يسكبون الأضغانَ سمًّا زعافًا
أيُّ ليلٍ من الليالي الوِضاءِ=فاضَ فيه الحنينُ حُلوَ الرواءِ
آبَ للروحِ رفرفُ الأُنسِ فيه =من دياجي الكآبةِ العجفاءِ
وتدلَّى من أُفْقِه القبسُ الأسمى ... =... على عالمِ الأسى والجفاءِ
يمطرُ الفرحةَ الضَّحوكَ ، ويحيي =مهجًا ظمأى في الربا القفراءِ
أكرمتْها السماءُ بالخيرِ فاهتزَّتْ .. =... بفوَّاحِ نشرِها المعطاءِ
وتلاشتْ على الحنايا رياحٌ =عاصفاتٌ تثورُ كلَّ مساءِ
من همومٍ نضتْ عن اللوعةِ الثَّملى ... =...برودًا منسوجةً بالبلاءِ
وتغنَّى الفؤادُ بعدَ سنينٍ =ألجمتْهُ الشجونُ بالأرزاءِ
وتجلَّتْ آفاقُنا مقمراتٍ =برضا اللهِ يالطيب الرداءِ
ودرجنا نعانقُ الأملَ المخضلَّ ... =... طيفًا سرى على الغبراءِ
ورأينا ما أبدعَ اللهُ على الأرضِ ... =... وما بثَّ في رحابِ السَّماءِ
فإذا الكونُ جنَّةٌ وهبتْها =لرفيفِ الأرواحِ روحُ العلاءِ
لنسيماتِ أُنسِها قد غدونا =ولدنيا رياضِها الفيحاءِ
وإلى الزَّهوِ بالحنيفِ ينادي =بين أفياءِ سحرِها والصَّفاءِ
والأغاريدُ موكبٌ في قوافيه ... =... ابتهاجُ المشاعرِ الغيداءِ
وهفت أنفسُ الأباةِ إليها =واستمالَ القلوبَ عذْبُ الغناءِ
والأماني رؤى صباحٍ جديدٍ =باسمات كالوردِ في الأضواءِ
يسرعُ الخطوَ رغمَ ليلٍ بهيمٍ =ماطوتْهُ عواصفُ البلواءِ
فيه مافيه من أناشيد قلبي =وحنيني لدافقاتِ الرجاءِ
وبشوقٍ يضجُّ بينَ ضلوعي =وولوعٍ بسيرةِ الأنبياءِ
وحكايا عن الأحبةِ تروي =ظمأ الروحِ للنَّدى والوفاءِ
واشتياقي لمنهلِ الواردين ... =... الآسرينَ الفؤادَ في الشهداءِ
عالم ٌ زاخرٌ بفيضِ سُمُوٍّ =رقرقتْه أناملُ الأصفياءِ
ورواياتُ أمسِنا تتثنَّى = أنجزتْها بطولةُ الأوفياءِ
هي منها ومن سناها حروفٌ =لجناحَيْ قصيدتي العصماءِ
وبراكين إذ يفجَّرُها الشعرُ ... =... شظايا مشبوبةَ الأصداءِ
ياليالي ( حنين ) ما انهزمَ الركبُ ... =... ولا هابَ من سطوةِ الأشقياءِ
صوتُ ( عبَّاس ) لم يدعْ لي طريقًا =غيرَ خوضي لفائراتِ الدماءِ
والنَّبيُّ الحبيبُ في المعمعِ الهدَّارِ ... =... يرمي جحافلَ الأعداءِ
فالرواياتُ أضرمتْ نارَ ثأرٍ =تتلظَّى بالهمَّةِ القعساءِ
مالوتْها أيدي الجناةِ : فجمرٌ =هو همسُ القلوبِ في الإدجاءِ
وهو البثُّ للربيعِ المرجَّى =فالسَّحابِ المدلِّ بالأنواءِ
من عهودٍ بها الأماني عِذابٌ =وزمانٍ موشَّحٍ بالضياءِ
ونسيجٍ من الحديثِ المصفَّى =ردَّ وهمَ البصيرةِ العمياءِ !
فإذا الطيفُ ... نقلةٌ لاعتزازٍ =بمثاني كتابِنا اللألاءِ
ينجلي للرجالِ وهبًا زكيًّا =وهدى من غيوبِ وحيِ السماءِ
ويضمُّ النفوسَ للأفقِ الأعلى ... =... ويسمو بخطوِها الغدَّاءِ
وإذ الشوقُ والحنينُ يسوقان ... =... معاني الوفاءِ للأوفياءِ
تتعالى نفوسُنا في خُطاها =فوق داءِ الأحقادِ والبغضاءِ
تعسَ الحقدُ لن يُجلَّ ولن يرقى ... =... بنوهُ معارجَ العلياءِ
حملوهُ على المناكبِ أثقالَ ... =... هوانٍ و ذلَّةٍ وافتراءِ
فكووا باللظى قلوبَهُمُ العجفاءَ ... =... فالحقدُ جمرُه من شقاءِ
ومشوا بالسموم بين أُناسٍ =لم يبالوا بالذَّمِّ أو بالثَّناءِ
=كسمومِ الزواحفِ الرقطاءِ
إنما الحاقدون أكثر شرًّا =وإن استحوذوا على البسطاءِ
وهم الأسرى لافكاك لهم من ... =... قيدِه رغمَ فسحةِ الغبراءِ
أين منهم سماحة الخُلُقِ المرضيِّ ... =... يحنو برحمةِ الغرَّاءِ !
إذ على اللهفةِ الأثيرةِ للحقِّ ... =... استخفوا جناحَها للمضاءِ
من هناك ائتلاقُ شمسِ علانا =وانبلاجُ الحقيقةِ الزهراءِ
عزَّ إخوانُنا الكرامُ إذا قيسوا ... =... بدنيا الأخلاقِ في هؤلاءِ !
يحملُ الشعرُ جرحَنا غيرَ ميْتٍ =رغمَ ذبحِ الأعناقِ والآراءِ !!
جاءَ فيه الإباءُ لحنًا موشَّى =بالمآسي والدفقةِ الحمراءِ !
وبليلٍ من الكآبةِ وافى =مهجَ الركبِ مثقلا بالعناءِ
كم على ظلِّه المريعِ حبسنا =أدمعا من مرارةِ وبلاءِ !
ونسجنا من الهمومِ رداءً =مزَّقتْ وهنَه يدُ الكبرياءِ !
لن يهونَ الإيمانُ في زحمةِ الخطبِ ... =... ولن يُستباحَ قلبً فدائي
تُطفَأُ النارُ في البراكينُ لكنْ =ليس تُطفَى في أضلعِ النُّجباءِ
شرفُ القلبِ أن يعيشَ كريمًا =في شِعابِ الأسى وبيدِ الجفاءِ
فمن العزِّ : غربةٌ في ليالٍ =موحشاتٍ كوحشة الظلماءِ
ومن الخيرِ : أن نحرِّمَ فيها =مايواتيه البغيُ للسفهاءِ
ومن الحقِّ : أن نعودَ انعتاقًا =لرحابِ النُّبوَّةِ الفيحاءِ
واليقينُ المكينُ باللهِ أجدى =من خميسٍ مدجَّجٍ بالدهاءِ
فافطم النفسَ عن شهيِّ الدنايا =وترفَّعْ عن ذلةِ الجبناءِ
إنَّما العمرُ ساعةٌ في نزالٍ =منحتْها فيوضً ربِّ السماءِ
وإلى موئلِ الكرامةِ حثَّتْ =من خطاها عزائمُ العقلاءِ
والأبيُّ الأبيُّ معرضُ قلبٍ =عن تفاهاتِ نزوةِ الغوغاءِ
والطريقُ القويمُ وجهةُ روحٍ =دلهمتْ بالظلامِ والأنواءِ
إنَّ وجهَ الحياةِ وجهٌ عبوسٌ =ويقينُ الرجالِ نورُ الرجاءِ
أيُّ نفسٍ لم يبتلِ الدهرُ ممشاها ... =... ولم يرمَ أمنَها بابتلاءِ !
وأباحَ ابتهاجَها القدرُ النافذُ ... =... فاربدَّت أوجُهُ الضَّرَّاءِ !
غير أنَّ النفوسَ في ليلها المسجورِ ... =... ترنو إلى انبثاقِ الضياءِ
وبعيدٌ مابينَ زورِ الأماني =وصحيحِ انجلائِها للظِّماءِ
ماتوارتْ بأفقِنا المائجِ اليومَ ... =... عن المؤمنين ومضةُ راءِ !
نضَّرتْ بابتسامِها وجهَ عمرٍ =عاشَ في أُنسِه ثقيلُ الدَّاءِ
وانجلى في جبينَه لمحً كربٍ =يتغشَّى في الصبحِ والإمساءِ
وفصولُ الإقدامِ تشتد فيها =عزماتُ الفدا لحملِ اللواءِ
في خضمِّ الأحداثِ ، والهولُ عاتٍ =ماسلكنا سوى سبيلِ المضاءِ
لم يزدنا البلاءُ إلا يقينًا =يتخطَّى تفاهةَ الإغراءِ
في السنين العجاف إنَّ مكثنا =زادُنا الصَّبرُ من هدى الأنبياءِ
يأكلُ الناسُ من فتاتِ الدنايا=ويوالون ميِّتَ الأحياءِ
غير أنَّا بالحقِّ لا نترامى =ماحيينا على دنى الأعداءِ
* * *=* * *
كم طوتْ موجةُ الشجونِ فؤادي =كحصاةٍ في غمرةِ الدأماءِ
وتناءتْ بشاشةٌ مارآها =في الصباحِ الضحوكِ والظلماءِ
والحنايا تموجُ بالآهِ لم تهدأْ ... =... أغاني رياحِها الهوجاءِ
والفؤادُ المنيبُ للهِ راضٍ =هكذا سُنَّةُ الرضا بالقضاءِ
ليس تعميه فتنةُ الألمِ الأعمى ... =... ولم يلجمْ شدوَه عن حُداءِ
وأتى يرمقُ القطوفَ الدواني =فوقَ بيدِ الأشواكِ والحصباءِ
ويصوغُ الولاءَ للهِ حُرًّا =ليس يرضى بحمأةِ البغضاءِ
ويؤاخي سكينةَ الليلِ يحيي =ماتوارى من رفرفاتِ الرواءِ
ويقضِّي الساعاتِ يأملُ في الفجرِ ... =... أمانيَّ صحبِِه الغرباءِ
فرؤى البِرِّ شعلةٌ في الحنايا =ليس تخبو من لفحةِ الأرزاءِ
قد حباه الإيمانُ مهما تلظَّتْ =عربداتُ الطاغوتِ بالإعلاءِ
لايواليه ... زخرفًا نمَّقتْهُ =بنتُ دنيا الشواغلِ البلهاءِ
والخيالاتُ تنطوي لانراها =بعدَ محقِ الضلالةِ العمياءِ
في الطريقِ السَّويِّ حثَّتْ خطاها =تسبقُ الشجوَ والأسى وجنائي
وتغنَّيتُ بالأناشيدِ علويَّةَ ... =... مجدٍ مشبوبة الأصداءِ
همساتٌ تميسُ فيها حروفٌ =مترعاتٌ بالشوقِ بعدَ اهتداءِ
حين جاشت بأفْقِها النفسُ واهتزَّتْ ... =... لغيثٍ محمَّلٍ بالحِباءِ
وهبتْهُ الغيوبُ دفقةَ خيرٍ =في حقولِ الكآبةِ الجرداءِ
فربتْ فرحتي ، وبشَّ فؤادي =و تثنَّى بالوردِ والأشذاءِ
وأعاد الأريجُ أفراحَ عمرٍ =قد تقضَّى والنارُ في الأحشاءِ
فالمقاديرُ في الورى أحكمتْها =قدرةُ اللهِ لايدُ السفهاءِ
ومن البغيِ أن تبوحَ بداءٍ =قرَّحّ القلبَ مكثُه في خفاءِ
لو درى المرءُ مابها من أمورٍ =محكماتٍ لعاشَ عيشَ الإباءِ
والكريمُ الأبيُّ مَن ظلَّ شهمًا =لم يدنِّسْ علاهُ بالأهواءِ
والتَّقيُّ التَّقيُّ قلبٌ سليمٌ =ليس يرضى بغيرِ ربِّ السَّماءِ
فالشكاوى لغيرِه عبثُ الجاهلِ ... =... بينَ استهانةِ الخلطاءِ
فاتَّقِ الميلَ للسفيهِ ولا تركنْ ... =... لطاغٍ تراهُ في الأحياءِ
إنما الفخرُ والمروءةُ أن تحيا ... =... لياليكَ ناظرًا للعلاءِ
وإذا ضنَّ بالكرامِ ووافى =زمنُ الطيشِ والهوى والهراءِ
فاعتصرْها من الطهارةِ دنيا =في مغانيها موكبُ النُّصراءِ
فدعِ الشكوى للأنامِ وأحجمْ =مؤمنًا عن مقولةِ الأشقياءِ
* * *=* * *
جنَّةُ الروحِ عالَمٌ فيه تسمو =كلُّ روحٍ بالهمَّةِ القعساءِ
عالَمٌ ليس من فحيحِ بغيٍّ =أو حكايا سفاهةٍ وافتراءِ
ردَّ لي روعةَ النَّهارِ ، وأغرى =لهفةَ القلبِ للرؤى البيضاءِ
فهفا ينشدُ المغانيَ شوقًا =لجميل الرضا وحُسن اللقاءِ
من نسيماتِ عَدْنِه بات يحثو =يملأُ الصدرَ من عبوقِ الشَّذاءِ
والكرامُ الكرامُ من خيرةِ الركبِ ... =... حوالينا في مغاني الهناءِ
إذ ركضنا على الدروبِ العذارى =ويدُ الليلِ لم تزل في انطواءِ
حاملين الأفراحَ عطَّرها الطيبُ ... =... بأرجاءِ ( طيبةِ ) الفيحاءِ
نشرُها العذبُ للنفوسِ حياةٌ =بين تلك الأنداءِ والأفياءِ
واخضرارِ الآمالِ بينَ يدينا =ماتراءى للأنفُسِ العجماءِ
جنَّةٌ صاغها الإلهُ لذي عقلٍ ... =... وروحٍ وثَّابةٍ لارتقاءِ
مذ خُلِقنا رضا الغفورِ هوانا =فوقانا من فتنةِ الخيلاءِ
وعلى دينِه القويمِ مضينا =وصبرنا على لظى اللأواءِ
وجهُنا واحدٌ فليس يرانا =أحدٌ في مراتعِ الإزراءِ
قل لمَن باعَ دينَه مطمئنًّا =بمتاعِ الحياةِ كالجبناءِ
ونهانا عن المضيِّ بدربٍ =قد تولاَّه سيِّدُ الأنبياءِ
قد وهبنا الأرواحَ للهِ إنَّا =لم نُوالِ الطغاةَ رغمَ الدَّاءِ
يدُنا في يدِ الذين استقاموا =من كرامِ الأفاضلِ العلماء
ِومن العارِ أن نعيشَ على الأرضِ ... =... عبيدًا لفتنةِ الأهواءِ
والموازينُ عندَ ربِّك كانت=لابأوهامِ نفسِك الخرقاءِ
نحن لن نتبعَ الغواةَ بدربٍ=كالرعاعِ الأسافلِ السفهاءِ