صلاح الدين..!
حيدر الغدير
إلى العبقري العظيم الفاتح المنصور الميمون صلاح الدين الأيوبي، الذي جمع إلى النصر السماحة، وإلى البطولة النبل، وإلى الثراء الزهد، وإلى القدرة العفو، وإلى المضاء السخاء، وجاد وساد وقاد، وصان العهود، وأنجز الوعود، فصار نموذجاً رائعاً للفروسية المسلمة في أعلى صورها، وانتزع ثناء الأعداء قبل الأصدقاء، والنصارى قبل المسلمين، وبات رمزاً من أشهر رموز الفضائل المتفوقة الباهرة.
درةَ المجد والندى والطِّماحِ أنت أسكنتها فؤادي مليّاً تصنع النصر عبقريّاً نبيلاً فقصيدي أهديكه وهو بعضٌ مسدياتٍ للمسلمين جليلاً وذراها حطين وَهْو سجل * * * قال لي صاحبي يلوم ثنائي قلت: كلا، فهاهو الدهر آلى فَهْو روح لكنها من نقاء وَهْو عزم فوق النجوم مداه أجفل الجنُّ من عزائم جلت صاهلٌ مُهْره ونارٌ جُذاه * * * قد غدا حبه الجهاد مناه إنه العشق قد أصار العوادي حين أعلى في شعره المتنبي "ما الذي عنده كؤوس المنايا "أنت طول الحياة للروم غاز كان يعني الصلاح حقّاً وما لي كلهم فارس ومسعر حرب خالد العبقري فيه، وفيه * * * جاء والمسلمون فوضى ونهب فانتضى سيفه وعزماً جسوراً حرر الدين من أكاذيب قوم برئت فاطمٌ فليسوا إليها منح الأزهر الشريف هداه فهو للحق منهل وهو يروي التلاوات والأحاديث فيه * * * حاول الباطنيون أن يقتلوه ومضى في الحروب وَهْي عوان وهْو يرنو إلى الشهادة لكنْ شأنه شأن خالد لم ينلها رب موت من الشهادة أجدى حكمة الله قد تغيب علينا وله أمره عطاءً ومنعاً * * * وحَّد المسلمين وهو ينادي فأتاه الأبطال من كل صوبٍ جل عزم لهم وجلت رغاب ثم أهدى الإسلام حطين فتحاً * * * قد أتم الصلاح سعيَ عظامٍ العماد الهمام من آل زنكي(4) قد أحب الحياة كرّاً وفرّاً سيفه حرر الرها(6) بعد لأيٍ قد مضى خالداً، شهيداً بكاه كفنته أمجاده وتقاه وعلى نهجه استمر حميداً كان أنقى من الغمام وأزكى هو مثل الصِّحاب سيفاً وعزماً وصلاح على هداهم حثيث والسيوف الظِّماء رَجْع صليل عرب هاهنا، وكُرْد، وتُرْك وهو يقتادهم لأنبل مسعى أن يعود الأقصى لأهليه يشدو * * * راودته الدنيا بإغراء أنثى غلَّقت بابها وقالت خلونا إنني "هَيْتَ لَكْ" فأقبلْ سريعاً ردَّها ردَّ يوسفٍ فهو عفٌّ هب يعدو وخلفه هي تعدو حين قدت قميصه قال كلا وهْو ربي وكان مثواي منه ويقيني من الفساد يقيني وعفاف ورثته عن أصول هكذا يوسف النبي تسامى وعلى نهجه الطهورِ صلاحٌ راودته الدنيا جِهاراً فعفت واكتفى بعد نصره بفُتات باع لله نفسه وتخلى قال: إني وجهت وجهي لربي لن تراني الدنيا أسير هواها * * * أُشْرِب العفو فهو فيه سجايا كان يعفو عن قدرة وانتصار بيد أن العدوان إن صار بغياً أسرج العزم لانتقام نبيل وانتقام الأحرار فضل وعدل لم يكن قتله لأرناط(10) ظلماً إن أرناط غادر قتلته خان كل العهود قد أمضاها بل دعاه غروره لجنون ظن أن يستبيح قبراً عليه وإذا بالعقاب سيف صلاح قدَّه فهو في الدماء غريق حين خاف الباقون أومى إليهم لن تكونوا أسراي بل أضيافي * * * والذي أدهش الخلائق منه بضعة من دراهم هي نَسْيٌ لو رأتها عيناه أجفل منها لكأن الأموال داء عياء وكأن الإمساك محض خسار لم يكن خازناً ولكن وهوباً * * * أيها الفارس المتوج مجداً إن نصراً صنعتَه أمس باق حفظته العصور ثم روته كان قولاً فيه العلاء وفيه ما بناه الصليب عدواً وبغياً غير أن الأيام أخنت علينا لا تلمها فنحن باللوم أحرى واجترعنا الهوان حتى سكرنا فأتى الغاصبون لما رأونا فإذا قدسنا بإمرة غاز غره النصر وانتشى من سَفاهٍ قال: إن الصليب قد عاد يزهو تبَّ "لنبي" وخاب خيبة غِرٍّ * * * ثم جاء الشآم أعورُ(14) عاتٍ جاء قبراً سكنت فيه رضيّاً نحن عدنا فقم وما كان شهماً ضل غورو وضل ما قال غورو أسكرته أحقاده فهو فيها أعور العين والفؤاد فأنى لا يراعي الموتى سوى أريحي وانتقاص العظام طبع نفوس * * * ومضت فترة وزدنا انتكاساً أخذوا القدس نهزةً لا اقتداراً كان دايان(15) وهو أعور عيناً لم يكن غالباً وحاز انتصاراً أعورٌ إثر أعورٍ ويح قومي! لا تلمه إن أسرف البغي فينا حين يقتاد أمة عاجزوها * * * أيها اليوسف الصلاح ستبقى سوف نقفو خطاك مهما بذلنا لنعيد الأقصى العزيز عزيزاً نحن حراسه ونحن بنوه عودتنا رحابه أن فيها توسع المعتدين بطشاً ليغدوا ثم تطوي أخبارهم فَهْي نَسْيٌ * * * في غد ينطوي اليهود ونبقى قد قضى أن كل باغ سيفنى اليهود الباغون فيه كسؤر لاح يوماً أو بعضه في غرور ثم أودى ونحن نبقى دعاة إننا خير أمة أخرجتها * * * إنه الوعد وهْو آتٍ وفيه يشكرون المولى بدمعة باك نحن في القدس في انتصارٍ لم نكن نحن صانعيه ولكن قد محا آية اليهود فمرت ولنا آية الخلود سناها * * * قال لي صاحبي يلوم مديحي قلت: كلا، خصاله أبهرتني إنني قائل مقالة حق كان أعجوبة سلاماً وحرباً هن فيه من معدن عبقريٍّ أكبرته قبل الصحاب الأعادي كل قالٍ له غبيٌّ جهولٌ | جئتُ أهديكَ درةَ إذ رآك الميمون في كل ساح لم تشنه أثارة من طَلاح من هدايا أزجيتهن صِباح وجميلاً من مجدك الفيّاح من سجلاتك العظام الفساح * * * أنت أسرَفْتَ في مديح صلاح(1) إنه النجم في الوغى والسماح وَهْو جسم لكنه من صِفاح لا يبالي بخاذلٍ أو مُلاحي لصلاح تمتد عبر النواحي فاتكٌ سيفُه وما من جُناح * * * شائقاتٍ يبسمن في كل باح غُرَّ أحلامه الحسان المِلاح من عليٍّ(2) وقال في الأمداح كالذي عنده كؤوس الراح" فمتى الوعد مؤذن بالرواح" بانتقاص العلي شنأة لاحي جاز حد العصيٍّ بعد المتاح عقل عمرو، وصولة الجَرّاح * * * لصليب وظالم وإباحي ومضى فارساً وكبش نطاح "فاطميين" كاذبين قِباح إنهم محض فِرية وجُناح وحماه من افتراء بواح وارديه بالبينات الصحاح لا ضلالات باطنيٍّ وقاح * * * فوقته عناية الفتاح في ظلام محلولك ولِياحِ(3) لم تُقَدَّر فمات نِضْوَ الْتياح وعلى جسمه مئات الجراح وحياةٍ تفوقها في المِناح أو نراها في الجهر والإلماح ولنا في الرضا أجل رباح * * * إن درب الجهاد درب الفلاح يمتطون الردى وهوج الرياح طاهرات أخلصن للفتاح كان وعد الأقدار في الألواح * * * أشرعوا للجهاد باب الكفاح صاحب السبق في انتضاء السلاح وأباها في هجعة وامتياح(5) فهْي بعد الأحزان في الأفراح كل شهم بالمدمع السحّاح وثناء المدّاح والنوّاح نجله(7) في جراءةٍ وطِماح من شذا الروض في ربيع ضاحي وهو في زهده أخو أمساح(8) وجيوش الإسلام أُسْد بِطاح= والخيول العتاق وَقْع ضُباح(9) جعلوا الأمر كله لصلاح بالمعالي وبالهدى نضّاح وهْو حرٌّ كالبلبل الصدّاح= * * * ذات مال وفتنة ونِفاح وأتته في عُرْيها الفضّاح نغتنم لذة الهوى الممراح ليس يرضى بصبوةٍ أو سِفاح في عرام ولهفة وصياح لن أخون العزيز يأبى طِماحي محسناً لي في غدوتي ورواحي إذ يريني الهدى كنور الصباح هم نبيون كان منهم صلاحي عن رغاب ممن هوته قِباح كان أنقى من مزنة في أقاحي نفسه قبل عينه والراح وحصير بال وماء قراح عن رحيب من عزها ورداح وبه حيث أغتدي استفتاحي من مباح لها وغير مباح * * * محسنات تدعوه للإسجاح حاسم ذي مهابة واكتساح من عتل وغادر فدّاح هو إن رزته أخٌ للسماح فيه سَمْتان من هدىً ورجاح بل قصاصاً ومحضَ حق صراح نزوات من حقده الملحاح في عتو الختار والذباح هو سقيا إبليس والأقداح من وقاء الرحمن ألفُ جناح بورك السيف في يمين صلاح وغريق من قبلها في اللُّواح(11) لا تخافوا من الدم المنساح كلكم آمن طليق السراح * * * إرثه وهْو دونَ قبضة راح شغلته عنها هموم الكفاح فهو منها في بِغْضة وشِياح(12) يتداوى منه بطيب النِّفاح وكأن الإعطاء محض رباح في هناءٍ له وفي أتراح * * * ما محاه من سطوة الدهر ماحي وسيبقى رغم الخطوب الرزاح ألسن الناس من صِحاحٍ فِصاح فرحة القوم بُشِّروا بالنجاح أنت صيَّرته لقىً في البطاح بالعوادي في صولة واجتياح إذ رضينا بتافهات المتاح من دنانٍ له ومن أقداح قصعةً أهلها أسارى كُساح جنرالٍ(13) ذي قسوة وجِماح وأمانٍ ذميمة أطلاح والحروب انتهت وما من براح يطلب الرأي من خلال القِداح * * * فيه عسف الباغي وطيش الراح ثم ناداك في سَفاهٍ صُراح برئ النبل من لئيم وقاح إنه نفث حقده الملحاح في إسار الغيلان والأشباح يهتدي مرة لدرب فلاح ونبيل وسيد طحطاح كالحات دميمة وشحاح * * * فإذا باليهود ملء الساح إذ رأوها كالضائع المستباح وفؤاداً من قادهم في جِماح =من بغاةٍ مفرِّطين طِلاح(16) عاث عُورٌ بهم وعاث إباحي مذ رآنا أسرى الونى الطوّاح سوف تعنو للنذل والسفّاح * * * في دمانا حداءنا للكفاح من نفوس زكية وجراح وهو ضاح ونصرنا فيه ضاحي نفتديه – وجلَّ- بالأرواح مصرع المستبد والسفّاح بين أسر ومهلك ونواح أو أكاذيب سادرٍ مزّاح * * * إن حكم الأقدار مُبْقٍٍ وماحي مثل آلٍ بقيعة لَوَّاح من بقايا الأوشال في الضحضاح وانتفاش مستكبر وافتضاح ننشر الحق بالرضا لا السلاح حكمة الله رادةً للصلاح * * * يلتقي ذو القنا وذات الوشاح وهتاف ملء المدى مُنداح جليلٍ=يوسفيٍّ يزدان بالإسجاح كان نعمى من ربنا المنّاح مثل مر الأوهام والأشباح بينات المشكاة والمصباح * * * لصلاحٍ فَلْتقتصِدْ يا صاح فكبت دون مجده أمداحي وهْي نبضي ومهجتي وانقداحي وعفافاً وجوده كالرياح وسجايا مثلِ الصَّباح صِباح وثناءُ الأبطال بعد الصِّفاح أو كذوبٌ، وخائبٌ من يلاحي | الأمداحِ
الهوامش:
(1) يوسف: هو الاسم الأصلي للبطل الذي تتشرف بمدحه هذه القصيدة. وصلاح الدين: هو لقبه الذي عرف به ودخل التاريخ.
(2) عليّ: اسم سيف الدولة الحمداني الذي أصفى له المتنبي قصائد المديح.
(3) لِياح: بياض.
(4) عماد الدين زنكي، مؤسس الإمارة الزنكية، عراقي تركماني، كان شجاعاً فارساً مقداماً، أول من بدأ الجهاد ضد الصليبيين، وحرر إمارة الرها.
(5) امتياح: طلب المنحة.
(6) أول إمارة صليبية تأسست عام 1098م جنوب شرق تركيا، امتدت شرقا قريباً من الموصل التي كانت بإمرة عماد الدين. وكانت من أهم الإمارات الصليبية في المشرق، استسلمت لقوات عماد الدين زنكي بعد حصار دام 28 يوماً، في 27 نوفمبر1144م.
(7) نجله: نور الدين محمود، ورث الإمارة عن أبيه، وتابع ما بدأه أبوه في محاربة الصليبيين، شبهه المؤرخون بالخلفاء الراشدين لصلاحه وعدله، وهو أستاذ صلاح الدين، مهد له طريق تحرير القدس، وانتقل الحكم منه إليه.
(8) أمساح: ملابس خشنة يلبسها الرهبان.
(9) ضُباح: نوع من عدو الخيل، وفي القرآن الكريم: {والعاديات ضبحاً}.
(10) أرناط: أو رينو دي شاتيون، كان من أمراء الحملة الصليبية الثانية، حكم إمارتي أنطاكية والكرك، وكان فظاً سيئاً، نقض العهد مع صلاح الدين الأيوبي، واعتدى على قافلة للحجاج، وشتم الرسول صلى الله عليه وسلم، وعزم على غزو المدينة المنورة، ونبش القبر الشريف! فأقسم صلاح الدين أن يقتله بيده!. وحين أسر في معركة حطين عام1187م، وأحضر مع الأمراء الأسرى من الصليبيين، منعه صلاح الدين من شرب الماء وقال: هذا لا عهد له عندي!، وقتله بنفسه، وأعطى الأمان لبقية الأمراء.
(11) اللواح: الظمأ.
(12) شِياح: إعراض.
(13) هو الجنرال البريطاني "اللنبي" الذي احتل القدس عقب خروج الجيش العثماني منها، وقال يومها: "الآن انتهت الحروب الصليبية!"، بتاريخ 9/12/1917م.
(14) هو الجنرال غورو الذي احتل سورية، عقب معركة ميسلون، وذهب إلى قبر صلاح الدين الأيوبي، ووقف أمامه وقال له: "لقد عدنا يا صلاح الدين!"، بتاريخ 30/7/1920م.
(15) هو الجنرال اليهودي "موشي دايان" وزير الحرب الإسرائيلي الذي احتل جيشه باقي فلسطين والقدس والجولان وسيناء فيما عرف بحرب الأيام الستة، التي بدأت بتاريخ 5/6/1967م.
(16) إن النصر الذي حققه دايان وزير حرب اليهود عام 1967م على العرب، لم يكن لمهارته، بل لتفريط القيادات العربية التي كانت تتصدى –ظاهراً لا حقيقةً- لليهود، والتي أقل ما يقال فيها: إنها كانت دون مستوى المعركة.