المَوَاكب
هذه القصية الطويلة هي معارضة لقصيدة جبران خليل جبران الشهيرة ( المواكب ) وعلى نفس النمط والأسلوب..وقد نظمتُ معظم أبيات القصيدة إرتجالا ) .
لقد أعجبني هذان البيتان من الشعر المنشوران على صفحة أحد الأصدقاء في الفيسبوك للأديب والشاعر المهجري الكبير " جبران خليل جبران " من قصيدته ( المواكب) ، وهما :
( فجمالُ الجسم يفنى مثلما تفنى الزُّهُورْ
وجمالُ النفسِ يبقى زهرًا مَرَّ الدُّهُورْ)
فنظمتُ أنا هذه القصيدة الطويلة من الشعر معارضة لقصيدة جبران المشهورة ، وتحمل نفس الإسم " المواكب " :
هذي الحياةُ كحلم ٍ كلُّهَا عِبَرُ إنَّ اللبيبَ بها مَن كانَ يَعتبرُ
كم عالم ٍ صارَ مَنبوذا وَمُكتئبًا والجاهلُ النّهمُ ثيابَ العلمِ يتّزرُ
وَمُعظمُ الناسِ كالقطعان ِ سائرةٌ وراءَ وغدٍ وزنديق ٍ كما البقرُ
نراهُمُ مثلَ آلاتٍ تُحَرِّكُها أيدي البغاةِ .. غدًا لا بُدَّ تنكسرُ
مَنْ قد ترفَّعَ عن إثمٍ وعن عُهر ٍ أراهُ جَاورَ منْ حارَتْ بهِ الفكرُ
وكلُّ من كانَ صراط ُ الربَّ دَيْدَنُهُ فإنَهُ رابحٌ في السعي ِ مُنْتَصِرُ
هذهِ دنيا الغُرُورْ مثلُ دولابٍ تدُورْ
لم يدُمْ فيها سرُورٌ وابتهاجٌ وَحُبُورْ
نحنُ فيهَا كضيُوفٍ لو سَكنَّا في قصُورْ
إنّما الأجسامُ تفنى إنّها مثلُ القشُورْ
وَجمالُ النفس ِ يبقى .. وَشَذاهُ كالعطورْ
جوهرُ الرّوح ِ خُلودٌ ليسَ تفنيهِ الدُّهُورْ
معدنُ الجِسْمِ تُرابٌ تسطعُ الرُوحُ بنورْ
وَحبيبُ الروح حَيٌّ في حياةٍ أو نُشُورْ
أعطِني النايَ وَغنِّ كلَّ صُبح ٍ وَمَساءْ
إنّما العيشُ كحُلم ٍ ليسَ في الأرضِ بَقاءْ
وإذا الأيّامُ جَارتْ ... وابتلينا بالشَّقاءْ
لا نُجَدِّفْ بإلهٍ وبأحكام ِ السَّماءْ
مثلُ أيوبٍ سنغدُو سوفَ نرضَى بالقضاءْ
كلُّ حيٍّ لزوالٍ ما على الأرضِ رجاءْ
ومن الأرضِ ارتحالٌ وإلى الخُلدِ ارتقاءْ
إنَّ الغنيَّ غنيُّ النفسِ ما كذبُوا يحيا الحياةَ سعيدًا .. حُلمُهُ نضِرُ
وكم غنيٍّ يعيشُ العُمرَ مُكتئِبًا لا الجَاهُ يُسعدُهُ والمالُ والدُّرَرُ
وآخذُ الشيءِ لا يُعطيهِ قد صدقُوا أمَّا الغنيُّ بنفس ٍ جُودُهُ مطرُ
إنَّ السَّعادةَ بالإيمانِ مُترعة ٌ وَنفحة ُ الرَّبِّ تُحيي كلَّ مَنْ قُبِرُوا
إنَّ الحكيمَ لفعلِ الخيرِ مُدَّخِرٌ أمَّا الجهُولُ فللاموالِ يدَّخِرُ
ويومَ يقضي فلا الاموالُ تنفعُهُ نارُ الجحيمِ لِمَنْ في الإثمِ قد عبَرُوا
أعطني النَّايَ وغنِّ كلّما حَلَّ الظلامْ
إنَّ صوتَ الناي عَذبٌ عندما الكونُ ينامْ
فيهِ دِفءٌ وَعزاءٌ لكئيبٍ مُستهَامْ
مثل صوتِ العودِ حلوٌ مثل عزفي في انسجَامْ
قد ملأتُ الكون عطرًا ثمَّ ألحانا عذابا
وأنا المكلومُ دومًا كم تجرَّعتُ المَصابا
وَرَشفتُ الكأسَ صَابًا ليسَ شهدًا وَرضَابا
وتحدَّيتُ المَآسي وَتجاوَزتُ الصّعابا
إنَّ إيماني بربِّي جعلَ الهمَّ سَرابا
أعطِني النايَ وَغنِّ كلّما جاءَ النَّهارٍ
إنَّ صوتَ النّاي عذبٌ فيهِ يرتاحُ الكنارْ
وبصوتِ النايِ دفءٌ هُوَ للروحِ انتصارْ
وبصوتِ النايِ بَوْحٌ ولِمَنْ يُكْوَى بنارْ
وأنينُ النَّايِ يبقى بعدَ أن تغفُو الديارْ
إنَّ البعيدَ عن ِ الأوباشِ قاطبة ً وعندَ أهلِ الشّرِّ مَنبُوذ ٌ وَمُحتقرُ
وَصاحب الفكر ِ..أحلام مُجَنَّحَة الفجرُ عمَّدَهُ والأنجمُ الزّهُرُ
هُوَ النبيُّ بُرودُ النورِ تحضِنهُ بهِ البغاةُ وأهلُ الإفكِ كمْ سَخرُوا
يبقى الغريبَ بكون ٍ كلهُ دجَلٌ لم يكترِث هُوَ لامَ الناسُ أم عذرُوا
هُوَ القويُّ بإيمانٍ يُوَاكبُهُ ولم يُبالِ إذا عنهُ الورى نفرُوا
أعطني النايَ وَغَنِّ إنَّني صَبٌّ عَليلْ
غنِّ ألحانَ خُلودي أيُّهَا الشَّادي الأصيلْ
نحنُ في عصرِ ضياع ٍ قتلوا اللحنَ الجميلْ
وَأدُوا وردَ جنان ٍ ثمَّ أثمارِ النخيلْ
نحنُ في عصرِ انحطاطٍ فيهِ قد سادَ الرَّذيلْ
كلُّ مأفون ٍ جبان ٍ ... وخؤُون ٍ وَدَخيلْ
أصبحَ الشهمُ كئيبًا وَشريدًا وَضئيلْ
عصرُنا عصرُ انتكاس ٍ هل لهذا من بديلْ؟
إنَّ قلبي لبلادي لا لمسؤُولٍ ذليلْ
لا لحزبٍ أو زعيمٍ خائنٍ نذلٍ عميلْ
كم سياسيٍّ كقوَّا دٍ هو الشهمُ الجليلْ
تاجرَ الأوغادُ في آلا مِنا الدّهْرَ الطويلْ
إنَّ قلبي لبلادي لا لحزبٍ أو دليلْ
إنَّني أفدِي بلادي ماؤُها لي سَلسَبيلْ
في مجمع ِ الرِّجسِ والأوغادِ قد رَتعَتْ
كلُّ الزَّعانفِ ..كم أرْغُوا وكم نخَرُوا
مثلُ البَهائم ِ مهما كان مركزهُمْ
طولَ السّنينِ دروبَ العُهر ِ قد عبَرُوا
الأسدُ نامَتْ كلابُ العصر ِ قد نهَضَتْ
ماتَ الضَّميرُ وَصَوْتُ الحقِّ مُستترُ
قد وَظّفُوا كلَّ مَعْتُوهٍ وَمُذدَنبٍ
والجهبذ ُ الحُرُّ مَنبُوذٌ وَمُنبَهِرُ
الثّائرونَ على الجلادِ قد رقدُوا
الكلُّ يصمتُ لا ناهٍ وَمُزْدَجِرُ
الحقُّ مُنتهَكٌ والمَجدُ مُنتكِسٌ
الوردُ يُحْرَقُ والأقمارُ تنتحرُ
كلُّ الأراذلِ في لهو ٍ وفي مَرَح ٍ
العصرُ عصرُهمُ .. أهلُ الخنا كُثُرُ
الإمَّعاتُ هُمُ الأسيادُ في زمَن ٍ
الحقُّ يُصلبُ والأوباءُ تنتشرُ
إنَّ المواخيرَ في عصرِ الخَنا ازدَهرتْ
رُوَّادُهَا البُهْمُ والأدوارُ تنتظرُ
( إنَّ قلبي لبلادي لا لحزبٍ أو زعيمْ )
إنَّ قلبي لبلادي إنَّهُ قولٌ حكيمْ
قالها قبلَ عقودٍ شاعرٌ فذ ٌّ عليمْ
قالها ( طوقانُ ) يدري حالَ أوطاني الأليمْ
والذي كانَ سيجري وَمِنَ الخطبِ العظيمْ
قالهَا قبلَ نزوحٍ ٍ واغترابٍ وَهُمومْ
قبلَ تشريدٍ وَحُزن ٍ وَضياع ٍ وَوُجومْ
أعطني النَّايَ وَغنِّ إنَّني نبضُ الشُّعُوب
والتي تسعَى لحَقٍّ كان مَنسيًّا سليبْ
أعطني النَّايَ وَغنِّ إنَّني صوتُ الضَّميرْ
كمْ بريىءٍ يتلظّى وأنا أحيا أسيرْ
كم عميلٍ وهبيلٍ ناقدٍ ... أضحَى يصُولْ
كانَ شُعرُورًا قميئًا كلُّ مسعاهُ هزيلْ
كانَ مَنبوذا طنيبًا وجبانًا وذليلْ
خدمَ الأعداءَ رَدْحًا أصبحَ الفذ َّ المَهُولْ
وَظّفُوهُ لانحطاطٍ ينشرُ الفكرَ المَحيلْ
وَظّفُوهُ لدَمار ٍ عكّرَ الجوَّ الجميلْ
هُوَ للطبيع ِ يبقى لمثالا ودليلْ
إنَّمَا التطبيعُ ذلٌّ وَهَوانٌ لا مَثيلْ
كُلُّ مَنْ يُعطى مِنَ التّطبي ع ِ تكريمًا أقولْ :
إنَّهُ ساءَ صنيعًا إنَّهُ ضَلَّ السَّبيلْ
إنَّ شعري وَفُنوني لبلادي ثمَّ شعبي
إنَّني أفدِي بلادي هي في روحي وَقلبي
هيَ في الوجدانِ تبقى وَبعينيَّ وَهُدبي
لم أخُنْ ميراثَ أجدادي لمْ أبعْ أهلي وَصَحبي
شاعرُ الأحرارِ أبقى بينَ قومي كَنَبِي
وَبشعري يتغنَّى كلُّ شَهم ٍ وَأبي
إنَّ دربي من لهيبٍ مُنذ ُ أن كنتُ صبي
أتغنَّى باعتزاز ٍ أنا دومًا عَربي
أعطني النَّايَ وَغنّ فالغنا كلُّ الأملْ
إنَّ صوتَ الناي يبقى بعدَ أن تغفُو المُقلْ
أعطني النَّايَ وَغنّ فالغنا يُذكي الشَّجَنْ
إنّ صوتَ النَّاي يبقى بعدَ أن يمضي الزَّمنْ
أعطني النَّايَ وَغنِّ إنَّني نبضُ الشُّعُوب
والتي تسعَى لحَقٍّ كان مَنسيًّا سليبْ
إنَّ صحرائي انبثاقٌ تهتدي فيها القبائلْ
هيَ فجرٌ وانطلاقٌ .. وَمسارٌ للقوافلْ
وبها النخلاتُ تسمُو وَكم ِ ارتاحَتْ رَوَاحِلْ
وبها النَّسماتُ تصفُو والعصافيرُ تُغازِلْ
وَسُهيلٌ ضاءَ دومًا في لياليهَا الطوائِلْ
لم تُكدِّرْهَا صراعا تٌ وأشباحٌ غوائِلْ
هيَ دفءٌ وَملاذ ٌ رَتعَتْ فيهَا الاصائِلْ
هيَ حُبٌّ وسلامٌ هيَ شدوٌ للبلابلْ
أعطنِي النَّايَ وغنِّ وأنْسَ ما مَرَّ وفاتْ
لا تقُلْ : أمسي كئيبٌ فالذي قد غابَ ماتْ
فلتعِشْ عيشًا هنيئًا واغتنِمْ ما هُوَ آتْ
عاهرٌ ذاكَ الذي يَخْ طو ويجري في السّياسَهْ
قالهَا فذ ٌّ حكيمٌ ولكمْ عانى ابتئاسَهْ
إنَّما السَّاسة ُ دومًا هُمُ أنذالٌ خساسَهْ
إنَّهُمْ رمزُ انحِطاطٍ هُمُ عُنوانُ النَّجاسَهْ
والذي صَارَ زعيمًا ولهُ كلُّ الرّئاسَهْ
محورَ الأكوانِ أضحَى إنَّنا عُفنا انتكاسَهْ
وَهُراءً منهُ دومًا ونرى دومًا نُعاسَهْ
حَذِرٌ في كلِّ أمر ٍ وَنرى نحنُ احتراسَهْ
هوُ طنجيرٌ غبيٌّ ما تحلَّى بالفراسَهْ
بيدِ الأوغادِ طفلٌ مثلُ كلبٍ للحراسَهْ
كم سياسيٍّ وَضيع ٍ عندنا باع الضَّميرْ
محورَ الأكوانِ أضحَى قالهَا النذلُ الحقيرْ
خلفهُ الاوباشُ تجري مع حُثالاتِ الحميرْ
والعضاريط ُ صُنوجٌ بهُتافٍ وَصَفيرْ
عصرُ لكع ٍ وابنِ لكْع ٍ فيهِ قد ساءَ المَصيرْ
عصرُنا عصرُ انحطاطٍ ليسَ فيهِ من نصيرْ
كم هبيلٍ صَحفيٍّ صيتُهُ صارَ شهيرْ
إنَّهُ نذلٌ عَميلٌ ومعِ الخزيِ يسيرْ
هُوَ لا يعرفُ حرفَ الْ لام ِ من قافٍ تدُورْ
هُوَ لا يفهمُ ما المَكْ تُوبَ في كلِّ السطور
وَظفُوهُ ... جَعَلوهُ الْ كاتبَ الفذ َّ الخطيرْ
ينشرُ الإفكَ وَخزيًا وَهُراءً ... كلَّ زورْ
يخدمُ الأوغادَ والأضْ دادَ ... كالجَرْوِ الصَّغيرْ
بيدِ الأوباشِ أضحَتْ كلُّهَا تجري الامورْ
إمَّعَاتُ العصرِ سَادَتْ أمرُنا أضحَى عسيرْ
كلُّ رعديدٍ جبان ٍ صارَ مقدامًا جَسُورْ
ينفث الرِّيشَ كطاوو س ٍ .. كما الثّور يَمُورْ
والصَّناديدُ نيامٌ كلُّ رِئبال ٍ هَصُورْ
وَضعُنا قد يُضحكُ الثكلى .. وَمَنْ هُمْ في القبُورْ
عصرنا عصرُ انتكاس ٍ عصرُ خزي ٍ وَفجُورْ
عصرُ لكع ٍ وابن لكع ٍ قد دنا يوم النّشورْ
ليسَ في الغاباتِ عدلٌ قالَ جبرانُ الحكيمْ
إنَّ عدلَ الناسِ زيفٌ ليسَ يرضاهُ الفهيمْ
إنّها الأرزاءُ سادتْ في دُجى الليلِ البهيمْ
إنَّ في الأرضِ شقاءٌ ... وظلامٌ وَسَديمْ
كلُّ حُرٍّ يَتلظّى وَأبيٍّ وَكريمْ
إنَّما عدلُ إلهي دائمًا حَقٌّ قويمْ
في السَّماواتِ سلامٌ وصراط مُستقيمْ
في الأرضِ عدلٌ لهُ الشّيطانُ مُبتسمٌ إبليسُ يعجزُ ما يأتي بهِ البشَرُ
كم أمَّةٍ تحتَ نيرِ الظلم ِ قابعة ٌ والكونُ يصمتُ لا حِسٌّ ولا خبَرُ
فسارقُ الدّار ِ والأوطانِ مُفتخرٌ وسارقُ الخبز عندَ الكلِّ مُحتقرُ
وكلُّ ذي سطوةٍ الناسُ تتبعُهُ أمَّا الضَّعيفُ فمَنبوذ ٌ وَمُنتَهَرُ
الأرضُ أضحَتْ جحيمًا كلّها كدرٌ الليلُ خيَّمَ ... نارُ الظلمِ ِ تستعرُ
والناسُ مليونُ وجهٍ بئسَ نهجُهُمُ باعُوا الضَّميرَ بخمرِ العُهر ِقد سكرُوا
ليسَ في الغاباتِ عدلٌ لا ولا فيها المُدَامْ
إنَ كُنهَ الغابِ يبقى طلسَمًا أعَيا الأنامْ
كمْ رجالٍ كشمُوس ٍ أصبحُوا اليومَ نيامْ
وَبُدُور ٍ أطفأتهَا طغمُ الغدرِ لئامْ
حُكّمَتْ فينا ذئابٌ ... وَمُسُوخٌ وَهَوَامْ
عصرُنا عصرُ انحِطاطٍ فعلى الدُّنيا السّلامْ
أعطني النّايَ وَغنِّ فالغنا وَردٌ وَماءْ
إنَّ صوتَ النَّاي يبقى رغمَ أنهارِ الدّماءْ
لمْ نُسلّمْ لمَصير ٍ وَمصابٍ وشقاءْ
ولنا باللهِ عَونٌ إنَّهُ كلُّ الرَّجاءْ
الكذبُ صارَ شعارَ الناسِ في زمنٍ ماتَ الضّميرُ وفيهِ الحقُّ ينحصرُ
الرّجسُ قدعمَّ أهلَ الأرض ِ قاطبة ً الزهرُ يبكي ودمعُ الطهرِ ينهمرُ
كم من دَعيٍّ ومأفونٍ هنا نتن ٍ أضحى تقيًّا بثوبِ الدين يَتَّزرُ
فوقَ المنابر كم طالتْ لهُ خطبٌ والموبقاتُ جميعًا خاضها القذرُ
يصطادُ في الماءِ ضحلا كان أو كدرا مصيرُهُ في غدٍ نارُ اللظى سَقرُ
ليسَ في الغاباتِ حَقٌّ لا ولا فيها الصَّفاءْ
إنَّ صوتَ الظلمِ يعلوُ واختفى ذاكَ الضياءْ
وَحُشودُ الشَّرِّ تعدُوْ هيَ تمشي الخُيلاءْ
لم يُحَجِّمْها نظامْ لا ولا حُكمُ السَّماءْ
لمْ يَعُد في الغابِ عدلٌ لا ولا فيهِ الرَّجاءْ
لم يعُدْ فيه جمالٌ هو مَهدٌ للشَّقاءْ
أعطني النَّايَ وَغنِّ قبلَ أن تخبُو النجومْ
كلُّ سرٍّ سوفَ يبدو بعدَ أن تجلو الغيومْ
أعطنِي النَّايَ وَغنِّ قبلَ أن يغفُو الزَّمانْ
إنَّ هذا الكونَ وَهمٌ ليسَ في الدُّنيا أمَانْ
لم يدُمْ فيها سرورٌ .. يتلاشى العُنفوانْ
ويموتُ الزَّهرُ والفلُّ وَسحرُ البيلسَانْ
لا تقُلْ أصلي وفصلي إنَّ لي جَاهٌ وَشانْ
كلُّ حَيٍّ لتُرابٍ مثلما في البِدءِ كانْ
أبناءُ آدمَ ما كلّوا وما وَهَنُوا الظلمُ فيهمْ مدى الأيام ِ مُنتشرُ
تفّاحةٌ هيَ قد ساقتْ مَصيرَهُمُ فعلُ الخطيئةِ مَورُوث وَمُعتمَرُ
اللهُ أعطاهُمُ الآياتِ ساطعة ً كلَّ الدروسِ ِ لكي يصحُو ويعتبرُوا
لكنّما الشرُّ فيهم دائمًا أبدًا الأرضُ تنزفُ والأزهارُ تنتحرُ
هذي البسيطةُ مُذ كانت وَمُذ وُجِدَتْ فالكلُّ فيها لفعلِ الشَّرِّ يبتدرُ
الكونُ نامَ حشودُ الظلمِ صائلة ٌ طولَ الدُّهُورِ ونارُ البغي ِ تستعرُ
أعطني النايَ وَغنِّ فالغنا نارٌ ونورْ
إنَّ صوتَ النايِ يبقى بعد أن تفنى الدُّهورْ
لم نُخلَّدْ فوقَ أرضٍ فعليهَا الكلُّ فانْ
عُمرُنا يمضي سريعًا يتلاشَى كالدُّخانْ
نحنُ كم نبكي عليهِ بعدَ أن مَرَّ الزَّمانْ
عيشُنا مَدٌّ وجزرٌ هكذا كُنَّا وكانْ
كم شبابٍ كشُمُوس ٍ مثلُ أزهارِ الجنانْ
قطفَ الموتُ شذاهَا قبلَ أنْ آنَ الأوانْ
أعطِني النايَ وَغنِّ إنَّني نسرٌ جريحْ
كم خُطوبٍ داهمَتنِي وأعاصير وَريحْ
فغدًا تُطفأ شمسي إنَّني أغدُو طريحْ
وَغدًا يُحفرُ رَمْسِي من عذابٍ أستريحْ
فأنا قربانُ حقٍّ مثلما كانَ المَسيحْ
أعطني النايَ وَغنِّ إنَّني لحنُ السَّلامْ
سأغنِّي لودادٍ وَلِحبٍّ وَوئامْ
أعطني النَّايَ وَغنِّ إنَّني نَبْضُ الوَطنْ
فهَوَاهُ خالدٌ ... يَبْ قى على مَرِّ الزَّمَنْ
سأغنِّي حُبَّهُ المَنْ شُودَ حتَّى في الكفنْ
أعطني النَّايَ وَغنِّ فالغنا نبضُ الحياةْ
إنَّ صوتَ النَّايِ يبقى بعدَ أن يأتي السُّباتْ
كم جلستُ العصرَ وَحدي بينَ أفياءِ النَّخيلْ
واحمرارُ الأفقِ يبدُو عندما يأتي الأصيلْ
أنشدُ الآمالَ ... ثمَّ الحُبَّ واللحنَ الجميلْ
ونسيمٌ يتهادَى يُنعشُ القلبَ العليلْ
وَطيورُ الرّوضِ تشدُو تُطربُ الصَّبَّ النَّحيلْ
ولقد طالتْ صلاتي ... ولمَسْعَايَ النّبيلْ
لمسةُ الرَّبِّ عَليَّ لِيَ قد ضاءَ السَّبيلْ
وَإلهي لي نصيرٌ في دجى الدَّربِ الطويلْ
دربي طويلٌ وآمالي مُضَمَّخةٌ بالعطرِ والنُّور ِ.. بالإيمانِ أنتصرُ
وَحيث سرتُ ملاكُ الرَّبِّ يحرسُني النّورُ حولي ووردُ الطّهر ِ ينتثرُ
أنا الوداعةُ في حزن ٍ وفي فرح ٍ مَسعايَ حقٌّ . دُروب الخيرِ أقتصرُ
وفاقدُ الحِلم ِ فالشّدَّاتُ تقتلهُ لا يُرهبُ المُؤمنَ الأهوالُ والخطرُ
الأرضُ تنزفُ مُذ كانتْ وما برحَتْ فيهَا الشَّقاءُ ونارُ البغضِ تستعرُ
مَنْ يجعلِ اللهَ نبراسًا لهُ سندًا مَآلهُ سيكونُ النّصرُ والضَّفرُ
أعطني النَّايَ وَغنِّ أيُّها الشَّادي الوَديعْ
في الغنا كلُّ عزاءٍ وَلمَنْ أضحَى صريعْ
لِمُحِبٍّ يتلظَّى نارُهُ بينَ الضلوع
ليلهُ حُزنٌ وَهمٌّ نازفٌ فيضَ الدُّموعْ
أعطني النَّايَ وَغنِّ إنَّني أحْيَا الغرامْ
صرتُ في الحُبِّ مثالا وَمنارًا للأنامْ
إنَّ روحي تتلظّى إنَّ قلبي في اضطرامْ
إنَّني مُضْنًى نحيلٌ أنا صَبٌّ مُستهَامْ
أنا مجنونٌ بليلى وَهْيَ مثلي لا تنامْ
هل سيشفينا غناءٌ وكؤُوسٌ من مُدَامْ ؟
إنّني قيثارةُ الأحْ لام ِ واللحنِ الجميلْ
معدني نورٌ وَطهرٌ إنَّ نبعي سَلسبيلْ
إنَّ فنِّي خالدٌ يَبْ قى وَمِنْ جيلٍ لجيلْ
وَبشعري يتغنَّى كلُّ شهم ٍ وأصيلْ
وَبشعري يتسامى الْ فخرُ والمجدُ الأثيلْ
فيهِ إعجازٌ وَعُمقٌ فاقَ إبداع الفحولْ
لا لصحراء وَنوق ٍ وَرُسوم ٍ وَطلولْ
يُنعشُ الأنسامَ والأشْ واقَ والوَردَ الخضيلْ
يسكرُ الكونُ على إيقاعهِ العذبِ الجميلْ
أعطني النَّايَ وَغنِّ في الغنا سحرُ الجمَالْ
إنَّ صوتَ النَّاي يبقى بعدَ أن تغفُو الرِّمال
لا تقُلِ : ذاكَ وهذا لا تسَلْ عنْ قيلٍ وقالْ
عُمرُنا يمضي كحلم ٍ فاغْتَنِمْ طيبَ الوِصَالْ
إنَّ الجمالَ بهِ الأفذاذ قد فُتِنوا وكم تسامَتْ بإبداع ٍ لهُمْ صُوَرُ
إنَّ الجمالَ جمالُ الرّوح قد صدقُوا يمضي الزّمانُ فلا شيبٌ ولا كبَرُ
ويعشقُ الوردَ ذو شمٍّ وَذو بصَر ٍ وليسَ مَنْ لا لهُ شمٌّ ولا بَصَرُ
الوردُ يُنعشُ إرواحًا مُعَذّبة ً يَسبي قلوبَ الوَرَى إذ ما هُمُ نظرُوا
وفاقدُ الذوقِ والإحساس لا أملٌ منهُ.. ولا يُرتجَى خصبٌ ولا ثمَرُ
وَمَنْ لا يجودُ بما تسخو الحياةُ لهُ فإنّهُ الكفرُ والإفلاس والضّرَرُ
وباذلُ النّفس ِ من أجلِ الحبيبِ غدَا مثلَ النّبيِّ ولا يثنيهِ مُزدَجِرُ
لهُ القضيَّة قد شَعَّتْ عدالتُهَا وكانَ بالرَّبِّ .. بالإيمانِ مُصطبَرُ
الرّوحُ تبقى مدى الأجيال خالدةً والجسمُ تحتَ ترابِ الموتِ يستترُ
وَعاشقُ الجسم ِ لا خُلدٌ ولا نِعَمٌ وعاشقُ الرّوحِ مَنْ يُقضَى لهُ الوطرُ
كنتُ أحيا مثلَ ملكٍ وبأحلامي أطيرْ
كنتُ في عيشي هنيئًا وأنا طفلٌ صغيرْ
كنتُ في لهو ٍ ولعبٍ في ابتهاجٍ وَسُرُورْ
كالفراشاتِ تهادَتْ بينَ أفواجِ الزُّهُورْ
كظباءِ البَرِّ أعدُو لستُ أدري ما الشُّرُورْ
كلُّ يومٍ ليَ عيدٌ كلُّ أجوائي عُطُورْ
كانَ كوني في سلام ٍ لستُ أدري ما الشُّرورْ
إنَّما الدَّهرُ خؤُونٌ قاهرٌ فينا الغُرُورْ
هُوَ لا يبقى بحالٍ وعلى الحُرِّ يَجُورْ
لمْ يثقْ فيهِ حكيمٌ كانَ في الدُّنيا خبيرْ
إنَّني اليومَ أعاني عالمي أضحَى مريرْ
طالَ في الليلِ سُهَادي لم أنَمْ فيهِ قريرْ
عوسَجٌ أضحَى وسادي بعدَ أن كانَ حريرْ
أقطعُ الايَّامَ كدًّا واللظى حولي تَمُورْ
والرَّزايا في طريقي كيفما سرتُ تسيرْ
كلُّ آمالٍ تلاشَتْ وغدَا القلبُ كسيرْ
أنا أحيا في زمان ٍ فيهِ قد ماتَ الضَّميرْ
أصبحَ الحُرُّ كئيبًا ليسَ يدري ما المَصيرْ
في انزِواءٍ وَشُرُودٍ صامتًا مثلَ القبُورْ
فظلامُ الليلِ يطغى عالمٌ أمسى ضريرْ
أعطني النايَ وَغنِّ أيُّهَا الشَّادي الفصيحْ
مُذ دُهُور ٍ كم أعاني مثلما الطير الجريحْ
في لظى الأهوالِ أمشي ابدًا لا أستريحْ
في سبيلِ الحقّ أمضِي إنَّ مَسْعَايَ صَحيحْ
حاملٌ صُلبانَ شعبي وَجراحاتٍ تصيحْ
حاملٌ تاريخِ مأسا تي وآلامَ المَسيحْ
أعطني النَّايَ وَغنِّ إنَّني ذقتُ العذابْ
إنَّ في صمتي نزيفا إنَّ في روحي اكتِئابْ
أعطني النايَ وَغنِّ فالغنا روحُ الوجودْ
إنَّ صوتَ النايِ يسمُو كلَّما طالَ السُّجودْ
أعطني النّايَ وَغنِّ أيُّهَا الشَّادي الجميلْ
إنَّ في الشَّدوِ عزاءً للذي باتَ قتيلْ
كم فرشتُ الأرضَ عطرًا واستنارتْ بي الفصُولْ
وجعلتُ القفرَ خصبًا وصنعتُ المُستَحيلْ
سوفَ آتيكَ انتصارًا طالعًا من كلِّ جيلْ
أقهرُ الموتَ وأبقى مثلَ صُوَّانِ الجليلْ
فمَخاضُ البرقِ يأتي قبل أن تُروى الحقول
أعطني النَّايَ وَغنِّ فالغنا دِفءٌ وَظِلُّ
كلُّ خطبٍ يتلاشَى كلُّ هَمٍّ يَضْمَحلُّ
أعطني النَّايَ وَغنِّي فالغنا يُحيي النّفوسْ
إنَّ صوتَ النَّاي يحلو بعدَ أن نجلو الكؤُوسْ
بعدَ أنْ تسمُو صلاةٌ هيَ ليستْ كالطقوسْ
أعطني العُودَ وَمنِّي تسمعُ الصَّوتَ الشّفيفْ
مِنْ غنائي الكونُ يغدُو كلُّ ما فيهِ لطيفْ
إنَّني رمزُ نقاءٍ إنَّني دومًا شريفْ
لم تُغيِّرني خطوبٌ في ربيع ٍ أو خريفْ
إنَّني رُغمَ جراحي في لظى النارِ أسيرْ
حاملٌ آمالَ شعبي ولهُ نعمَ النَّصيرْ
حاملٌ مشكاة َ نور ٍ عُنفواني كالنّسُورْ
ليَ عزمٌ يتحدَّى كلَّ أهوالِ الدُّهُورْ
لمْ تُنَكِّسْني المَآسي والرَّزايا والشُّرُورْ
كم تسلّقتُ الرَّوابي كلَّ قمَّاتِ الصُّخُورْ
لم يُقيِّدْني مكانٌ .. أو زمانٌ للنّذورْ
وتضَمَّخْتُ بطهر ٍ وَتعمَّدْتُ بنورْ
وَمَسَاري كانَ مَيْمُو نًا .. ولكم طالَ المسيرْ
أعطني النَّايَ وَغنِّ في الغنا نلقى العزاءْ
هُوَ سحرٌ وَدواءٌ هُوَ للرُّوح ِ شفاءْ
العُمرُ طالَ وكم خطبٍ نُقارعُهُ والظلمُ مهما عتَا لا بُدَّ ينحسرُ
إنَّ الحياةَ بهذي الأرضِ مَهزلة ٌ والجَهْبَذُ الحُرُّ طولَ الدَّهرِ يفتقرُ
فكلُّ لغز ٍ وَمَهْمَا طالَ طلسمُهُ لا بُدَّ يُكشفُ بينَ الناسِ ينتشرُ
تُبدي الحياةُ لنا ما نحنُ نجهلهُ يبدُو لنا كلُّ ما قد كانَ يستترُ
والخيِّرُونَ بهذي الأرضِ ما فتئُوا الحقُّ ديدَنُهُمْ والأنوارُ والطُّهُرُ
وَعاشقُ الرّوحِ فوقَ الشَّمسِ مَوطنُهُ وَعاشقُ الجسمِ تحتَ الأرضِ يندثرُ
أعطني النّايَ وَغنِّ فالغنا نبعُ السُّرُورْ
إنَّ صوتَ النّاي يبقى لم تُدنّسهُ الشُّرُورْ
قد قطعتُ العمرَ ركضًا وتسلّقتُ الصخورْ
وَفرشتُ الدربَ عطرًا وسَلامًا وَحُبُورْ
قد شربتُ الطّهرَ صرفًا في كؤُوس ٍ من أثيرْ
وَتضمَّختُ بعطر ٍ ... وتعَمَّدْتُ بنورْ
أعطني النايَ وَغنِّي وَانْسَ ألوانَ العَذابْ
نحنُ في الدنيا سُطورٌ حظنا كان اغترابْ
فاغتمْ ما قد تبقَّى لأوَيْقاتٍ عِذابْ
هذه الأيامُ تمضي إنَّها مثلُ السَّحَابْ
أعطِني العُودَ وَمِنِّي إستَمِعْ لحنَ الخُلودْ
إنَّ صوتي عُلوِيٌّ ساحرٌ كلَّ الوجُودْ
أعطني العودَ فإنِّي ... بغنائي سأجُودْ
فيهِ أطيافُ التمَنِّي كلُّ أنغام ِ السُّعُودْ
إنَّ صوتَ العودِ يبقى بعدَ أن يغفو الوُجودْ
كلُّ مجهولٍ سيأتي ما مضى ليسَ يعُودْ
أنا في الكونِ أسيرٌ لستُ أدري ما المَصيرْ
وبروحي وَضميري إنَّني مثلُ الطيورْ
ليتني أسطيعُ طيرًا مثلَ أسرابِ النّسورْ
سابحًا مثلَ الأثيرِ فوقَ كون ٍ من شرُورْ
أعطني النايَ وَغنِّ فالغنا يشجي الفصاحْ
إنَّ صوتَ النايِ يبقى بعدَ أن تشفى الجراحْ
ننشُدُ الأحلامَ دومًا كلَّ ليلٍ وصباحْ
عمرنا يجري سريعًا مثلما تجري الرياحْ
لم نُحقّقْ كلَّ حلم ٍ ليس منهُ من براحْ
عيشنا ما كان سهلا لم يكن شهدا وَراحْ
كانَ كدّا مُستمرًّا ونضالا وكفاحْ
فانطلاقي لا انهاءٌ في الفيافي والبطاحْ
ومساري مثل نجم طول دهر ما استراحْ
أعطني النايَ وَغنِّ فالغنا يحيي السلامْ
إنَّ أشواقي تسامَتْ إنَّ روحي في اضطرامْ
وبصوتِ النَّاي صَحْوٌ منعهُ كان حرامْ
إنَّ صوتَ النَّاي يبقى بعدَ أن يُمحَى الكلامْ
أعطِني العودَ وَغنِّ أيُّهَا الشَادي الأمينْ
إنَّ صوتَ العودِ أحلى مِن صدَى النَّاي الحزينْ
فيهِ تهذيبٌ وَفنٌّ ... وَسُمُوٌّ للفطينْ
يُنعشُ الاحلامَ والآ مالَ والحُبَّ الدَّفينْ
فيهِ أنغامُ خلودٍ كلُّ أشواقِ السنينْ
أعطني العودَ وغنِّ أطلقِ الصَّوتَ الجميلْ
فالغنا أحلى الأماني للذي باتَ نحيلْ
إنَّني ذبتُ هيامًا إنَّني صَبٌّ عليلْ
فالغنا يُنعشُ روحي وأرى الكونَ جميلْ
أعطني العودَ وغنِّ فالغنا نورٌ ونارْ
إنَّ صوتَ النَّاي يشجي كلَّ قلبٍ في انكسارْ
فيهِ أطيافُ حنان ٍ وترانيمُ هَزارْ
إنَّ قلبي في نزيفٍ إنَّ روحي في انحسارْ
أعطني النَّايَ وَغنِّي قبلَ هجري للدّيارْ
قبلَ أن أرحلَ جسمًا أتلاشَى كالبُخارْ
ثمَّ يُطوَى سِفرُ عُمري كلُّ شيىءٍ في اندِثارْ
أعطني النّايَ وَغنِّ أيُّهَا الشَّادي الصَّبُوحْ
فالغنا يُطربُ قلبًا عاشقًا صَبًّا سَمُوحْ
إنَّ أزهارَ جناني دائمًا تبقى تفوحْ
وَبُنودُ الفجرِ تعلو فوقَ أحلامي تلوحْ
أعطِني النَّايَ وَغنِّي فالغنا سرُّ البقاءْ
إنَّ دنيا الناسِ وَهمٌ كلُّ ما فيهَا هَبَاءْ
أنا مِن نور ٍ أتيتُ لستُ مِنْ طينٍ وَماءْ
أعطني النايَ وَغنِّ وانْسَ ما قالوا وَقيلْ
قد مضى العُمرُ سريعًا لمْ أضيِّعْهُ السَّبيلْ
ما لأزهارِ الأقاحي فوقَ أكفاني تميلْ
إنَّها ترثي فتاهَا بنحيبٍ وَعَويلْ
والصَّبا تخطو وئيدًا تلثمُ الجسمَ النَّحيلْ
والصَّبايا الغيدُ تبكي .. كلُّ أزهارِ الجليلْ
فوقَ أكفاني وُرُودٌ واقحُوانٌ وخَميلْ
إنَّ روحي في سماءٍ أنا في الأرضِ قتيلْ
خبِّري يا ريحُ عنّي كلَّ أزهارِ الوطنْ
إنَّني أفدِي ثرَاها رغمَ أهوالِ المِحَنْ
إنَّ روحي كشذاهَا هيَ لي أحلى كفنْ
وبلادي هي نبضي لم يُعادلهَا ثمَنْ
أعطني النايَ وَغنِّ في سُمُوٍّ وانتشاءْ
واغتنِمْ أيامَ سعدٍ .. وَحُبورٍ وَهناءْ
إنَّما العيشُ كحلم ٍ ليسَ في الأرضِ بقاءْ
لا تقُلْ : بيدينا هكذا شاءَ القضاءْ
كلُّ أمر ٍ سوفَ يُقضَى وَإذا ما الرَّبُّ شاءْ
مَعدني الطّهرِ سيبقى أنا نورٌ وضياءْ
لستُ أرضَى الأرضَ دارًا إنَّ بيتي في السَّماءْ
أعطني النايَ وَغنِّ إنَّني صَبٌّ كئيبْ
إنّني في الارضِ أحيا دائمًا مثلَ الغريبْ
إنَّ روحي في سُمٌوٍّ فوقَ كون ٍ من نحيبْ
جسدي إن غابَ حقًّا إنَّ روحي لا تغيبْ
الخيِّرُونَ بهذي الارضِ كم صبَرُوا
خاضوا التَّجاربَ عندَ اللهِ ما خسرُوا
إيمانُهُمْ هزَّ أطوادًا لقدْ خشَعَتْ
مِنْ خشيةِ الرَّبِّ.. كم تُروَى لهُمْ سِيَرُ
الطّهرُ واكبَهُمْ والنُّورُ عمَّدَهُمْ
أندادُهُمْ دائمًا طولَ المدَى كُثُرُ
اللهُ يحرُسُهُمْ لا زلّتْ بهمْ قدَمٌ ولا عضامٌ لهُمْ في الضّيقِ تنكسرُ
الربُّ ناصِرُهُمْ في كلِّ مُعتركٍ مهما يُعانوا فإنَّ البغيِ ينحصرُ
أمَّا الذي نهجُهُ الآثامُ يسلكُهَا بالكُفرِ والعُهرِ والأرجاسِ ينتحرُ
المؤمنونَ جنانُ الخُلدِ مسكنُهُمْ أمَّا جهنَّمُ بالكفّارِ تستعرُ
المؤمنونَ صراطُ الربِّ دَيدَنُهُمْ الأرضُ فيهِمْ لكمْ تزهُو وتزدهرُ
إنِّي بموكبهِمْ واللهُ بارَكني وأينما سرتُ حولي النّورُ ينتشرُ
وسوم: العدد 933