إنْ لاحَ في الأُفْقِ مزهُوًّا هلالُ غَدٍ + يغشى العيونَ اللواتي هِمْنَ بالغُررِ
شهر الهُدى و النَّدّى والفتحِ والظَّفَرِ = يطيبُ فيك حديثُ المجدِ في السِّيرِ
أهلا بوجهِكَ فيَّاضًـا برحمةِ مَنْ = حباكَ بالفضلِ والغفرانِ والسُّوَرِ
وجئتَ ترفُلُ مَزْهُوًّا بمَكرُمَةٍ = أهداكَها اللــهُ وحيًـا غيرَ مُندثِرِ
وفيك أنزَلَه للناسِ يوقظُهُم = من غفلةٍ أعْمَتِ المشهورَ بالبَصَرِ
فالجاهليةُ فوضى لاقرارَ لهــا = وليس في الكفرِ غيرُ السُّوءِ والضَّرَرِ
لمَّـا فُرِضْتَ جنى الأبرارُ رفعتَهم = من السُّمُوِّ وما في الصَّومِ من دَرَرِ
قد أشغَلَتْهُم مزايا ليس يُدركُها = إلا التَّقيُّ أخو الترتيلِ في السَّحَرِ
أتى النَّدى في ثنايا الشَّهرِ زاخرُه = واسى المواجعَ في قومي لِمُدَّكِرِ
وجلُّهم قدموا يدعون بارئهم = بنيلِ رحمتِه المهداةِ للبشرِ
قد أقبلوا رغبةً في كشفِ كربتهم = فدمعُ واهٍ على بلواهُ مُفْتَقِرِ
وهاهُـمُ حَضَرُوا مافاتَهم شغفٌ = بعودةِ النفسِ من رَيْبٍ ومن قَذَرِ
فاليوم زارَ أخو الإكرامِ أربُعَهُم = فبشَّ وجهُ المدى بالطيبِ والزَّهَرِ
وفي المسا طَرَقَ الَّلمَّـاحُ أفقَهُمُ = وهـلَّ يُهديهُمُ من أجملِ الصُّوَرِ
ونورُه غَشِيَ الأبصارَ أيقظها = من غفلةٍ عَظُمَتْ فيهم ومن خَوَرِ
وافى فأفرحَ محزونًـا وذا وجعٍ = جاءتْ مصيبتُه في مجملِ الخَبَرِ
وكلُّهُم وَرَدُوا يرجون غَرفتَه = من مذنبٍ تائبٍ عانى ومعتذِرِ
ففي لياليه رَحْمَـاتٌ ومغفرةٌ = لأهلِه وَفَدَتْ لم يرضَ بالنُّكُرِ
يسبِّحُ اللهَ هذا الكونُ أجمعُه = من ناشئٍ جـَدَّ أو مَن رَقَّ مِن كِبَرِ
طوبى لأُمتِنا والخيرُ يحضُنُها = فالفخرُ بالمجتنى الأغلى لِمُفْتَخِرِ
العابدُ اللهَ في جوفِ الدُّجى وله = دويُّ صدرٍ من الأذكارِ والغُررِ
يستثمرُ النَّفحةَ الغفرانُ عطَّرَهـا = برحمةٍ و قبولٍ جاءَ في الأثرِ
صيامُ نفسِك زكَّاهـا وأتحفَها = بالبشرياتِ اللواتي جِئْنَ في الخَبَرِ
يلقاكَ يومَ اللقا الريَّانُ أكؤسُه =ريَّانةٌ من رحيقِ العفوِ والظَّفرِ
للصومُ في طاعةِ الرحمنِ منزلةٌ = والصَّومُ في الدِّينِ ركنٌ غيرُ منحسرِ
إذْ فزْتَ بالجنَّةِ الفردوسُ تُحْفَتُها = ومجلسُ المصطفى المبعوثِ للبشرِ
هيهاتَ تظمأُ بعد اليومِ إذْ طُوِيَتْ = صحائفُ السَّعيِ في الدنيا مع النُّذُرِ
فاليومَ عفوٌ وجنَّاتٌ ومغفرةٌ = من ربِّنا لذوي التَّوباتِ والصُّبُرِ
صاموا بفانيةٍ يرجون باقيةً = فأدركوها بصدقِ القلبِ والنَّظرِ
واليومَ طوبى لهم ، فاللهُ أسعدَهم = مع النَّبيِّينَ في روضِ الرِّضا النَّضِرِ
نعيمُ خُلدٍ فلا هــمٌّ ولا حَزَنٌ = ولا شقاءٌ لقلبٍ عاشَ في كدرِ
هيهاتَ يوصَفُ فضلُ اللهِ إن قُبِلَتْ =طاعاتُنا فَحِبَـاءٌ غيرُ منحصِرِ
فَصُمْ نهارًا وقُـمْ ليلا لتدركَه = فليس بعدَ إلهِ الخلقِ من وَزَرِ
هو الكريمُ الذي تُرجَى معونَتُه = ويُستغاثُ به من وطأةِ الضَّررِ
فقم له غيرَ مرتابٍ فرحمتُه = تغيثُ مَن قد رَمَاهُ الإثمُ في الخطرِ !
والصَّومُ يدركُ مَن ضاقتْ به سُبُلٌ = ففيه من نجدةٍ تأتي لمُنْتَظِرِ
يلوذُ باللهِ والأحناءُ مفعمةٌ = بالصبرِ يهمي عليها باذخَ الأثرِ
فالصَّائمُ القائمُ اللهفانُ مرتعُه = شوقٌ تبلَّجَ في عصرٍ وفي سَحَرِ
نسائمُ الغيبِ تُزجيه التِفَاتتُها = رخيَّةَ البوحِ بالإكرامِ في العُمُرِ
أبشِرْ أخا القيمِ العُليا بٍِمُنْقَلَبٍ = فيه لمثلِك يلقى خيرَ مُدَّخَرِ
فأنتَ من زمرِ الأبرارِ مابرحوا = يستأنسون بظلٍّ غيرِ منحسِرِ
قد لايرى الغافلون اللهوُ أشغَلَهم = مافي يد الصومِ من فضلٍ ومن ثمرِ
هي العقيدةُ مفتاحُ المنى وبها = تأتي السَّعادةُ لاتُبقِي على عُسُرِ
ففي يَدَيْ رمضانِ الجودِ تبصرُها = ثَجَّاجةَ الدَّفقِ تغري عبنَ مُنْبَهِرِ
غرفتُ غرفةَ ظمآن الحشا وَلِهًــا = منها ففزتُ بكأسٍ ليس من غُدُرِ
وإنَّما من محيطِ البِرِّ آثَرَه = شهرُ الصيامِ لقومٍ هـم على سَفَرِ
فَخَلَّفُوا ما بأيدي الناسِ من قُشُبٍ = شوقًـا ولم يحفلوا بالمالِ والحُمُرِ
وقد تعثَّرَ أقوامٌ ببؤسِهُمُُ = إذ جانبوا الحقَّ بالآثامِ والصَّعَرِ
هم استحبُّوا هوىً هيهاتَ يسعفُهم = وللحياةِ ابتلاءٌ غيرُ مندَثِرِ
هي الطباعُ لأهلِ الغيِّ عادتُها = تنالُ من أهلها بالنَّابِ والظُّفُرِ
ولا تردُّ النُّهى مَن جاءَ مُدَّكرًا = يريدُ طُهرَ الخطى لا اللعْبِ بالأُكرِ
فيهزجُ القلبُ والبشرى تعانقُه = ونالَ قِمَّتَها الزهراءَ بالفِكَرِ
قريبةٌ نفحاتُ اللهِ من مهجٍ = آبتْ إليه وقد عانت من الخُسُرِ
وطلَّقتْ زخرفَ الدنيا ففانيةٌ = أتغلبُ النفسَ بالأخدانِ والوترِ !
وقد حباها بنورِ العقلِ بارئُهـا = ويسَّرَ التَّوبَ للعاصي على قدرِ
فيالقلبٍ وعى مالله خبَّـأهُ = للتائبين هنا من كلِّ محتقرِ
فالشَّهرُ أبوابُه للخلقِ مشرعةٌ = مدى الليالي ولم تُغلقْ لِمُدَّكِرِ
فافتحْ صحائفَ مازالتْ نضارتُها =كروضةٍ من جميلِ الزَّهرِ في الشَّجرِ
وللأريجِ حديثٌ ليس يخنقُه = طولُ الجفا في مديدِ العُمْرِ والعُصُرِ
بالآيِ بالتَّوبِ بالفتحِ المبينِ ففي = بدرٍ تجلَّى ذهولُ الظالمِ الأشرِ
لمَّـا أفاقَ أبو جهلٍ رأى عجبًا = وكان يكفرُ بالإسلامِ والقدرِ
وانهارَ منكسرًا في ثوبِ غطرسةٍ = وليس ينفعُ كِبرٌ تيهَ منكسرِ
قد أنزل اللهُ للبشرى ملائكةً = لم تُبقِ من كافرٍ باغٍ ولم تَذَرِ
وجاءَ مكةَ والأصنامُ شامخةٌ = في كلِّ ركنٍ لها من عابدِ الحجرِ
فطابَ للبيتِ تكبيرٌ تردِّدُهُ = حناجرُ الفتحِ فالطاغوتُ في دُبُرِ
وأقبلَ الناسُ أفواجًـا فأكرمَهم = هَدْيُ النَّبِيِّ بمجدٍ غيرِ منحسرِ
وقد تهللَ وجهُ المصطفى فرحًـا = بعودةِ الخلقِ بعدَ الشركِ والكدرِ
فقد أطلَّتْ على الدنيا نُبُوَّتُهُ = فأشرقتْ تتثنَّى دونما بَسَرِ
صلَّى عليه إلهُ العرشِ ما ابتسمتْ = مشارفُ الأرضِ نشوى من سنى القمرِ
فزالُ ليلُ العنا عن وجهِ ساكنِها = وأدبرَ الضيقُ بعد الكربِ والضَّجرِ
إذ جاءَ بالدِّينِ أركانًا مشيَّدَةً = فما ونى مسلمٌ عن أمرِ مقتدرِ
هي الصلاةُ أقاموها على قَدَمٍ =معراجُ أرواحِهم في الخمسةِ الأُخَرِ
أما الصيامُ فشهرٌ فيه رحلتُهم = إلى السُّمُوِّ بما في الصَّومِ من عِبَرِ
وليلةُ القدرِ أغلى ليلةٍ ظفرتْ = بها القلوبُ فعافتْ راحةَ السُّرُرِ
وأقبلتْ نحو مولاها ، وراقَ لها = طيبُ المناجاةِ عندَ الفِطْرِ والسَّحَرِ
يثيبُها اللهُ أجرًا لاحدودَ له = والعفوَ عن كلِّ ذنبٍ عنه مغتفرِ
مَن صامَ يومًا وحرُّ الشَّمسِ يلفحُه = فقد وقى نفسَه في الحشرِ من سُعُرِ
وفازَ بالظلِّ ظلِّ اللهِ يكلؤُه = من هولِ مافي زحامٍ حلَّ بالبشرِ
تلك المفازةُ أرجاها لذي عملٍ = يزينُه الصدقُ والتقوى لِمُبْتَدِرِ
قاليومَ يومُ الجزاياويلَ مِنْ غَفَلُوا = وآثروا الفانيَ الأدنى بلا نَظَرِ
قُلْ للذي لم يَصُمْ : دنياكَ باسرةٌ = يشوبُها الوهمُ زيفًـا جِدُّ محتقرِ
أضعْتَ عمرَك تحثو من سرابِ هوىً = ولم تَــرَ الغيثَ يروي كلَّ ذي نظرِ
سعادةُ المرءِ ماكانت بزخرفةٍ = فليس يبقى لها في الذُّخْرِ من أثرِ
في مقلتيكَ رؤىً أخوتْ مفاتنُها = وصمتُها لك ثغرٌ غيرُ معتذرِ