شهرُ الهدى والفتحِ والفرقانِ = وهديَّـةُ الرحمنِ للإنسانِ
قد أجزلَ الحسناتِ فيه وضاعَفَنْ = أجرَ المنيبِ الصَّائمِ الظمآنِ
وأتى يجبُّ الإثمَ عمَّنْ يرعوي = ويتوبَ توبَ الصَّادقِ اللهفانِ
هذي ليالي الفضلِ زيَّنَها النَّدى = بجزيلِ عفوِ اللهِ ذي الإحسانِ
هذي أيادي الجودِ من ربِّ الورى = تمحو مثالبَ صاحبِ العصيانِ
وتنيرُ دربَ التَّائبين ، فتزدهي = أيَّامُهـم بالخيرِ والإيمانِ
نفحاتُها بالأُنسِ نمنم طيبُهـا = وسرى بأحناءِ الفؤادِ الهاني
بتلاوةِ القرآنِ تحيا أنفُسٌ = وتقومُ من خطلٍ ومن نقصانِ
وإدامةِ الأذكارِ في جوفِ الدُّجى = ولجوءِ قلبِ العبدِ للدَّيَّانِ
وتتابعِ الخُطواتِ نحوَ مساجدٍ = يهفو إليهـا طالبو الغفرانِ
وبحُسْنِ أخلاقٍ ، وطيبِ سجيَّةٍ = تركتْ مباهجَهَـا على الأبدانِ
فالقومُ سيماهم ضياءُ وجوهِهِم = ونديمُهم قد فازَ بالرضوانِ
لم يألفوا شرًّا ، ولم يستأنسوا = إلا بشذوِ الوُدِّ والتحنانِ
فالدِّينُ تربيةٌ تُحَصِّنُ أهلَها = من شرِّ أهلِ الزَّيغِ والشيطانِ
تسمو بنفسٍ آمنتْ ، وتقودُها = بيدِ الرَّشادِ إلى عُلُوِّ الشأنِ
باتتْ تُلِـحُ تَضَرُّعًـا بدعائِهـا = للهِ لا للإثمِ والعدوانِ
فأثابَها المولى بمغفرةٍ ولم = تُحرَمْ بدنياها هدى القرآنِ
لتقولَ فائزةً وقد نعمتْ بما = رأت العطاءَ الجَزْلَ في التِّبيانِ :
آثرْتُ ماعندَ الودودِ من المنى = وهجرْتُ زورَ تجارةِ البهتانِ
واشتقْتُ في شهر النَّدى لمنازلٍ = لاتُشتَرى بسفاهةِ الكفرانِ
فالخيرُ عندي لستُ أُبدلُه بمـا = قد شاعَ بينَ النَّاسِ في الأزمانِ
فاللهوُ صنعةُ غافلين عن الذي = يلقون عندَ تَوَهُّـجِ النيرانِ
جعل الإلهُ من الليالي عِبرةً = إن أقبلتْ أو أدبرتْ للجاني
ليؤوبَ أوبةَ مَن رأى أنَّ الردى = آتٍ وبعدَ الموتِ نشرٌ ثانِ
ويرى مساوئَه التي قد أُحصِيَتْ = تُلفَى بلا غمطٍ ولا نقصانِ
ويرى سعيرَ النَّارِ للأعمى الذي = باعَ الثَّمينَ بأرخصِ الأثمانِ
هيهاتَ تنفعُهُ الوجاهةُ والفضاضةُ .=... غرَّتاهُ بفورةِ الطغيانِ
أيَّامَ لم يعبأْ بدعوةِ ناصحٍ = أو يُصغِ في يومٍ لصوتِ أذانِ
فالأرضُ تشهدُ والسَّماءُ وأهلُها = أنَّ النِّداءَ سرى بكلِّ مكانِ
مَنْ صدَّ عنه فقد تردَّى خاسرًا = ونعاهُ داعي الويلِ والخسرانِ
فاربأ بنفسِك عن سفاسفَ ردَّهـا = وعيُ اللبيبِ ، وطالبُ العرفانِ
للهِ أيَّامٌ إذا ما أقبلتْ = فانهضْ إليها ، فالقطوفُ دوانِ
فيها حديثُ الخُلدِ يُنْبِئُ عن غـدٍ = وعن النَّعيمِ بجنَّةِ الرضوانِ
شهرُ الصيامِ فلا تُضَيِّعْ شأنَه = فتبوء ــ حين الوهبِ ــ بالخسرانِ
أَوَتَنْقَضي أيَّامُه والقلبُ في = دوَّامةِ الأهواءِ والإذعانِ
للإثمِ للأهواءِ للدنيا التي = غرَّتْ زخارفُهـا أخا الإمعانِ
ياللخسارةِ والضياعِ لمَن جفـا = مافيه من قَدْرٍ ومن برهانِ
من رحمةٍ تُرجَى ، ومغفرةٍ ومن = عتقٍ من النيرانِ والأشجانِ
أين العقولُ ؟ ألم تُنَوَّرْ بالهدى = وتبثَّ شذوَ الوحيِ في الأذهانِ !
أَوَلَم يـَرَ المشتاقَ ما أبقتْ مثانيه .= ... الجليلةُ من شذى الأفنانِ !
أحلى رقيقَ النَّفحِ في روضٍ هفا = منه الأريجُ لعاشقِ الفرقانِ
مَتِّعْ حياتَكَ بالمآثرِ شامخًـا = بجليلِ مافي الزَّهـوِ في الأردانِ
واجعلْ فؤادَك من رحيقِ جمالِها = والروحَ ــ طولَ العمرِ ــ يرتشفانِ
وَأَثـرْ بأعماقِ الجوى حيويَّةً = لم تنطفئْ أشواقُها بزمانِ
واستلهم الأفراحَ من طورِ السَّنا = تأفلْ هنالك وحشةُ الخِذلانِ
هيهات تفجعُكَ الملامةُ أو ترى = همًّـا تراهُ بأوجهِ الندمانِ
رمضانُ ميَّزَ بينَ وهـمِ مكابرٍ = وخليلِ صومٍ مؤمنٍ جذلانِ
رَدَّتْ فضائلُه وقاحةَ فاسقٍ = والفسقُ زادُ بقيَّةِ الأخدانِ
كم عربدوا ، واللغوُ ينزغُ بينهم = ويشيعُ سيئُه من الهذيانِ
فاسودَّت الأيام في أحداقهم = وعمُوا وصمُّوا في المدى الضَّحيانِ
تعمى القلوبُ إذا تراكمَ فوقَها = درنُ الخطايا فوقَ قُبْحِ لسانِ
السَّادرون بغيِّهم وضلالِهم = بالإثمٌ والسَّوءاتِ والإرنانِ
عاشوا على السَّهَرَاتِ يجمعُهم هَوَىٍ = أنساهُمُ مافي السنَّى الرمضاني
إنَّ الشهورَ لديهمُ يومٌ به = من حمأةِ الأرجاسِ والحرمانِ
ياويلَ مَن لم تصفعِ الذِّكرى مفاسده . مفاسدَه ... = ... ويُسقَى شربةَ الغفرانِ
للهِ جـودٌ لاحدودَ له ، ولم = يجعلْ لأهلِ التَّوبِ من خِذلانِ
واللهُ يغفرُ كلَّ سيئةٍ إذا = وافى المنيبُ بقلبِه اللهفانِ
فَلْنَدْعُ للإسلامِ قومًـا أسرفوا = من قومِنا لشريعةِ الرحمنِ
نأسَى عليهم رحمةً وَتَفَجُّعًـا = أملا بعودةِ إخوةِ الإيمانِ
فاصدعْ أخا الإسلامِ في أسماعِهم = كي يرعووا من غفلةِ الأذهانِ
هـم ينكثون العهدَ ليس تُضيرُهم = في النَّقصِ عاقبةُ التَّبارِ الدَّاني !
جلبتْ لهم دنياهُمُ شهواتِهم = فتمرغوا بقذارةِ الأدرانِ
هذا تحزَّبَ للمفاسدِ والخنا = وأناخَ حول تعاسةٍ وهوانِ
وأخوه خفَّ إلى نداءِ مهرِّجٍ = يسقي الخمورَ بكأسِه النشوانِ
والآخرُ الجوَّابُ في ميدانها = بئسَ العنادُ بلوثةِ المَيدانِ
وقفوا جميعًـا شامتين تبجُّحًـا = ممَّـا أصابَ لِسُنَّةٍ ومثاني