أفز برجاء
ولحمت فيه فكان في علم الرؤى=أضغاث أحلامٍ يراها .....
وينفذ الأحكام بركات بلا=حذف ولا رد ولا استثناء
بركات أخبث من عرفت ومن=سأعرف من طغاة السجن واللقطاء
ساس السجون سياسة يا ويحه=من فتنةٍ في ديننا دهماء
سألوه عن نقص الطعام وسره=فأجاب معتذراً ودون حياء
إن الطبيعة لا تجود وأغفل السرقات=حتى جورب وحذاء
هذا وإن جاء السجين زيارةٌ=سلبت سوى من أبسط الأشياء
يسبي المقدم نصفها ثم المساعد ثلثها=وبقية الرقباء
وتلف منها ما تحب وتشتهي=بلدية السجن على استهواء
ما أشبه الجرذان فيهم منظراً=وقذارةً يطغو ببيت خلاء
وإذا أساء إلى القصيدة ذكرهم=فالعذر من إخواننا القراء
وأخوه غازي الجهني من ظلم ومن=حقدٍ دفينٍ أسود وعداء
قد حول السجن الذي قد ضمنا=فرناً ونحن الوقد في الصحراء
أنا لست أدري والجواب على الشفا=كم من أبٍ في أمه شركاء
والخوف ينخر في القلوب كأنه=الأسطول يمخر في عباب الماء
وتداعت الأعصاب من عليانها=منهارةً تهوي من الإعياء
لا تعجبن إذا قرأت قصائدي=وتظننا قوماً من الجبناء
لكنه أسد يئن مكبلاً=والجوع يغلي ملهب الأحشاء
والسوط قرح جسمه وتحوطه=زمر الكلاب بهالةٍ وعواء
وأشد مما قد ذكرت غرابةً=ببيت الخلاء غدا كنوز عطاء
وإذا سعى لي في دخوله طيبٌ=أكبرته ونثرت حسن ثناء(1)
لن أنسى آذاراً(1)وما ذقنا به=حتى أنام مغيباً بثراء
آهٍ ولن أنسى بتدمر صومنا=في السجن تحت رقابة الرقباء
كنا نحار بفطرنا وسحورنا=وأشد من هذا دخول الماء
يأتي أبو بدرٍ به ودجانة=كاللص يمشي في دجى الظلماء
بوركتما من إخوةٍ وجزاكما=ربي عن الإخوان خير جزاء
هذا بليل الصوم أما يومه=فتنفس بالصبح والإمساء
وبكل يومٍ مرتين على الغض=وصدى السياط إلى عنان سماء
يا سجن تدمر يا جهنم ظلمهم=يا محرق الإخوان في الصحراء
أمس طعامك في الصباح رقابنا=ولحومنا في بكرةٍ ومساء
وإذا ظمئت شربت من أجسامنا=ماء العيون يسيل بعد عماء
حقداً ولا تروى فتسكر من دمٍ=ويعبه الجلاد عب الماء
وزيادةً في الحقد يسبح غارقاً=ويغوص حتى ينثني برواء
أولا يعود من الظما حتى يرى=منه انفجار البطن والأمعاء
وأعدت للتاريخ درساً أسوداً=مضغ الكبود ومهجةٍ وكلاء
وسبقت في عض الذكور ومصها=ضغناً بلا خجلٍ ولا استحياء
والركل في الأقدام دق عظامنا=دقاً وكم أذن به صماء
ومظلةٌ تدع المظلي كومةً=من شدة القذف على استعلاء(1)
هذا هو السجن الرهيب ولم نزل=من قعره في وحشةٍ وحشاء
مالي سوى القرآن يؤنسني به=وإجابه المضطر عند دعاء