هذه قصيدة قالها الشاعر بمناسبة زيارة الرئيس أنور السادات للقدس وتوقيع اتفاقية الذل والسلام مع إسرائيل (كامب ديفيد)، بتاريخ 19 نوفمبر 1977م.
سيد أحمد السيد
يا زائرَ القُدسِ؛ لا فَتْحًا لِمَغناهُ =بل راكِعًا عِندَ مَن داسُوا مُصَلَّاهُ
وأضرَموا النارَ في محراب مَسجده =وأسكنوا الرُّعبَ في أرجاء مَبناهُ
اِذهَبْ سَتَرجِعُ مَوصُومَ الجَبينِ فلا=مَجدٌ بِكَفذَيكَ في الرُّجعى ولا جاهُ
العيد أقبل ، و الساعون قد وقفوا=في ظل بيت إله العرش ؛ أعلاهُ
ناداهُمُ اللهُ يومَ الحَجِّ فالتَجَؤُوا=لِكعبة النور ، إذ ناداهم اللهُ
ويمموا عرفاتٍ ، و القلوبُ عَنَت= لبارئ الكون ؛ ترجوه وتخشاهُ
وأنت تسعى لأعتاب اليهود كما= يسعى المُصلِّي إلى مِحراب مَولاهُ
قِف خاشعا في مطار اللُّدِّ مُبتَهِلًا= و اضمُمْ مَناحِيمَ شَوقًا حِينَ تَلقاهُ
وابسِم لِمَائِيرَ في ذُلٍ ، وفي خَفَرٍ= واسكُبْ مِن الوُدّ أحلاهُ ، وأصفاهُ
وقُل لها واليَدُ النَّشوَى تُصافِحُها:= حانَ اللِّقاءُ الذي ما كانَ أشهاهُ؟!
جِئنا إلى القُدس يا مَائِيرُ! يَدفَعُنا= شَوقٌ عن الشعب أعوامًا كَتَمْناهُ
يا لَلعَجُوز التي كُنَّا نَحِنُّ لها= وَجْدًا كما حَنَّ قَيسٌ نَحوَ لَيلَاهُ؟!
يا شَعبَ صِهيَونَ أنتُم مَنبِتٌ كَرُمَت=مِنهُ الأصُولُ ، وقد طابت سَجَاياهُ
نبكي لِمَا حَلَّ بِالأبطال مِنهُ لَدَى= نُصبٍ يُذكِّرُنا أغلى ضَحَاياهُ
كِيسِنجِرُ الشَّهمُ مِنكُم وهو جامِعُنا= على الوِفاق ؛ فَحَيَّا اللهُ مَسعاهُ!
طِرنا خِفافًا لِإسرائيلَ يَحمِلُنا= لِرَبعِكم أمَلٌ زاهٍ ... مُحَيَّاهُ!
نبغي السلامَ ، و قَتلانَا وعِزَّتُنا= والأرضُ والعِرضُ بَعضٌ مِن هَدَاياهُ
هذا البِساطُ لنا رمز نَدينُ به= دَمُ الشهادة - بِالأقدام - دُسناهُ!
فلتقبلونا ضُيوفا في منازلكم= فنحن -في النهج والأخلاقِ- أشباهُ!
و لتمنحونا أمَانَ السِّلمِ إنَّ لَنا= عَزمًا شَرُودًا ؛ إذا المَيدانُ نَادَاهُ
ونحن قوم نسينا الثأر مِن زَمَن= وكُلُّ ما سَطَّرَ الماضي نَسِيناهُ!
وكل ما رَفَّ في المَيدان مِن عَلمٍ= في رمل سِينا - بأيدينا - دَفَنَّاهُ
و الفاتحون محونا كل ما كتبوا= و لم نعد في عهود السلم نقراه!
نستنكر الفتحَ إن الأرضَ أرضُكُمُو=نأبى الجِهادَ ؛ فإن الغَربَ يأباهُ!
وقد مددنا يدا - للصلح- طالبةً= و ما أرادته أمريكا .. قَبِلناه؟!
في برلمانكم - المعمور- نُعلِنه= عَهدًا ، ونحنُ قديمًا ما خَفَرناه
لولا الشعوبُ التي نخشى تَمَرُّدَها= مِن رُبع قرنٍ، لَكُنَّا قد مَنحناه!
يا زائر القدس والاغلالُ تُثقِله= وسهمُ صِهيونَ في الأعماق أرداهُ
تمشي ويَحرُسُكَ الغازونَ مُنطلقًا= إلى المُصَلّى ، وذُلُّ الأسر يَغشاه
فكيف سَرَّكَ تَحتَ القهرِ مِنبَرُه= وكيف راقَكَ في الأغلال مَرآهُ؟!
صبيحةَ النحر في الأقصى وقِبلَتِه= نَحرتَ كُلَّ إباءٍ ، قد وَرِثناهُ
سفحتَ كل حياء عند صخرته= و بِعتَ كل نفيس عِندَ مَسراهُ
أضعتَ كلَّ تَليدٍ مِن مكارمنا= هدمتَ كل مجيدٍ ، قد بنيناه
و خُنتَ كل شريف فاتح بطلٍ= ضحَّى فأصبحَ هذا التُّربُ مَثواهُ
و جئت كلَّ قبيحٍ فاجرٍ دنسٍ= حاشا الفُجورَ وحاشا العُهرَ يرضاهُ
يا زائر القدس في ظلماء مِحنته= ألستَ تَسمَعُ في الظلماء شكواهُ
أمَا شجاكَ أذانٌ مِن مَنارته؟!= أما نَشقتَ من الزيتون رَيَّاهُ؟!
لا، بل أصَمَّكَ عن نجواه صَوتُ هَوىً؛=فلستَ تسمعُ في الظلماء شَكواهُ!
تنام فوق فراش الغدر في دعة= والقدس قد عز فوق النار مغفاهُ
جلستَ -والخَصمَ- مَدعُوًّا لِمائدة= فأنت تشكر ملقاه ، و مأواه؟!
ورُحتَ تَسكُبُ نَخبَ العارِ مِن دمنا=إلى مناحيمَ تَسقيهِ ، و تُسقاه!!
فاهنأ بـ "فتحك" فَتحِ الخائنين لقد= أنلتَ جَلَّادَ شعبي ما تَمَنَّاهُ
و ما ذكرتَ دَمَ الأحرارِ تَسفِكُهُ=-في دير ياسين فوق التُّرب- كَفَّاهُ
وَدِّعْ نَدَاماكَ قد حان الفِراقُ كما= يُودع -العاشِقُ الباكي - نَداماهُ
وابثُثْ حَمِيمَكَ شوقًا رُحتَ تحمله= بينَ الضلوع ، إلى ميعاد لُقياهُ
و قُل لِأخدانكَ السُّمَّارِ في شَجَنٍ= ما أجمَلَ الليلَ إذ يصفو نشاواه!
ما أقصَرَ الوقتَ والأكوابُ مُترَعَةٌ=في قصر داود - بالأحلام- عِشناهُ
وارحل عن القدس في ذل وفي ضَعَةٍ=واحمل من العار؛ أخزاهُ وأبقاهُ
نقشٌ صَفيقٌ على الوجه الصفيق بدا=لا الزيف عنا ، ولا التدجيل أخفاهُ
وارجع لِمِصرَ بأبواقٍ ... مُهَرِّجَةٍ=و موكبُ الغدر مَزهُوًّا ، و تَيَّاهُ
واصنع من النصر ألعابًا مُحَطَّمَةً=وارفع من المجد فوق النيل أوهاهُ
يا بائع الشرف المذبوحِ في وطني=وبائعَ القدسِ ؛ مَسراهُ ، و أقصاهُ
لُعنتَ في يوم عيد النحر ما لطمت=بالعار جبهتُكَ الشوهاءُ ذكراهُ
لعنت في القدس من أبناء ضَفَّتِه=مِن سجن أسراه من اجداث قتلاه
لعنتَ في مكةٍ مَا أمَّ مسجدَها= عبدٌ إلى الله - بالتوحيد - لَبَّاهُ
لُعنتَ في طيبة ما قامَ زائرُها= عِندَ الرسول ؛ فَناجاهُ ، و حيَّاهُ
لُعنتَ في وطن الإسلام قاطبةً= ما جادَ بِالرُّوح مِن حُرٍّ ، وفَدَّاهُ
مِن كل صوتِ أذانٍ ؛ مِن مَنائره= من كل قطرةِ نهرٍ سالَ مَجراهُ
من كل زهرة غُصنٍ في حدائقه= من كل حَبَّة رَملٍ ، في صَحاراهُ
وحيثما سِرتَ فوق الأرض تَسمَعها=حَتَّى كأنَّ جميع الأرض أفواهُ
يا أيُّها الخائِنُ ! الزاهي بِفَعلته= هَيهاتَ! لَن يبلُغَ الخَوَّانُ مَرماهُ
سيعلمُ البَغيُ أنَّ الحَقَّ هادِمُهُ= عِندَ الحِسابِ ، ويَلقَى سُوءَ عُقباهُ