رُدَّ لي عهدَ صبوتي وافتتاني = بلذيذِ اللقا ، وعَذبِ التَّداني
واسْقِ قلبي من الرحيقِ المصفَّى = إنَّ قلبي خوى من الحرمانِ !!
قد تناءى فَأنْزِلَنْهُ بوادٍ = غيرِ ذي زرعٍ في ربوعِ الأمانِ !!
ضاقَ ذرعًا ، وللبعادِ اقترانٌ = بلهيبِ الأشواقِ أَيَّ اقترانِ
إذْ طوتْ جفوةُ الحبيبِ بعينيْهِ ... = ... ابتهاجًا تضمُّـه المقلتانِ
يومَ أغضى على الفراقِ فأشقى = قلبَه المسترقَّ للنُّدمانِ
وقضى النأيُ حكمَه ، فمع الشوقِ ... = ... بذا الحكمِ ليس يختلفانِ
أمعَنَـا في عذابِ نفسٍ ترامتْ = وبأحلى عذابِها يمعنانِ
ماصبـا يومًا ، والصَّبابةُ ضجَّتْ = بينَ أحناءِ قلبِه الظَّمـآنِ
عن يـدِ الأُنسِ في مراتعِ روحٍ = منعتْها عن أفْقِها راحتانِ
يتوخَّى قرْبَ الدِّيارِ ولولا = حرَّتاها لَمَـا سعتْ قدمانِ
ذاكَ مغنى الحبيبِ ، والنَّفسُ تاقتْ = إذْ تراءى السَّنى بخضرِ المغاني
وتثنَّى الربيعُ زهوًا ، وفاحتْ = جنباتُ الربوعِ بالريحانِ
والبشاراتُ في الورى جلبتْها = عاطراتٍ قوافلُ الرُّكبانِ
والحكاياتُ قبلُ تنقلُها الجِنٌّ ... = ... بأُمِّ القرى بكلِّ لسانِ
وُلِدَ النُّورُ فانجلى الفجرُ ... = ... فاستيقظَ من طولِ نومِه الإنسانُ
واشرأبَّتْ أعناقُ ليلٍ طويلٍ = مذعناتٍ للواحدِ الدَّيَّـانِ
وتنادتْ إلى النِّداءِ جموعٌ = سلبتْها الهدى يـدُ الشَّيطانِ
يومَ أصغتْ وما النِّداءُ بِمُجدٍ = حينَ لايُلفي الشَّوقَ في الآذانِ
ووعتْهُ القلوبُ منبهراتٍ = من جُذى الغيبِ ، والسَّنا الرَّباني
هكذا كُنَّ قبلُ في غفلاتٍ = مذعناتٍ لسطوةِ الأوثانِ
تؤثرُ التِّيهَ والضَّلالةُ تعمي = لابعقلٍ صحتْ ولا برهانِ
تشتريها بضاعةً لامتهانٍ = كفُّ أهلِ التَّبارِ والخسرانِ
وإذا القلبُ بيعَ ، فالغِلُّ يُدمي = بِيَدَيْ مُشتريهِ والأعوانِ
يتغنَّى ، وللصَّدى حسراتٌ = من شقاءٍ ومن لحونِ امتهانِ
هكذا قبلُ كُنَّ وارتجفَ السِّمسارُ ... = ... لمَّـا وافاهُ صوتُ الأذانِ
وتحامى برهطِه يتفادى = مالهذا الأذانِ من تبيانِ
وتناسى ، أو لم يُعِرْهُ اهتمامًا = مشمخرًّا بالإثمِ والطغيانِ
لم يصدِّقْ أنَّ الحقيقةَ تمحو = بيديها مزاعمَ البطلانِ
إنَّه النُّورُ أيُّها الواهمُ اليومَ ... = ... استنارتْ به فجاجُ الزَّمانِ
وأتى الفتحُ من إلهٍ قديرٍ = جـلَّ من راحـمٍ ومن رحمانِ
بِنَبِيٍّ ــ والَّلهِ ــ يُفدَى بروحٍ = وبأهلٍ ــ والَّلهِ ــ والعقيانِ
مَنْ يُكذِّبْهُ إنَّه لجديرٌ = بشقاءٍ وخسَّةٍ و هوانِ
جاءَ للخلقِ رحمةً فاستظلَّتْ = أُممُ الأرضِ بوركتْ والمثاني
وبخَيْرَيْ دنيا وأخرى ، وعـزٍّ = لايُدانَى ، ونعمةِ اطمئنانِ
وخلودٍ في جنَّةِ الخُلدِ يطوي= مايلاقي الفتى من الحدثانِ
سيِّدي سيّدي وأنت المرجَّى = يومَ وضعِ الأعمالِ في الميزانِ
قد حثثْتُ الخطى إليكَ وإنِّي = ياحبيبَ الرحمنِ في أشجاني
في الدروبِ العجافِ أمشي غريبًا = مثقلاً بينَ وطأةِ الأحزانِ
لاأُداري الأيامَ تبَّتْ يداها = خوفَ مافي الأيامِ من طغيانِ
أو أُحابي أهلَ المناصبِ مهما = زأرَ الضِّيقُ بالأسى العريانِ
أو أُمنِّي نفسي التي مالوتْها = عاصفاتُ الأرزاءِ في ميدانِ
بسرورٍ يأتي به الحظُّ يومًا = أو مراحٍ مجنَّحٍ بالأماني
مُذْ أطلَّ الصباحُ ذاتَ ربيعٍ = في دويراتِ نشأتي وافتتاني
كانَ حبُّ النَّبيِّ زادي وفخري = واعتزازي لقلبيَ المتفاني
ورشادي إذا الدروبُ ادلهمَّتْ = بعُواءِ الأشرارِ والذُّؤبانِ
لم أُفرِّطْ ، ولن أُفرِّطَ يومًا = بيقيني الذي يصونُ كياني
أو بهذا الهوى لأجلِ حياةٍ = لاتساوي حثالةَ الفنجان
إنَّ مَنْ يعرف الحقيقةَ أولى = أن يردَّ التفاتةَ الخذلانِ
للدنايا وللسفاسفِ تُغري = مَنْ توانى عن مدرجِ الإحسانِ
حيثُ وافى مع الأماني شبابًا = ضاعَ في حمأةِ الهوى النشوانِ
ربِّ رحماكَ لاتُضيِّعْ عهودًا = ملأتْها حلاوةُ الإيمانِ
وترفَّقْ ياربِّ إنِّي مشوقٌ = لرضاكَ المأمولِ والشُّكرانِ
ماتراءيْتُ ربِّ فوقَ سبيلٍ = ليس يُكسَى من محكمِ القرآنِ
أو تلوَّيْتُ في مفازةِ زورٍ = ويحَ نفسي أو غيهبٍ من دخانِ
ما أراني الإيمانُ غيرَ انعتاقٍ = يتوخَّى طهارةَ الوجدانِ
راقَ لي نفحُه الأثيرُ ، وأوفى = ما أتاني من فائح البستانِ
فرأيتُ الحياةَ مجلى فرارٍ = من وباءِ اعتدادِنا الشيطاني
لوثيقِ اهتدائِنا بِنَبِيٍّ = هـلَّ نورًا أضاءَ في الأجفانِ
فالليالي بوجهِه مقمراتٌ = والنجومُ الحِسانُ في الأكوانِ
وحُداءُ الرُّكبانِ أبدله الهادي ... = ... بتكبيرِ جندِه الفرسانِ
لصداهُ الطَّاغوتُ أذعنَ خوفًا = وتخلَّى هذا الجبانُ الأناني
واستدارَ الزمانُ إذْ عـزَّ قومٌ = بتعاليمِ سُنَّةِ العدناني
مالهذا الربيعِ عنَّـا تناءى = فالتجأنا لوهنِنا والهوانِ !!
وعثرْنا ولم نجدْ مَنْ يُعزِّي = مبتلانا من القلوبِ الحواني !!
وانهزمنا فكيف نُنصرُ والعزمُ ... = ... أسيرُ الفتورِ لا العنفوانِ !!
وصحونا ودارُنا في حصارٍ = من ثقيلِ الفولاذِ والصَّوانِ !!
آهِ ما أوثقَ القيودَ على الناسِ ... = ... استعادوا الإباءَ بعدَ التَّواني
وأجلَّ الخطوبَ أعمى أذاها = من قلوبٍ ومن عيونٍ روانِ
آهِ ما أصدقَ الكذوبَ إذا ما = ســوَّقَ الوهمَ بالقنا والسِّنانِ
أسمعيني يانفسُ ممَّـا حبانا = ربُّ هذا الوجودِ من إيقانِ
واقرئي بعضَ ماحفظتِ من المجدِ ... = ... فإنِّي في حبِّه متفانِ
ردِّدي سورةَ البراءةِ ممَّـا = نحنُ فيهِ من غفلةٍ وتوانِ
وأعيدي الأنفالَ يُزجي شذاها = ضبحَ خيلِ يومَ التقى الجمعانِ
أينَ مَنْ بايعوا الإلهَ ففازوا = شهداءً ... في وقعةِ الفرقانِ !!
الربيعُ الفوَّاحُ غيرُ بعيدٍ = عن مغاني الفداءِ والفرسانِ
هو في أوجُهِ الهُداةِ ، وفي أحناءِ ... = ... جندِ الإسلامِ حين الطِّعانِ
وتعودُ الآياتُ تُتلَى ، فطوبى = لأولي الذِّكرِ أُولِعُوا بالمعاني
إنَّني قد أقسمتُ باللهِ يومًا = قسمًا ليس فيه من نكرانِ
أنَّ نصرًا لأمَّتي لم يكنْ إلاَّ ... = ... بيسرى شريعةِ الرحمنِ
في الزمانِ القديمِ ، أو في زمانٍ = يتباهى بالتَّقنياتِ الحِسانِ
فلكلِّ الرَّاياتِ يومُ سقوطٍ = في المدى غيرَ رايةِ القرآنِ
مابلغْنا العلى ونلنا المعالي = ذاتَ يومٍ بالذُّلِّ والإذعانِ
قد تحاشى لقاءَنا ملكُ الصِّينِ ... = ... زمانَ اعتزازِنا بالمثاني
يومَ داسَ المجاهدون على الزَّيفِ ... = ... وعافوا بهارجَ العبدانِ
واستظلُّوا بالسَّيفِ حينَ مقيلِ الجندِ ... = ... تاقتْ نفوسُهم للأوانِ
ربِّ عادَ الربيعُ فاجعلْهُ فتحًا = باسمَ الفجرِ ، عاطرَ الأردانِ
وأعدْ فيه وعيَنا ، وهُدانا = وانتشِلنا من فتنةٍ وافتتانِ
وأجرْنا من شرِّ طاغٍ وغازٍ = وزنيمٍ معربدٍ وجبانِ
ومن الوهنِ شِدقُه يأكلُ الصَّحوةَ ... = ... في ملهى خِسَّةٍ وأغاني
ربِّ عادَ الربيعُ فاجمعْ سراياهُ ... = ... على البِـرِّ والإخا الإنساني
وارحم الخلقَ إنَّهم بينَ فكَّيْ = مَنْ تمادوا بالإثمِ والعدوانِ
لم يزلْ للنَّجاةِ سِفرَ حبورٍ = حيثُ يُزجي للعالمين التَّهاني