( أرادوا إخفاءَ بهجتِهِ ، فأتاهم من حيث لم يستطيوا إلا أن يروا نهارَه الجميل )
سألتني الأعينُ الظمأى التي=أقلقتْها ظلماتُ الوحشـــةِ
أين منَّا للربيعِ ابتهجتْ=أنفسٌ ضاقتْ بطولِ الهجعةِ ؟
واعتدادٌ لجنى أفنانِه=باسقاتٍ باليدِ المسلمةِ ؟
من مغاني مكة الإسلامِ قد=عمَّتِ الدنيا طيوبُ الدعوةِ
وبأفياءِ هدانا أثمرتْ=في بساتين النَّدى في طيبةِ
هاهو الهادي على أرجائها=فَـوَّحَ المجدُ بأحلـى خطـوةِ
وبنى المسجدَ معْ أصحابِه=مـوئلا قد طابَ بالمنزلةِ
وتآخى فيه من كانوا على=جرفٍ يغرقهم في نكبةِ
وتناءى شرُّهم لمَّـا أتى=سيِّدُ الخلقِ بأسمى صورةِ
وحباهم ربُّهم من فضلِه=وسقاهم من رحيق الصُّحبةِ
واصطفاهـم للمعالي موكبًا=ولأهـلِ الأرضِ أوفى نجدةِ
فالفتوحاتُ هدايا أمَّـةٍ=لبني آدمَ من طيوبِ الرفعةِ
وخبتْ نارُ مجوسٍ كفروا=ومضى الرومِ بعارِ الخسَّةِ
وطغاةُ الأرضِ أخزاهـم بما=ظلموا الناسَ بأقسى ظلمةِ
والملايينُ الذين استُبعِدوا=عن حقوق لَهُـمُ في صحوةِ
إنَّه الإسلامُ قد أيقظهم=ودعاهم للهدى والعـزَّةِ
ولحـقٍّ حُرموهُ عُنوةً=لفسادِ الحكمِ في ذي الغمرةِ
إنَّه الطغيانُ في أحكامهم=والأذى للناسِ قيدُ الشِّدَّةِ
فترى الطاغي بها منتفشًا=مثل فرعون بماضي المـدَّةِ
آية للهِ مازالتْ لهم=عبرةً لكنَّهم في سكرةِ
وسيأتي البحرُ يطوي بغيَهم=وينالون جزاءَ الصَّفقةِ
إنها الدنيا وما أبقتْ على=مجرم مستهترٍ بالأُمَّـةِ
وهو الدينُ الحنيفُ انطلقتْ=بمحيَّاهُ ركابُ النهضةِ
لتعيدَ الخيرَ في دنيا الورى=ولعمـري تلك أغلى مُنْيةِ
أين منَّا ذلك المجدُ الذي=ليس في أسفارِه من زلَّةِ ؟
تذكرُ الدنيا على رجعِ الصَّدى=ما له في أُفقِها من رفعةِ
في يدَيْ عصرِ اضطرابٍ لطمتْ=كفَّتاهُ ما له من هدأةِ !
كم درجنا في فيافيه ضحىً=فكبتْ أفراحُنا في الغُمَّــةِ !
و رمانا بالأذى قانونُه=بيدٍ غادرةٍ جائرةِ
منذ ستين ونيفٍ قد مضتْ=من سنيِّ العمرِ غرثى جفوةِ !
ووعينا شجوَنا منذ الصِّـبا=إذ طمى في غدوةٍ أو روحةِ
ونشأنا و على آماقِنا=حملَ الشَّجوُ رفيفَ الفرحةِ
إخوةً عشنا وما أشغلنا=ما زها في لهوِهم من فتنةِ
وعرفنا اللهَ في فطرتِنا=و رأينا النُّورَ في الفاتحـةِ
و ملأنا قلبَنا من حبِّه=وهدى مصحفِنا والسُّنَّةِ
وسألْنا يومَها والدَنا=أين أيامُ ربيعِ الدعوةِ !
أين حبلُ اللهِ في أُمتِنا=و اعتصامُ العصبةِ المؤمنةِ !
أين ميْدانُ علانا يا أبي=والهدى الأسمى بظلِّ العزَّةِ !
وطريقٌ فيه نلقى أمنَنا=ونرى فيه تدلِّي المُنيةِ !
***= ***
هزَّني همِّـي وقد هزَّ الأذى=موكبَ الصبحِ بطولِ المحنةِ
فتثاقلْتُ وقد أغفتْ على=مجدِها المجروحِ أبهى بسمةِ
واكتئابي بدَّ دّ الأمنَ على=زفرةٍ ثارتْ بوقدِ اللوعةِ
وأتاني والدي مؤتزراً=سَحَرًا يمسحُ عني عبرتي
قالَ و الدنيا بعيني أظلمتْ :=أيْ بُنَيَّ اليومَ بدءُ الصحوةِ
إنه المصحفُ نادى أُمَّـةً=في دياجي غفلةٍ مقلقةِ
ضجَّتِ الأرضُ بتكبيرٍ فقمْ=وَاشْهدِ الدنبا بأبهى حُلَّةِ
الربيعُ الحلوُ قد وشَّى المدى=وحباه منه أسنى شِيَةِ
والسماوات ، ومِن أملاكها=نزلوا بين طيوبِ العبقةِ
وُلدَ النُّورُ فيا هذا الورى=لاتلنْ ـ ويحك ـ معْ إمَّعةِ
واحظَ بالتوحيدِ سبحانَ الذي=يومَ أعطى جادَ بالمرحمةِ
وسعَ الدنيا رخاءً و ندىً=فانظرنْها بالمنى والنعمةِ
وُلدَ الفتحُ و ولَّى ظلمُهم=و توارى صاغرًا في ذلَّةِ
لن يعيشَ المؤمنُ الأتقى على=غيرِ عزٍّ رغمَ عصفِ الشدَّةِ
قلتُ و انجابَ المدى عن ومضةٍ=ما أُحيْلاها ـ أخي ـ من ومضةِ
ملأ النورُ حنايا أضلعي=ولوى من ألمي عن مهجتي :
يا أبي كيفَ أُباهي و الأسى=يمضغُ القلبَ بِشِدْ قَيْ وحشةِ !
كيف تحييني المنى في زهوِها=ولهيبُ البثِّ يغشى مقلتي !
كيفَ أحيا ناعمَ البالِ و في=مسمعي يطرقُ ثُكلُ الأمَّــةِ !
هذه القدسُ وفي جبهتها=أثرُ العارِ ، وصفعُ النكبةِ
والملايينُ التي تعرفُها=بينَ لهوٍ قذرٍ أو رِدَّةِ
واليهوديُّ الذي ناجزْتَه=يتحدَّى بشرَ الأرضِ التي :
أذعنتْ للرجسِ في غيبتِنا=واليهوديُّ وريثُ اللعنةِ
يا أبي ماذا أرى غيرَ العنا=في نظامٍ عالميِّ الخسَّةِ
وأراني ـ ويحَ نفسي ـ قشَّةً=تتلوَّى في هديرِ الموجةِ !
وبكربٍ أثقلَ الرأسَ به=ما اعتراني من دوارِ الهجعةِ
وإذا بي بينَ يّدَيْ نومي أرى=نفرةً ضجَّتْ بها أُنشودَتي
وفمُ الفجرِ ينادي نُوَّماً=حيَّ يا قومُ لأوفى يقظةِ
وتعالوا لجهادٍ ليس في=غيرِه اليومَ سبيلُ الرفعةِ
إنها البشرى فوالهفتنا=إنها الرؤيا وطيبُ النفحــةِ
حلوة الخطوِ وفي آبائِنا=جـدَّ في الأبناءِ صدقُ السيرةِ
ليلةٌ هلَّتْ وفي أعينِنا=من تباشيرِ ابتسامِ الثِّقةِ
ربِّ فارحمْ والديَّ استنشقا=عبقَ الجنَّـةِ عامَ النفرةِ
فأبي عافَ المغاني ، ومضى=لجهادٍ فيه أشهى مُنيةِ
ولأُمِّي حولَ أطفالٍ لها=من دعاءٍ فيه صدقُ اللهجةِ
وحكايا إذْ تسلينا بها=لم تزلْ تخطرُ في ذاكرتي
لك عاشا وفلسطينُ على=مقلتيْ شجوهما في حسرةِ
ربَّنا فارحمْهما أنتَ الذي=تُرتَجَى للعفوِ ثمَّ الجنَّــةِ
***= ***
الربيعُ المشرقُ الباهي جلا=بالسَّـــنا اللمَّـاحِ وجـهَ الظلمةِ
والنداءاتُ التي كانتْ صدى=أرجعتْها البيدُ في رجعيتي
بوركتْ واللهِ من رجعيَّةٍ=لتخومِ العزِّ بعدَ الذلةِ
مكةُ الخيرِ وفي أردانِها=عِطْرُ روحٍ أحمَدِيِّ اللفتةِ
ملأَ الدنيا شذاهُ وسرى=بالمثاني يالطيبِ الوِجهةِ
أينما حـلَّ فنورٌ و هـدىً=وانعتاقٌ عن جنوحِ الرغبةِ
رفعَ الرأسَ أبيًّا شـــامخًا=ما حنى يومًا إباءَ الجبهةِ
مَنْ يرَ اللهَ له ربًّا يعشْ=أبدَ العمرِ بأجلى عزمـةِ
ذلكُم تاريخُه ... أسفارُه=لم تزلْ تُتلى على بيِّنةِ
بارتِ الزِّيناتُ في أيامهِم=بفصولٍ مُرَّةٍ مظلمةِ
ربَّ عدوانٍ على أُمتنا=صارَ إنقاذًا لها من ورطةِ
واعتداءٍ صارخٍ لمَّـا يدعْ=آمنًا في مُدُنٍ أو قريةِ
باتَ في قانونِهم ذا صفةٍ=- مثلما دافوه - إنسانيَّةِ
ضاقَ بالأمةِ قانونُ العمى =وتمادى والغًا في السَّـــكرةِ
أوما آنَ لقومي أن يروا=جرحَهم ينزفُ ثرَّ الدفقةِ !
أتناسينا ربيعَ المصطفى=ومآتيهِ وأزكى روضةِ!
ستعودُ الأرضُ في أفيائِه=جنَّةً وارفةً بالبهجةِ
لا يغرنْكَ تمادي بأسِهم=عاثَ بالحقدِ الذي لم يثبتِ
فغدًا تأتي سرايا مَنْ جَنَوْا=ثمرَ الصَّبرِ بنورِ الدعوةِ
عرفَ الحقَ بنو جلدَتِه=فأتاهم مغدقًا بالصِّلةِ
ليس فيهم مَن رمتْ وجهتُه=خلفَ أوهامِ سرابِ الخدعةِ
أو توارى بين مسعىً خَرِبٍ=مثقلٍ بالكيدِ أو بالشقوةِ
فانطلاقُ الحقِّ في ركبانِه=قامـعٌ للشرِّ في المعمورةِ
والتجاراتُ بدتْ بائرةً=غيرَ ما في سوقِه الرابحــةِ
إنَّه الإسلامُ ياقومي وما=في سواه للعلى من وثبةِ
فاحزموا الأمرَ وهبُّوا إنَّما=يصنعُ النصرَ ربيعُ الشرعةِ
إنَّه الزلزالُ يطوي بغيَهم=برعودِ الضَّبحِ ثمَّ الصيحةِ
بسرايا أمَّــةٍ كم صبرتْ=ونَشيدِ الفتحِ عالي النَّبرةِ
وصدى التكبيرِ ما أمهلهم=فسقى الباغي حميمَ النخوةِ
دعوةٌ للهِ إسلاميَّةٌ=في حناياها فيوضُ الرحمةِ
لا لطغيانٍ أتى قرآنُها=أو لحكمٍ جائرٍ في شدَّةِ
عرفَ الخلقُ مزايا دينِنا=فالسَّجايا عذبةٌ في السُّنَّةِ
ليس في إسلامنا مايَشتَكى=منه مَن يَغشاهُ نورُ الآيـةِ
فاسألوا اليومَ قلوبًا أسلمتْ=من نصارى أو يهودِ الملَّةِ
أسلموا والدمعُ في أعينهم=شارةَ الصِّدقِ وشوق المهجةِ
هـو زهوُ العزِّ بالدِّينِ الذي=شاءَه اللهُ بأجلـى صورةِ
شرُّكم محتدمُ في أرضِنا=سِفرُ حقدٍ من زمانِ البعثةِ
ما رأيناكم سوى في سفهٍ=غَــلَّ أيـدٍ عن مآتي الرِّفعةِ
فشرارُ الخلقِ مَن هـم جحدوا=نِعَـمَ اللهِ وخاضوا بالتي !
فتهاوتْ بالمآسي دولٌ=إذْ صفعْتُم أهلَها بالذِّلَّةِ
وتكالبْتُم على خيراتِهـا=وسلبْتُم مالهـا من نعمةِ
مـا تورَّعْتُم ففي طغيانكم=قد طوى الظلمُ اعتدادَ الخطوةِ
والحضاراتُ التي مـا أثمرَتْ=غيرَ شوكٍ في حقولِ النقمةِ
لارعى اللهُ لياليكم ولا=نلتُـمُ في صبحها من مُنيةِ
في قرون خالياتٍ كفرتْ=أمــمٌ حيثُ انتهتْ في حسرةِ
لايغرَّنَ التَّمـادي في الهوى=أنفسًا عاشتْ لذيذَ السَّكرةِ
يمهلُ الديَّانُ إنْ شاءَ إلى=موعـدِ الخسفِ بيومِ الغضبةِ
هـو يومٌ لـم يـزلْ ذا نقمةٍ=من جماهيرِ هُـواةِ الفرحـةِ
كلما اشتدَّ أذاكم وشوى=من جلودِ الناسِ في المعمورةِ
إذْ أتتْهم غـارةُ اللهِ على=لهفةِ العـاني بتلك الليلةِ
لفـؤادٍ قـد كـواهُ بغيُكم=ولعيـنٍ أُغرقَتْ بالدَّمعـةِ
لاتظنُّوا النَّاسَ لا مولى لهم=قـد تجلَّى ربُّهـم بالغيرةِ
فهُمُ الخلقُ بدنيا ربِّهـم=ولأنْتُمْ جئتُــمُ بالعلَّةِ
وجنيتُم عندما باعدتُـمُ=بينهمْ تَبًّـا وبينَ الفطـرةِ
في حنايا العالَمِ الطاوي على=ظلمةِ القهرِ بتيـهِ المحنــةِ
هـم ينادون الذين استعذبوا=مُجْتَنَى الخيرِ بظلِّ الدعــوةِ
وهــو الإسلامُ آتٍ رحمةً=للبــرايا يالَهــا من رحمــةِ
إنَّـه القرآنُ طوبــى للَّـذي=أسعدَ العُمْرَ بُعَيْدَ الجفوةِ
وَبِهَدْيِ السُّنَّةِ الغرَّاءِ لــم=يبقَ فيهم مَن شكا من لــوعــةِ
إنَّ أيامَ المآسي آذنتْ= برحيلٍ مــالَـه من رجعـة