بدعوة من الأستاذ الشاعر محمد هاشم رشيد رحمه الله ، رئيس النادي الأدبي
في المدينة المنورة ، كانت لنا أمسية شعرية شارك فيها الأخ الشاعر محمود
مفلح ، وذلك يوم الثلاثاء 30/4/1410هـ ، حيث أُلقيت العديد من القصائد
لكل واحد منا ، وبعد الانتهاء من الأمسية التقينا بعض الإخوة المقيمين في
المدينة المنورة من أبناء ديرالزور ، فاستذكرنا الأيام الخوالي قبل
خروجنا من مدينتنا ، وكانت جلسات مباركة في مدينة الحبيب صلى الله عليه
وسلم ، أُلقيت فيها القصائد التي تمَّ إلقاؤُها في الأمسية الشعرية إضافة
إلى قصائد أخرى ومنها هذه القصيدة:
***
***
هوامش :
(1 الوبـد : ضيق العيش
قالوا : الفراتُ ! فقلتُ : الخيرُ ماوعدا = وشاطئاهُ جَنىً ـ لم يبخلا ـ وندى
وفي مُحيَّاهُ نجوى غيرُ مجدبةٍ = تمدُّ مَنْ يستَقي من شذوِها الرَّشدا
وفي تَرقرُقِه حُلوُ الحديثِ وما = يخبِّئُ الحبُّ لمَّـا يعتكرْ أبدا
هنا نشأتُ ، وفي أحضانِه درجتْ = أولى خُطايَ هُدىً لم تعرف النَّكدا
فماؤُه الكوثرُ الثَّجَّاجُ من ظمأ = يروي النفوسَ التي لاترتضي الحسدا
وربَّ مضنىً تعافى من مواجعه= بغرفةٍ من قراحِ البِـرِّ مانفدا
هو الفراتُ ولم تذبلْ خمائلُه = وما تثاقلَ عن بذلٍ وما فسدا
وراقَ ، تهواهُ نفسٌ مانأتْ كللا = عن سلسبيلٍ يداوي الرُّوحَ والجسدا
ألم نجدْ مُتَعًـا روحيَّةً وندىً = ومنهجًـا ظلَّ في سعي العلى سندا
طفولةٌ عذبةٌ في دارِ رفعتِه = ماروَّعتْ في مفانيها الفتى الرَّغِدَا
وفي مراحِ الضُّحى ألفتْ مباهجَها = نديَّةَ الخطوِ تنفي الهمَّ والفندا
ماضرَّها في المغاني شجوُ مفتَقَدٍ = إنْ لم يكنْ رشدُها المحمودُ مُفتَقَدَا
قد شنَّفَ السَّمعَ صوتُ الفجرِ في ظُلَمٍ = ولامسَ الهممَ القعساءَ خيرُ صدَى
وراحَ يُلبسُ مَن وافاه بردتَه = ومَن سعى لصلاةِ الصُّبحِ معتمدَا
قالوا : نأيْتَ ، فقلتُ : النأيُ أوردنا = شِدقَ الهمومِ تلوكُ القلبَ والكبدَا
وقلتُ : إنِّي بديرالزورِ لي أملٌ = وفي الشآمِ التي طابت لنا بلدَا
وحبُّ أوطانِنا الإيمانُ مكَّنه = ولن ننازعَ في هذا الهوى أحدَا
لولا النَّوازلُ مافارقْتُ جنَّتَها = ولا ركبتُ الأسى ـ في العيشِ ـ والجَلَدَا
لكنَّه قدرُ الرحمنِ والهفي = أراهُ خيرًا أتى للنَّاسِ لانكدَا
أمَّا المجيءُ إلى هذي الربوعِ فقد = أجراهُ شوقٌ بقلبي هاجَ واتَّقَدَا
حبُّ النَّبيِّ ولي في وصفِه صُحُفٌ = تبوحُ بالشَّوقِ الذي للصَّبِّ قد شهدَا
قد طارَ قلبي إلى ربعٍ به شغفي = وبالوفاءِ له طولَ الزمانِ شدا
قد أطربتْهُ طيوفٌ داعبتْ مقلا = فأنشدَ الشَّعرَ في أوصافِه وَحَدَا
يسقي الحبورُ بصدري طُهرُ قافيةٍ = غَنَّتْ لطيبةَ مُذْ قلبي بها سعدَا
وحبُّها الثَّرُ أغناني وعلَّمني = معنى الولاءِ ، وقلبي فيه ما اقتصدَا
وما القوافي التي قد صغْتُ غيرَ هوىً = في القلبِ أكرمَه ماضلَّ أو شَرَدَا
أُحبُّ وحيَ الهدى في طيبة ائتلقتْ = آياتُه للورى دينًـا سما وهدى
أُحبُّ خيرَ الورى ، أحيا لسُنَّتِه =وأكرهُ الزيفَ ـ نهجَ الغيِّ ـ والزَّبَدَا
أُحبُّ هذا الثرى مذْ عطَّرَتْ قَدَمٌ = مداهُ يومَ رسولِ اللهِ قد وَفَدَا
وأهلُها خيرةٌ من خيرةٍ ، ولهم = من الحبيبِ حِباءٌ أبعدَ الوَبَدا (1)
ولن يُضاموا ، فهم جيرانُ مَن شهدَتْ = له السماواتُ والأرضون يومَ بدا
قد اصطفاهُ الذي تُرجَى مواهبُه = وليس يذهبُ ما أعطى الإلهُ سُدَى
لاتعجَبَنَّ إذا سارَ المديحُ له = فكل مدحٍ لغيرِ المصطفى قَعَدَا
شذا المدينةِ عُنوانُ الربيعِ فلم = تعبقْ طيوبٌ لنا في غيرِها وَنَدَى
فللعبادِ أحاديثٌ معطَّرةٌ = تفوحُ بالمجدِ أغنتْ كلَّ مَن قَصَدَا
خيرُ النَّبيِّن مَن هلَّت بشرعته = سحائبُ الجودِ طابت في العصور يَدَا
مُحَمَّدٌ صفوةُ الأخيارِ ، مصحفُه = لمَّـا يزلْ لأولي الأبصارِ ما جُحِدَا
في ظلِّ دعوتِه عِشنا مفاخرَنا = ولم نجدْ غيرَه للفخرِ ملتَحَدَا
والنَّصرُ في وجهِه نورٌ يطالعُنا = إن دلهمَ الخطبُ أو جاسَ البلادَ عِدا
بيانُ كلِّ دواويني لشرعتِه = وبئس كلُّ حديثٍ للهوى هَجَدَا
ماعزَّت الأمَّةُ استهدتْ بسيرتِه = إلا إذا اتَّخَذَتْهَا للعلى عمدا
قد جئتُ طيبةَ والأشواقُ تسبقني = والقلبُ في طربٍ قد جدَّ واجتهدَا
وقرَّبَتْه إلى المغنى مراكبُه = ممَّـا أفاضَ حنينُ الروحِ أو حَشَدَا
وراحَ يغزلُ في مجلاهُ مبتهجًـا = نسيجَ زهوٍ سناهُ اليومَ ماوُئِدَا
هذي المنازلُ قد أغرتْهُ طلعتُها = فهبَّ يطوي إليها البلقعَ الجردَا
فامْنَحْهُ ياربِّ قربًـا لابعادَ له = وامنْ عليه بفضلٍ منك جُِحِدَا
فالقلبُ يسمو إذا استهداكَ مقتربًا = وعن ذميمِ الأماني عاشَ مُبتَعِدَا
وَهْوَ الذي مِن يَدَيْ نعماك فرحتُه = وَهْوَ الذي لسواك العمرَ ما سَجَدَا